العودة الى الصفحة السابقة
متطلبات الفرح

متطلبات الفرح

جون نور


كتب بولس الرسول في رسالته إلى فيلبي {افرحوا في الرب، وأقول أيضاً: افرحوا}. (فيلبي 4:4).

قد تقول: {إنني لا أشعر بالفرح، ولا أحس أنني سعيد}. فهذا يعني أن الظروف التي تحيط بك لا تعمل على إسعادك. إن كثيرين من الناس، الذين أزمن القلق فيهم، يخطئون جداً في انتظارهم تغير الظروف التي تحيط بهم. ذلك لأن من واجبهم هم أن يغيروا هذه الظروف بقدر الإمكان.

إن السعادة ليست حالة صيرورة، بل هي حالة كينونة، فأنت لا تقدر أن تحصل عليها بالاكتساب، بل بالتبني، لاحظ معي الآية التي وردت في فيلبي 4:4، فهي ترد في صيغة الأمر، بالإضافة إلى كونها إلزامية. لم يقل بولس: {إن كان مزاجك رائقاً، فدعني أوصيك بالفرح}، لكنه قال: {افرحوا في الرب كل حين، وأقول أيضاً: أفرحوا}. ويمكن ترجمة الآية هذه، حرفياً، كالتالي: {ابقوا فرحين في الرب دائماً، وأقول أيضاً: ابقوا فرحين}، أي: اجعلوا فرح الرب نمط حياتكم الاعتيادية. وعندما تخفق في هذا الأمر، فإنك تخطئ. أنت تفرح عندما تحمد الله، لكنك لا تستطيع أن تسبح وتحمد الله إن كنت لا تفرح في الرب في جميع الأحوال التي تحيط بك، مهما كانت مزعجة. ينصحنا داود في مزمور 1:33 قائلاً: {اهتفوا أيها الصديقيون بالرب. بالمستقيمين يليق التسبيح}. هذا أمر صدر عن رجل قال عنه الكتاب المقدس أنه رجل حسب قلب الله.

أنت لا تكون أهلاً للمدح والثناء إذا فرحت وابتهجت حين تؤاتيك الظروف. لكنك عندما تجعل التسبيح للرب والابتهاج به نمط حياتك الاعتيادي، وتصل إلى حالة فيها تمجد الله، فإنك تصبح ذا مناعة من الغم والهم.

قد يبدو لك أن الأصدقاء تنكروا لك، والأقارب لا يقدرونك، والجيران صاروا أشراراً يشكلون خطراً على حياتك، والمصائب تلاحقك. إن وضعاً كهذا لا يمكنك قهره إلا بالموقف المعبر عنه في إشعياء 2:12، 40: {هوذا الله خلاصي فاطمئن ولا أرتعب، لأن ياه يهوه قوتي وترنيمي، وقد صار لي خلاصاً. وتقول في ذلك اليوم: احمدوا الرب، ادعوا باسمه، عرفوا بين الشعوب بأفعاله، اذكروا بان اسمه قد تعالى}.

وأنت يا صديقي تقول أن لديك مشاكل. ولا شك في ما تقول، فكلنا في المشاكل سواء، ولكن متى أصبح الفرح نمط حياتك الاعتيادي فلا تبقى شخصيتك كميزان حرارة البيئة، بل بالحري آلة لضبط الحرارة، ولا سيما إذا تعلمت ما قاله بولس الرسول في 1 تس 16:5: {أفرحوا كل حين}. وعندما كتب بولس هذه الرسالة، كان سجيناً في رومية، ومع ذلك فهو لم يكتب إلى الأخوة ليبكوا، أو ينوحوا، معه، بل قال: {افرحوا}. وقد استطاع أن يقول ذلك رغم مروره في فترة عصيبة وانتظاره الاستشهاد. فأي مبرر لنا حتى نستسلم للقلق والهم؟ فإذا شئت أن تستخدم الحمد والتسبيح دواء ناجعا للقلق، فما عليك إلا أن تعدد بركات الرب – وما أكثرها! هنا يتحتم عليك أن {تمنطق أحقاء ذهنك} وأن تركز انتباهك، بجد، على هذه البركات التي وهبك إياها الله بدون حساب، وأن تقرأ سفر المزامير حيث تجد لنفسك عوناً كبيراً.

ربما لا تكون هذه البركات مادية جميعها، ومع ذلك فهي بركات حقيقية. وتأكد أن الإنسان لا يجد فرحاً حقيقياً أن اقتصر الأمر على المكاسب المادية. والسبب هو أن فرحنا ليس في كثرة الأشياء التي نملكها: {لأنه متى كان لأحد كثير فليست حياته من أمواله} (لوقا 15:12).

بكم تريد أن تبيع صحتك المعطاة لك من الله؟ وبكم تثمن محبة زوجك المخلصة لك؟ هل فكرت أن تقيم محبة ابنك لك؟ بأي مقدار تريد أن تبيع سمعتك لو عرضت في سوق المزاد؟ أي مبلغ من المال يساوي بصرك الذي هو هبة من الله؟ وماذا تقول عن قدرة السمع والنطق والشعور والذوق؟ هل فكرت كم تكون حياتك مجدبة وشحيحة لو جردت فجأة، أو حرمت؟ من جميع أصدقائك؟ أحص بركاتك يا صديقي. أحصها حين تعاكسك الأمور، واشكر الله وتشجع وقل مع الرسول بولس في رسالته الثانية إلى أهل كورنثوس 9:12: {فبكل سرور أفتخر بالحري ضعفاتي، لكي تحل على قوة المسيح}.

دعني أقترح عليك هذا الأمر: عندما تغضب، أو تكتئب، خذ قصاصة ورق وضع عليها بالتفصيل جميع البركات التي تمر في خاطرك. ثبت انتباهك جيداً فيها وفكر بجد. لا بأس إذا اقتضاك هذا شيئاً من الوقت، فإن وقتاً كهذا ليس بأكثر من المدة التي تستسلم فيها للقلق والهم. وهكذا أمر لا يستغرق من وقتك بقدر المدة التي تصرفها في عيادة طبيب نفساني، عدا عن أنه لا يكلفك إلا القليل. وبقدرة الله تجد نفسك تعمل باجتهاد ونشاط لتتخلص من ورطتك. وهذا العمل يفيدك أكثر من لجوئك مستسلماً إلى العلاج النفساني. وإني أرجوك، يا صديقي، أن لا تحمل هذا القول على غير محمله. فإن ما قلته ليس استخفافاً بجدوى الطب النفساني وانتقاصاً لأهميته في حالات معينة. إلا أن عدداً كبيراً من الناس يلجأون إلى العيادات النفسانية، وهم في غنى عن ذلك. فلو اتخذوا بعض الاحتياطات، وواظبوا على العمل بهذه القاعدة: الحمد + الاتزان + الصلاة = السلام والاستقرار، لحصلوا على الأمن والراحة في حياتهم.