العودة الى الصفحة السابقة
الصلاة

الصلاة

جون نور


كنت قد تكلمت في حلقة سابقة عن أهمية قراءة كلمة الله. أما الآن فأحب أن أسال عن مستوى الصلاة في حياتك. فهذان الأمران لهما أهمية تفوق التقدير، خصوصاً وأنهما مرتبطان تماماً معاً. فإذا كان أحد يقرأ كلمة الله ويهمل الصلاة، فإن النتيجة ستكون الافتخار البارد والغرور والكبرياء. وإذا كان أحد يصلي فقط مهملاً الكلمة، فإن النتيجة ستكون التعصب وكل العمى والجهل المرتبط به نظراً لأن أفكار الله ستكون غير معروفة له

إن الصلاة و "تلاوة الصلاة" ليسا نفس الشيء بل هما شيئان مختلفان. هناك آلاف الصلوات تقال يومياً، هكذا قال أيضاً الرب يسوع عن الفريسيين إنهم "لعلة يطيلون الصلوات" (مر 40:12). إن الصلاة هي التعبير عن الحياة الجديدة التي تدرك وتعي اتكالها على مصدرها. هذا لا يعني أن الله لا يستجيب أبداً صلوات غير المؤمن! إن الله يسمع صراخ فراخ الغربان ويعطيها طعامها وهكذا أيضاً يستجيب الله أحياناً لغير المؤمنين إذا كانوا مستقيمين في صلواتهم.

إن الحياة الجديدة تشعر بهذا الاعتماد والاتكال وتعبر عنه تماماً مثل ما يفعل الطفل المولود حديثاً – أحياناً بصرخات غير مفهومة وغير جذابة لوالديه. لكن الله يفهم هذه الأصوات المتنافرة وحتى أيضاً الالتماسات الغبية. فبالنسبة لقلبه الإلهي هي العلامة على أن هذه الحياة الجديدة واعية باعتمادها واتكالها. وبحسب غنى محبته الأبدية يعطي عطايا جيدة للشخص المصلي.

من هذا نستطيع أن نرى الأهمية العظيمة التي للصلاة وتقدير الله لها. هل يمكن أن يوجد والدون لا يريدون من أطفالهم أن يتكلموا إليهم أو يطلبوا شيئاً منهم لأن الأطفال لم يتعلموا بعد أن يتكلموا صحيحاً، أو لأنهم ربما يطلبون منهم أحياناً أشياء ضارة لا يقدرون كوالدين أن يعطوها لهم؟ إن الله يسر عندما يقترب إليه أولاده المولودون حديثاً في ثقة لكي يخبروه بكل احتياجاتهم. إنه من دواعي سروره أن يستجيب هذه الصلوات ورغم أن محبته سوف لا تسمح له دائماً أن يمنح كل طلبة طلبت منه، لأنه ربما يكون الشخص المصلي قد طلب أشياء ضارة له شخصياً، إلا أنه يمنح سلامه في قلب الشخص المصلي. "لا تهتموا بشيء بل في كل شيء بالصلاة والدعاء مع الشكر لتعلم طلباتكم لدى الله. وسلام الله الذي يفوق كل عقل يحفظ قلوبكم وأفكاركم في المسيح يسوع" (في 6:4 و 7).

في يوحنا 7:15 يقول الرب له المجد "إن ثبتم فيّ وثبت كلامي فيكم تطلبون ما تريدون فيكون لكم". هنا نرى التأكيد أن الله سيهب كل من يطلب منه في الصلاة. ولا يوجد استثناء هنا على الإطلاق. هل يوجد أكثر من كلمة "ما تريدون"؟ "تطلبون ما تريدون فيكون لكم!".

لكن هذا التأكيد يسبقه "إن ثبتم فيّ وثبت كلامي فيكم". هذا إذاً هو الشرط الواجب مراعاته إذا كنا نريد أن نكون متأكدين أن صلواتنا ستستجاب. فإن ثبتنا في الرب يسوع، فسنصير أكثر تشبهاً به، وإذا ثبت كلامه فينا، فإن مشاعرنا واهتماماتنا وكل ما نريده سيكون في انسجام وتوافق مع مشاعره واهتماماته وإرادته.

