العودة الى الصفحة السابقة
الاتزان بواسطة ضبط النفس

الاتزان بواسطة ضبط النفس

جون نور


ادرس سير حياة العظماء تجد أن كلا منهم كان يتمتع بصفة ضبط النفس. كم من عائلات تدمرت وكم من بيوت خربت لانعدام فضيلة ضبط النفس بين أفرادها. هناك عدد كبير من رجال الأعمال القادرين الأكفاء المؤهلين من نواح عدة ومع ذلك فهم لا يكسبون إلا دخلاً محدوداً لافتقارهم إلى ضبط النفس.

لا تنتقم من أعدائك، لأنك بعملك هذا قد ترغمهم على دفع كلفة الغم، إنما الكلفة النهائية لغمك تكون أعظم. يعلمنا الكتاب المقدس (متى 44:5) أن نحب أعداءنا لأننا، إن كرهناهم وأبغضناهم، جعلناهم أسياد حياتنا. إننا حرفياً نرغمهم أن يسيطروا علينا. مثلاً رجل سبب لك الأذية وأنت تكرهه. فإن غضبك عليه يكون قرحة مؤلمة في شخصيتك، فأنت تبغضه ولا تريد أن تستقبله في بيتك، ولا أن يعاشر أقرباءك، عدا أنك لا تريد أن يجلس إلى مائدتك أو أن يصرف سهرة معك في غرفة الاستقبال. مع ذلك فإنك {تستضيفه} – برغم كرهك له – كل الوقت في مجرى دمك، وخلايا دماغك، وألياف أعصابك، وعضلاتك، ومخاخ عظامك. وبذلك تجعله يقوى على نومك، وعلى ضغط دمك، وعلى صحتك وسعادتك، وكأنك تلح عليه أن يتلف جسدك ويفت من عضد فعاليتك. ويا للهول!

منذ فترة من الزمن، نشرت مجلة {لايف} مقالاً عن ارتفاع ضغط الدم. وقد وردت في ذلك المقال عبارة تستوجب التفكير، وهي أن الصفة الشخصية الغالبة في المصابين بارتفاع عال في ضغط الدم هي {الحقد}. فتصور أي ثمن يدفعه أولئك الناس الذين يعوزهم ضبط النفس. فهم يدفعون، من الناحية المادية، فواتير الأطباء وأجرة المعونات الطبية، ومن الناحية العاطفية، يدفعون أعصاباً محطمة. أما معنوياً فيدفعون هزال فعاليتهم، ووهن قدرتهم، وانخفاض دخلهم. وأما عائلياً فيدفعون خصمات ومشاكسات بين أفراد الأسرة – ذلك النزاع الناتج عن البؤس والمرارة والشقاء، ويا له من ثمن باهظ.

تعلم درساً من السيد الرب الذي يجب أن نتبع خطواته، يسوع {الذي إذ شتم لم يكن عوضاً وإذ تألم لم يكن يهدد بل كان يسلم لمن يقضي بعدل} (1بط 23:2).

ولكي تتقن فن ضبط النفس يجب عليك أن تتعلم كيف تتغلب على الانتقاد. ولا أعني هنا أنك تقدر أن تتحاشى انتقاد الآخرين لك، ولا أنك تقدر أن تقمع الانتقاد، بل أن تتمكن من التغلب عليه بالنسبة لعلاقته بك شخصياً.

مرة أخرى أنصحك باتباع خطى الرب الذي غالباً ما كان السكوت رده على منتقديه. فلقد دافع عن الآخرين، وعن كلمة الله، وعن عمل أبيه السماوي، وعن الأولاد الصغار، ولكنه لم يدافع عن نفسه. غالباً ما يكون من الحكمة أن لا تجيب عن انتقاد الآخرين لك. قال الحكيم في سفر الأمثال 4:26: {لا تجاوب الجاهل حسب حماقته لئلا تعدله أنت}.

إن أصدقائك لا يحتاجون جواباً منك، وأعدائك لا يصدقونك حتى ولو كان جوابك صادقاً. وكثيراً ما يأتي الانتقاد بصورة مديح متنكر. وهذا يعني أنك أثرت منتقديك وغيرتهم.

فمن الحكمة أن تصغي للانتقاد الموجه إليك وإنما بصورة موضوعية. وفي أثناء ذلك لا تدع نفسك تنجرف وراء العاطفة. إن عملاً كهذا قد يفيدك أحياناً إلى حد كبير. فإذا كان الانتقاد في محله فافعل شيئاً بشأنه، وإذا كان عكس الحقيقة فانبذه نبذ النواة.

قد تصدر عن رجل وهو في سورة غضبه ألفاظ نابية مشينة وعندما يهدأ غضبه يعود ليقول: {إنني آسف. فأنا لم أقصد شيئاً مما قلت}. هذا غير صحيح. فهو كان يقصد شيئاً مما تفوه به لأنه فكر به من قبل، وإلا لما كان نطق به. وكلمة الله بهذا الخصوص واضحة جلية: {من فضلة القلب يتكلم اللسان} (مت 34:12). فهو لم يأت بتلك الكلمات التي تلفظ بها من لا شيء بل إنها كانت في قلبه.

عندما دعاني الله إلى خدمته المقدسة وضع على قلبي بأن أخضع روحي، بنعمته، لكامل سيطرته، هذا إذا شئت أن أكون سفيراً نافعاً للبلاط السماوي. وكثيراً ما استظهرت عن ظهر قلب ما ورد في رسالة تيموثاوس حيث تقول الكلمة هناك 2 تي 24: {وعبد الرب يجب أن لا يخاصم بل يكون مترفقاً بالجميع صالحاً للتعليم صبوراً على المشقات. مؤدباً بالوداعة المقاومين عسى أن يعطيهم الله توبة لمعرفة الحق.}ورحت أعمل فيه فكري.

إن عملية الضبط الذاتي سوف تسفر عن علاقة حيوية مع الله بالمسيح بحيث تأبى الاستجابة لانتقادات الآخرين باتضاع دنيوي ورضى مغرور وانتقام حقود. بل تستجيب بمحبة، لأن المحبة تتنافى والخوف الذي هو أساس القلق والهم. {لا خوف في المحبة، بل المحبة الكاملة تطرح الخوف إلى الخارج، لأن الخوف له عذاب. وأما من خاف فلم يتكمل في المحبة} (1 يو 18:4).