العودة الى الصفحة السابقة
نور العالم

نور العالم

جون نور


قال يسوع أنا هو نور العالم (يوحنا 12:8).

تأتينا هذه الكلمات فتجدنا في شديد الحاجة إليها، في وقت يخيل إلينا فيه أن الظلام قد ضرب أطنابه وأن حلوكته قد أكتنفت كل مرافق الحياة. فيأتينا هذا الصوت الحلو قوياً حياً يقول لنا: {أنا هو نور العالم}.

إن العالم اليوم ليتخبط في ظلام حالك قاتم، وهو كالسجين الذي أطبق عليه سجنه، إنه يبغي منه فكاكاً، ويتوق إلى أن يطلق من أسره ويحل من قيوده، ما أعظم عوزه إلى هذا النور لأنه وحده يستطيع أن ينقذه من قيوده وأسره.

وكل فرد منا لا يشعر بأن حاجته القصوى في حياته الخاصة والعامة، في البيت والمتجر والمكتب والكنيسة إلى أن تكتحل عيناه بمرأى هذا النور المنعدم النظير، لهو بعد قاصر النظر أعشى البصر، وبصيرته مغلقة.

ها نحن أولاء نرى كيف أن العالم يتخبط بدمائه وفي دمائه، عندما يحاول البشر أن يغمضوا أعينهم عن يسوع مصدر النور وواهب النور. إنهم يندفعون في غيهم فينزلقون في حرب طاحنة ضروس. ثم عندما تنتهي حربهم تبدأ مخاوفهم. وقد أوضح الرسول بولس في الرسالة إلى أهل رومية عن العالم بغير نور يسوع، فهو يظهر لنا في الأصحاح الأول أن الوجود والكون جميعاً يكونان تحت حكم ليل دامس: { إن حاول أن يحيا من غير يسوع النور. إن الرسول ليوضح لنا هذا في نفس الإصحاح فيقول: {لذلك أسلمهم الله أيضاً في شهوات قلوبهم إلى النجاسة... أسلمهم إلى أهواء الهوان، أسلمهم إلى ذهن مرفوض} إلى آخر أعمال الظلمة التي يقشعر منها البدن وتتقزز منها النفس، وهل تظنون أن هذا حدث في العالم القديم فحسب؟ لا!!! إنه يحدث مع كل فرد أو جماعة أو هيئة تغلق قلبها لقبول النور الذي أشرق في وجه يسوع الفادي.

لقد كانت في البدء، ظلمة دامسة على وجه الغمر. ولكن الله قال: {ليكن نور، فكان نور}واستبانت الأشياء ووضحت، ويسوع يقول: {أنا كائن} {أنا هو نور العالم} فهناك ظلام كثيف يقف بين الله والإنسان. ظلام إحتجاب الله عن البشر. فالإله الأبدي، ملك الأبد الحي شق حجب الزمن وجاء إلينا، مولوداً من امرأة، مولوداً تحت الناموس. فهو إعلان الله لنا، لأننا رأينا فيه الله. وهو إعلان الأبد لنا، لأنه جاء بالأبد إلينا، وبعد أن كان نبع حياتنا محتجباً عنا، إذ به يحل بيننا ونرى مجده، وبعد أن كان الأبد غير معروف منا مستغلق علينا لا نفهمه، وكأنه لا يوجد بالنسبة لنا، أصبح أمامنا يحمل الأبد لنا، فأحسسنا بوجود الأبد وقوة الأبد، بل أكاد أقول: {لمسنا الأبد}، فما أعجبه من إعلان!!!

{الله نور وليس فيه ظلمة البتة}. ويسوع أنار الحياة إذ خلصها؛ وبدمه أفتداها وأنقذها، وجعل لها قيمة وقدراً ومعنى. إنه من الوحل إنتشلها، ومن أدرانها غسلها.

فإن كان يسوع هو نور العالم الذي يرى فيه البشر الله، فهو أيضاً نور العالم الذي رفع حياة البشر إلى الله ليراها في إبنه مبررة مقدسة مكملة.

فيسوع أنار الذهن البشري بتعاليمه، وأنار الحياة البشرية بحياته فيها، وأنار الحياة الحقة بفدائه مخلصاً إياها بموته،وأنار الخلود بجلال قيامته.

ففي وجه يسوع نرى الله، ونرى الحياة البشرية في أسمى ما تكون عليه، ونرى الخلاص والفداء والقيامة والخلود.

لقد جاء يسوع وأضاء بنوره. لقد أشرق وتلألأ، فما هو الموقف العملي الذي يمكن أن نتخذه إزاء هذا النور.

ينبغي أن نعترف قلبياً ويقينياً بأنه هو دون سواه: {نور العالم}.

إننا كثيراً ما نقول هذا بشفاهنا، ولكننا كثيراً ما نظهر عملياً ما يخالف هذا. إن هذه الحقيقة ينبغي أن تملأ وجودنا، فيسوع الذي هو نور العالم، يجب أن يكون لي نور حياتي. هو لي الشمس المشرقة، هو لي كل كياني ووجودي

يقال عن نوع من الطيور أن حنينه إلى وطنه شديد للغاية في قلبه، حتى أنك إذا ما أخذته إلى أي مكان في الكون يكون قلبه دليلاً له في عودته إلى وطنه.

وأيضاً تلازم الفراشة النور ولو أنها تحترق به، ونلازم نحن يسوع النور الذي نحيا فيه وبه. المؤمن حقاً هو الذي يتبع النور ولا يمشي في الظلمة بل يسلك في النور.

قرأت عن فتاتين كانتا تعملان كممرضتين في {دنكرك} في الحرب الأخيرة أثناء إعادة الجنود الإنجليز من أوربا إلى إنجلترا، كان البحر يذخر بالسفن التي تنقل الجنود وطائرات الأعداء تصب وابلاً من الحمم، وكل يسعى لنجاة نفسه بكل ما أوتي من قوة، والفتاتان تضمدان جروح الجرحى وتعملان على إنقاذ من يمكن إنقاذهم من الجنود. أمر الضابط المنوط الفتاتين بأن تنجوا إلى إحدى السفن لأن في بقائهما هلاك لهما وموت ذريع، فما كان منهما إلا أن قالتا له: {أيها الضابط إننا نستميحك العفو فإننا قد صممنا على أن لا نبرح من هذا المكان حتى نضمد جراح أخر جندي نراه} ولقد حملتا المشعل. مشعل الرحمة والحنان حتى النهاية.

إن كنا نؤمن أن يسوع هو نور العالم فليعرف العالم هذا النور فينا ومنا