العودة الى الصفحة السابقة
التوبةً

التوبةً

جون نور


{الله الآن يأمر جميع الناس في كل مكان أن يتوبوا} (أع 30:17)

يعتبر موضوع التوبة من أهم موضوعات الكتاب المقدس، ومع ذلك فهو من الحقائق التي قلما يفهم الناس حقيقتها في هذه الأيام، فلو سألت الكثيرين تحديداً لمعنى التوبة فإن الغالبية العظمى منهم سوف يعطونك إجابات مضللة.

وقبل أن أوضح ما هي التوبة سأذكر باختصار الأمور التي قد يظن الناس أنها توبة مع كونها ليست كذلك:

التوبة ليست هي الخوف.يظن الكثيرون أنهم لكي يتوبوا ينبغي أن يخافوا ويرتعبوا، ولذلك فهم ينتظرون هذا الخوف لكي يتوبوا. لكن الآلاف وقعوا تحت تأثير الخوف والرعب من الله ومع ذلك لم يتوبوا توبة حقيقية. ربما سمعت عن أولئك الذين صادفتهم عاصفة هوجاء وهم على ظهر سفينة في عرض البحر، لقد ارتعبوا وخافوا، وفي وقت ضيقتهم رفعوا قلوبهم لله يطلبون الرحمة، لكن عندما انتهت العاصفة بسلام رجعوا إلى حالتهم الأولى من الخطية والشر. هل نسمي مثل هذا الخوف توبة؟.

كثيرون يودون أن يتوبوا ويعيشوا مع الله، لكنهم يظنون أنه لا بد أن يتملكهم شعور ما يدفعهم إلى التوبة.

والتوبة ليست هي التبكيت على الخطية.

رأيت أشخاصاً كانوا تحت تأثير تبكيت شديد لدرجة أنهم كانوا لا يذوقون طعم النوم ليلاً أو الراحة نهاراً ولا يتمتعون بطعام أو شراب، واستمر بعضهم على هذه الحالة لمدة شهور عديدة، ومع ذلك لم يختبروا حقيقة التجديد لأنهم لم يتوبوا توبة حقيقية.

والتوبة ليست هي الصلاة:

قد تقرأ الكتب المقدسة وتصلي إلى الله ليلاً ونهاراً ومع ذلك لا تتوب.

والتوبة ليست هي ترك خطية معينة: كثيرون يقعون في هذا الخطأ، فالسكير يظن أن التوبة بالنسبة له هي أن يقلع عن شرب الخمر. والزاني يظن أن التوبة بالنسبة له هي الابتعاد عن خطية الزنا. لكن ليس الأمر كذلك، فترك خطية معينة يشبه قطع غصن شجرة غير مثمرة وترك بقية الشجرة كما هي، أما التوبة فهي أن تقتلع شجرة الخطية من جذورها من حياتك. إن الله يطلب من الإنسان أن يترك، ليس خطية واحدة، ولكن كل الخطايا.

لو كنت في باخرة عبر البحر ورأيت في الباخرة عدة ثقوب تهددها بالغرق، فإن عالجت ثقباً واحداً منها فهذا لن يحفظ الباخرة من أن تغرق. ولنفرض أنني جرحت في ثلاثة أو أربعة مواضع من جسدي، واهتتمت بجرح واحد من هذه الجروح - وليكن أكبرها وأخطرها - وأهملت بقية الجروح، فإني سأظل في خطر أن تتسمم الجروح التي لم أهتم بها وتودي بحياتي إلى الهلاك.

ما هي التوبة؟

التوبة هي تغيير الاتجاه تغييراً كاملاًفالخاطئ عندما يتوب يدير ظهره للطريق الأول الذي كان يسير فيه ويسير في طريق آخر مضاد تماماً للطريق الأول. قد يكون للإنسان شعور طيب من نحو الله ونية حسنة تدفعه إلى الاقتراب إليه، لكن ما لم يترك الخطية تركاً نهائياً فإن الله لن يرحمه ولن يقبله.

والتوبة هي تغيير الفكر: قال السيد له المجد: {كان لإنسان ابنان، فجاء إلى الأول وقال له يا ابني اذهب اليوم اعمل في كرمي فأجاب وقال ما أريد ولكنه ندم أخيراً ومضى، وجاء إلى الثاني وقال كذلك فأجاب وقال ها أنا يا سيد ولم يمضِ فأي الاثنين عمل إرادة الأب}؟ (مت 28:21 - 31). لو كان الابن الأول بعد أن قال: {ما أريد} راجع نفسه وقال: {إنني لم أتحدث مع أبي بما يليق به من الاحترام والإكرام والطاعة. لقد طلب مني أن أذهب لأعمل في الكرم ولكني رفضت ولم أطع أمره، وأنا أعتقد أنني قد أخطأت في هذا التصرف}، لو قال الابن هذا القول وبقى في مكانه، فإن موقفه الاول لا يكون قد تغير في شيء، لقد تبكت فقط على تصرفه الخاطئ مع أبيه وعدم طاعته له لكنه لم يتب. لكن ذلك الابن لما ندم قام ومضى إلى الحقل وابتدأ يعمل، وفي هذا تحديد واضح للفرق بين التبكيت والتوبة.

قال أحدهم إن الإنسان يولد ووجهه مبتعد عن الله ومتجه إلى الأرض، وعندما يتوب توبة حقيقية فإنه يترك اتجاهه الأول ويتجه إلى الله. ويستطيع الإنسان أن يتوب توبة حقيقية في لحظة، فتغيير الاتجاه لا يستغرق سوى لحظات، وتغيير الفكر لا يحتاج إلى مدة طويلة لإتمامه.

أعتقد أنه توجد لحظة في حياة كل إنسان يجب فيها أن يقف ويقول: {بنعمة الله لن أستمر في طريق الخطية والموت، سأتوب عن كل خطاياي وأرجع إلى الله}، وفي اللحظة التي يقول فيها هذا القول يحصل على الخلاص.

بدراسة الكتاب المقدس تبين لي أن كل حوادث التجديد التي ذكرت فيه تمت فجأة، فحالما يصمم الإنسان، يمنحه الله القوة للخلاص. الله لا يطلب من الإنسان أن يعمل شيئاً ليس في استطاعته أن يعمله. إنه لم يكن ليأمر جميع الناس أن يتوبوا (أع 30:17) ما لم يكن في إمكانهم أن ينفذوا هذا الأمر. والإنسان الذي لا يزال يعيش في الخطية حتى الآن لا يلومنَّ إلا نفسه.

وجد في هذه الأيام أناس يعيشون في قبور الظلمة لأنهم لا يريدون أن يعترفوا بخطاياهم ويقلعوا عنها، ولست أعلم كيف يأمل الإنسان أن يحصل على الغفران بدون أن يعترف بخطاياه ويتوب عنها.

لماذا تفكر في وقت آخر؟. لديك الآن وقت كاف للتوبة. تستطيع أن تترك خطاياك في هذه اللحظة. يقول الله: {لأني لا أسر بموت من يموت… فارجعوا واحيوا} (حزقيال 32:18).

يظن البعض في أنفسهم أنهم أبرار، وبالتالي فإنه لا حاجة لهم للتوبة والإيمان … إذ الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله} (رو 10:3 و 23). ليت كل منا لا يستعلي ويظن في نفسه أنه شيء، بل ليأخذ مكانه الحقيقي كخاطئ، وعندئذ يرفعه الله إلى مكان الغفران والتبرير، {لأن كل من يرفع نفسه يتضع ومن يضع نفسه يرتفع}. (لو 11:14).