وفي الرسالة إلى العبرانيين 6:11 تعطينا الآية شرطاً آخر للصلاة المستجابة "يجب أن الذي يأتي إلى الله يؤمن بأنه موجود (كائن) وأنه يجازي (يكافئ) الذين يطلبونه!". "ولكن ليطلب بإيمان غير مرتاب البتة لأن المرتاب يشبه موجاً من البحر تخبطه الريح وتدفعه فلا يظن ذلك الإنسان أنه ينال شيئاً من عند الرب" (يع 6:1 و 7). إن الله يجاوب الإيمان! كيف يستطيع الله أن يستجيب صلاة إذا كان مقدمها ليس عنده ثقة كافية فيه ليؤمن أن الله سيفعل ما طلبه؟

كيف يحدث إذاً أن صلوات كثيرة لا تستجاب؟ يعطينا الكتاب المقدس أسباباً متنوعة. في دانيال 10 نرى أن الصلوات الحسنة أحياناً لا تستجاب في الحال. فالشيطان يحاول بكل قوته منع استجابتها. وهو في النهاية لا يستطيع أن يفعل هذا. لكن إذا سمح الله بهذا فإن الشيطان يستطيع أن يؤخر الاستجابة الفورية. والله في بعض الأحيان يسمح بهذا الامتحان لتقوية إيماننا.

والكتاب المقدس يذكر أشياء محددة تجعل قلوبنا تلومنا، وهذا يمنع استجابة صلواتنا. ففي مرقس 22:11 – 26 يذكر أحد هذه الأشياء وهو عدم وجود الاستعداد للمغفرة. أنظر أيضاً أفسس 32:4. إن اقترابنا إلى الله مؤسس على حقيقة كون الله قد غفر لنا كل خطايانا في المسيح. كيف إذاً يمكن أن تكون لنا جرأة إذا كنا لا نغفر من قلوبنا كل ما أخطأ به الآخرون إلينا؟

في رسالة يعقوب 3:4 نقرأ "تطلبون (تسألون) ولستم تأخذون لأنكم تطلبون (تسألون) ردياً لكي تنفقوا في لذاتكم". فإذا كنا نسأل من الله أشياء لكي نشبع شهوات قلوبنا، شهوات الطبيعة القديمة، كيف يستطيع الله أن يعطينا هذه الأشياء؟ إن الله يكره الطبيعة القديمة وقد دانها على الصليب (رو 3:8). وهو يطلب منا أن نحسب أنفسنا أمواتاً للخطية (رو 11:6)، وأن نميت أعضاءنا التي على الأرض (كو 5:3 – 17). "ولكن الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات" (غل 24:5). أليس سؤالنا هذه الأشياء يتضمن أن كلام الرب يسوع ليس ثابتاً فينا (يو 7:15)؟ أو لا يدل هذا على رغباتنا وميولنا وهي مناقضة تماماً لرغباتِ وميول الرب يسوع ولمقاصد الله وأفكاره؟

إن أوضح برهان على أن المؤمن ينمو هو بلا شك عندما يزداد تقديره لأهمية الصلاة، نعم، إن كل شيء بدون الصلاة تافه ولا قيمة له .

إن الله أبانا يخبرنا "لا تهتموا بشيء، بل في كل شيء بالصلاة والدعاء مع الشكر لتُعلم طلباتكم لدى الله". وإذا كنا أحياناً نطلب أشياء غبية لا تستطيع محبته أن تمنحها لنا، لكن "سلام الله الذي يفوق كل عقل يحفظ قلوبكم وأفكاركم في المسيح يسوع" (في 6:4 و 7).

ليت الرب يهبنا جميعاً أن نزداد إدراكاً لقيمة الصلاة، وأن نستخدم هذا الامتياز غير المحدود على الدوام. كم ستكون سعادة قلوبنا حينئذ، وأية شهادة ستفيض من حياتنا.