العودة الى الصفحة السابقة
قوة الروح المغيرة

قوة الروح المغيرة

جون نور


ونحن جميعنا ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف كما في مرآة نتغير إلى تلك الصورة عينها من مجد إلى مجد كما من الرب الروح (2 كو 18:3)

لما نزل النبي موسى من على جبل سيناء كان جلد وجهه يلمع بمجد الرب، فخاف الشعب منه. ويقول الكتاب: {لم يقدر بنو إسرائيل أن ينظروا إلى وجه موسى لسبب مجد وجهه الزائل} (2 كو 7:3). فوضع موسى برقعاً على وجهه عندما كان ينزل للشعب: {كان موسى يضع برقعاً على وجهه لكي لا ينظر بنو إسرائيل إلى نهاية الزائل} (2 كو 13:3). هذا البرقع كان يحجب مجد الرب الذي في وجه موسى من عيون الشعب. وليس ذلك فقط لكن هذا البرقع ما زال باقياً حتى اليوم، ليس على وجه موسى لكن على قلوب أولئك الذين رفضوا قبول المسيح، أولئك الذين يصفهم الكتاب بالقول: {أغلظت أذهانهم لأنه حتى اليوم ذلك البرقع نفسه عند قراءة العهد العتيق باق غير منكشف الذي يبطل في المسيح. وحتى اليوم حين يقرأ موسى (والمقصود هنا الشريعة الموسوية) البرقع موضوع على قلبهم} (2 كو 14:3 – 15).

عندما ننظر مجد الرب، ونتأمل جماله وصفاته وكمالاته نتغير إلى تلك الصورة التي نراها، أي إلى صورة يسوع في مجده وبهائه. هذا هو العمل العظيم الذي يحدث في داخلنا عندما ندخل في محضر الله ونختلى بالرب ونتفرس في جماله في مرآة الكلمة. إن صورة الرب يسوع تنطبع في قلوبنا وكياننا، وتتغير طبيعتنا من مجد إلى مجد. وكلما صرفنا الأوقات الطويلة أمام الرب، كلما انطبقت فينا هذه الصورة بوضوح أكثر وعلى أكمل وجه.

إن الروح القدس يقوم بعملية التصوير الإلهي في قلوبنا. ولكي تكون الصورة واضحة ومضبوطة ينبغي على الشخص أن يجلس أمام الكاميرا على مسافة البعد البؤري لعدسة الكاميرا ويرفع كل حجاب أو جسم غريب بينه وبين العدسة، ويجلس في هدوء تام أمام آلة التصوير والأنوار الساطعة مسلطة عليه. وعندما تلتقط الصورة توضع في الأحماض التي تذيب كل شيء لا يتفق مع الصورة، وتثبت تفاصيل الصورة وتوضحها. هذا ما يتم للمؤمن حين يختلي بالرب في عرش النعمة. إن المؤمن عليه أن يهدئ نفسه وقلبه أمام الرب ويزيل كل عائق بينه وبين المسيح، وفي خضوع كلى وتسليم كامل يترك المجال لروح الله القدوس لكي يطبع صورة المسيح في قلبه ويحمضها ويثبتها بعد أن يزيل ويذيب كل ملامح الصورة القديمة، فتختفي الذات والشهوات، ويظهر مجد الرب وحده في حياتنا وتصرفاتنا وأعمالنا.

ليس ذلك فقط لكن حين تنطبع صورة المسيح فينا نقوم بدورنا بإظهار هذه الصورة لمن حولنا. إن المرآة تعكس النور. وكل مؤمن تغير إلى تلك الصورة عينها تنبعث من كيانه أشعة المجد الإلهي. فكما كان وجه موسى يلمع بمجد الرب بعد مكوثه أمام الرب أربعين يوماً على الجبل، هكذا فإن حياتنا تلمع بذلك المجد الإلهي الذي ينطبع في قلوبنا.

عندما نصل إلى هذا الاختبار لا نجد صعوبة في إعلان رسالة الله للناس أو إظهار مجد الرب لهم، لأن ذلك المجد الذي فينا يعلن نفسه ويظهر مجد المسيح لكل من حولنا.

إن هذا الاختبار المجيد لا يقف عند حد. نتغير إلى تلك الصورة عينها، من مجد إلى مجد وكلما نمكث في محضر الله وننظر مجد الرب يعلن لنا جانباً جديداً من مجده. إن الاختبار المسيحي في نمو مستمر، ولا يتوقف عند حد، لكنه يتزايد كل يوم، لأن المستوى الروحي الذي ينبغي أن نصل إليه يفوق العقل والإدراك، إذ يقول الرسول: {إلى أن ننتهي جميعنا إلى وحدانية الإيمان ومعرفة ابن الله. إلى إنسان كامل. إلى قياس قامة ملء المسيح} (أف 13:4).

{كما من الرب الروح}. إن القوة التي تغيرنا إلى تلك الصورة عينها هي قوة الروح القدس فعندما نكون في خضوع وخشوع أمام الرب وننظر جماله ونتأمل صفاته، ونشتاق لهذه الصورة عينها يتولى الروح القدس عمله المعجزي في حياتنا. إنه يعلن لنا صورتنا الحقيقية التي نحياها وما فيها من أمور لا تمجد الله. إنه يشير بإصبعه نحو كل ما يجب أن نتوب عنه ونتركه في حياتنا. وعندما نظهر استعدادنا للتوبة الحقيقية واشتياقنا لحياة القداسة العملية يجرى الروح القدس فينا معجزة التغيير، فهو يطبع صورة المسيح فينا، ويسكب المحبة في قلوبنا، ويقدس قلوبنا وأفكارنا وكياننا، ويغير صورتنا إلى صورة مجده. وليس ذلك فقط لكنه يعلن لنا عن غنى نعمته ومجد قوته، إنه يعلن لنا عن البركات المكنوزة في الصليب لأجلنا ويغرس في قلوبنا شوقاً عظيماً للتمتع بهذه الأمجاد السماوية والبركات الإلهية.