العودة الى الصفحة السابقة
ما هي السعادة … وما هو الطريق إليها !!!

ما هي السعادة … وما هو الطريق إليها !!!

القس. جون نور


ما هي السعادة؟ ومن أين تنبع؟ وما هو الطريق إليها؟ وهل السعادة هي مجرد المتعة والنجاح؟ وهل ما يسمّيه الناس بالسعادة هو اختبار السعادة الحقيقي؟

إنّ السعادة أكثر من المتعة والنجاح، وهي ليست اختباراً سطحياً أو بهجة خارجية. إنّ السعادة الحقيقية لا توجد في الأمور المادية، وليست شيئاً يُشترى بالمال. إنّها ليست شيئاً نتحصل عليه من الخارج. وكل الذين يفتشون على السعادة في الأمور المادية، والملذات الدنيوية، يصيبهم الفشل وتحلّ بهم الكآبة، إذ يضلّون الطريق ويبتعدون عن السعادة الحقيقية.

إنّ السعادة الحقيقية توجد في كل مكان، وفي أيّ زمان، وفي أي ظرف، وهي لا تتوقّف على ظروف خارجية. إنها اختبار داخلي، وحالة روحية سامية، ومن حق كل إنسان أن يتمتع بها.

إنّها نتيجة اختبار قلبيّ داخلي، فحالما نؤمن إيماناً حقيقياً بالرب يسوع المسيح وبعمله الكفاري من أجلنا، عندئذ يحدث في داخلنا تغيير شامل وكامل فيتغير موقفنا ونظرتنا للحياة الحاضرة والحياة الأبدية. فنفكر ونحيا ونتصرف في ضوء الحياة الأبدية، وتصبح المملكة الروحية حقيقة اختبارية مؤكدة بالنسبة لنا، ونصبح خليقة جديدة في المسيح يسوع، ويتحقق لنا ما وعد به المسيح له المجد قائلاً: {وأمّا أنا فقد أتيت لتكون لهم حياة وليكون لهم أفضل} (يو 10:10). هذه الحياة الأفضل هي السعادة بعينها، لأنّها حياة تسمو فوق الأرضيّات، وتحلّق في السماويات، قريبة من الله، في سعادة تامة، وراحة كاملة.

والسعادة هي مطلب كل واحد، فلا يمكن أن نجد إنساناً لا يريد السعادة، بل الكل يسعى طالباً إياها. لكن ما أقلّ الذين يحصلون على اختبار السعادة.

من المدهش أنّ الكثيرين يهملون السعادة الحقيقية مع أنّها مجانية!. لكنّهم يدفعون أغلى ثمن، ويضحّون بكل شيء في سبيل الحصول على السعادة المزيفة.

إنّ الإنسان المسكين عوضاً عن الاقتراب من الله مصدر السعادة، يسير مع الشيطان ويتمم إرادته وشهواته ظاناً أنّه سيجد السعادة في الملذات العالمية والشهوات الدنيوية. لكن حقيقة الواقع تخالف هذا، لأن متعة الخطية وقتية، ولذة العالم فانية، وسعادة الدنيا باطلة.

إنّ رجال الله القديسين، وأبطال الإيمان، رفضوا كل متعة زائلة وسعادة مزيفة. تأمل موسى النبي الذي شهد عنه الوحي قائلاً {بالإيمان موسى لما كبر أبى أن يُدعى ابن ابنة فرعون مفضلاً بالأحرى أن يذل مع شعب الله، على أن يكون له تمتع وقتي بالخطية، حاسباً عار المسيح غنى أعظم من خزائن مصر} (عب 24:11 – 26).

حقاً إنّ السعادة لا توجد في الأهداف التي نضعها أمام عيوننا، فلو بلغنا كل الأهداف التي نريدها، ولو حققنا كل رغبات قلوبنا، فإننا لن نصل إلى اختبار السعادة. قد يظن البعض أنّ السعادة في الغنى، أو الزواج، أو الأولاد، أو النجاح الاجتماعي، أو في الحصول على الشهادات العالية أو المراكز الرفيعة السامية. هذه كلها لا تستطيع أن تشبع قلب الإنسان. إن ملايين من البشر قد وصلوا إلى الأهداف التي كانت نصب أعينهم، ومع هذا فإنهم لم يختبروا حياة السعادة الحقيقية.

نعم، فالسعادة تتحقق للشخص الذي يتمتع بكل ما عنده من خيرات مهما كانت قليلة ويعيش قانعاً بإحسانات الله، مردداً في كل يوم شكراً للرب على نعمه وخيراته، عالماً أنّ الله صالح ويريد ويعمل الصالح من أجله دائماً. أمّا الذين لا يعرفون القناعة فيرهقون أعصابهم ويحطمون كيانهم ويحفرون قبورهم بأيديهم بحثاً عن الغنى والجاه، وهؤلاء ينطبق عليهم قول الرسول بولس: {وأمّا الذين يريدون أن يكونوا أغنياء فيسقطون في تجربة وفخ وشهوات كثيرة غبية ومضرة تغرق الناس في العطب والهلاك. لـنّ محبة المال أصل لكل الشرور الذي إذ ابتغاه قوم ضلوا عن الإيمان وطعنوا أنفسهم بأوجاع كثيرة} (1 تي 9:6 – 10).

قد تبدو أمامنا طرق جانبية سهلة خالية من المصاعب والمتاعب فنظن أنّها طريق الله، وحالما نميل لنسلك فيها تختفي السعادة من قلوبنا ونشعر بالكآبة تملأ صدورنا لأنّنا ابتعدنا عن طريق الله. هذه أيضاً طرق باطلة تسلب السعادة. وينبغي على كل مؤمن أن يتحذر من هذه الطرق الجانبية حتى يستمر فرحاً بالرب متهللاً كل الطريق.

إنّ المؤمن الذي يريد السعادة الحقيقية عليه أن يسهر ويستيقظ دائماً حتى لا تتسرب إلى حياته المباركة الأمور المنغصة التي يأتي بها الشيطان إليه. إنّ أقلّ ميل للخطية، وأيّة شهوة تدخل إلى قلب الإنسان المؤمن تسلبه السعادة وتولّد فيه المرارة والشقاء. من أجل هذا فإنّ أولاد الله المباركين الفرحين هم دائماً الذين يرفضون الشر وشبه الشر، ويتحذرون من كل شيء يقطع شركتهم مع الرب ويحزن روح الله القدوس في داخلهم، لأن روح الله مرهف الحس جداً ويحزن ويكتئب في داخل المؤمن عندما ينحرف المؤمن ولو قيد شعرة عن طريق القداسة والطهارة والطاعة. وكل مؤمن ساهر يضحّي بكل غالٍ وعزيزٍ حتى لا يفقد السعادة التي لا تُقدّر بالمال.

ما أكثر السعادة الوهمية الوقتية التي يقدّمها العالم والشيطان للناس. لكنّها سعادة مغشوشة باطلة، سرعان ما تتبخر وتتلاشى، وتتحول إلى شقاوة وتعاسة. وبكل أسف ينخدع الكثيرون بهذه السعادة المغلوطة ويجرون وراءها لعلهم يتحصلون على شبع قلوبهم وضالتهم المنشودة، لكنّها كالسراب تضحك عليهم وتهزأ بهم، لأنّه لا توجد سعادة حقيقة بعيدة عن الرب. وكل من يختبر السعادة التي في المسيح يسوع ربنا لا يمكنه أن يضحّي بها نظير أي شيء عالمي.