العودة الى الصفحة السابقة
اهتمامات الحياة يقظة الضمير

اهتمامات الحياة يقظة الضمير

القس. جون نور


كم من الناس لا يهتمون بالأمور الأبدية، فمنهم من يهتمون بسياراتهم وبيوتهم أكثر مما يهتمون بنفوسهم الخالدة. ويا لها من رحمة عظيمة أن نفكر في أنفسنا وفي أبديتنا، وأن نستعد لليوم الذي فيه نقف أمام الله هذه علامة على أننا لسنا بعيدين عن ملكوت السموات.

نحن بطبيعتنا لا نميل للقلق الذي يسببه لنا اهتمامنا بحالتنا الروحية. وهذه مجازفة كبرى أن نقامر بحياتنا بينما الموت قريب منا والدينونة أكيدة.

إن كان الله قد دبر لنا حياة أبدية فلا بد أيضاً أنه دبر لنا الوسيلة التي بها يحفظنا من الرجوع للخطية. وإن كنا عاقلين فإننا نطلب ألا يفارقنا القلق من جهة نفوسنا حتى نخلص فعلاً.

إنه أمر مرعب أن يظل الإنسان في حلم حتى يصل إلى الجحيم ثم يفتح عينيه وإذا بهوة سحيقة تفصله عن النعيم! وأنه أمر مرعب أيضاً أن يتنبه الإنسان لآخرته الرهيبة لكنه لا يهرب من الغضب الآتي!! وقد لاحظت أن الذين يقاومون روح التبكيت ويستمرون في خطاياهم يقل تأثرهم في المرات التالية. وكل تبكيت يطرح جانباً يترك النفس أكثر قساوة من ذي قبل، وأقل استجابة للتأثيرات المقدسة.

ينبغي أن نحذر من الأمور التي تخلص القلب من قلقه بطريقة غير صحيحة تناول أحد المرضى دواء من ساحر مشعوذ لكي يشفيه من مرضه، لكن الدواء كان مغلوطاً فقتل المريض!! هكذا الحال معنا إن كنا نحاول أن نتخلص من قلق الفكر برجاء كاذب، فمثل هذا الدواء أشر من المرض نفسه. خير لنا أن يتعذب ضميرنا سنوات طويلة من أن نفقد تأنيب الضمير ونهلك في قساوة قلوبنا.

على أن اليقظة ليست هي الراحة المنشودة التي نتمنى أن تمكث معنا طويلاً. فإذا استيقظت في فزع. ورأيت بيتي يحترق بالنار، فإني لا أجلس على حافة السرير، وأقول لنفسي (أرجو أن أكون قد استيقظت!! وأقول كم ينبغي أن أشكر الله لأني لم أستمر في نومي!! كلا، لكنني أعمل على الهرب حالاً من الموت الذي يهددني بأن أسرع إلى الباب أو النافذة لأخرج من مكان الهلاك).

أنه أمر يدعو للتساؤل حينما نستيقظ ومع ذلك لا نهرب من الخطر. أذكر أن اليقظة ليست هي الخلاص. قد يعرف الإنسان أنه هالك ومع ذلك لا يخلص. قد يفكر كثيراً ويقلق ولكنه يموت في خطاياه.

إنها خدعة من الشيطان أن يجعل الإنسان يكتفي بشعوره أنه خاطئ. وهناك خدعة أخرى أشر منها أن يتصور الخاطئ أنه بفشله ويأسه يساعد المخلص على تأدية عمله الكامل. إن يقظتنا لا تساعد المخلص لكنها تساعدنا لكي نقترب من المخلص. وشعوري بالخطية لا يساعد كثيراً أو قليلاً في التغلب عليها.

هل النظر في المرآة طويلاً وإحصاء بقع الوجه عدة مرات يساعد في غسل الوجه وتنظيفه؟! إن الماء وحده كاف للقيام بعملية التنظيف، وفائدة المرآة هي اكتشاف العيوب فقط؟ هكذا الشعور بالحاجة إلى الخلاص أمر نافع جداً لكن ينبغي أن تكون لنا الحكمة لنستفيد منه الفائدة الصحيحة.

يبدو أن البعض قد وقعوا في غرام مع الشكوك والمخاوف حتى أصبح من الصعب انفصالهم عنها. يقال إنه حين تشب النار في حظائر الخيول فإن المشكلة الكبرى تنحصر في إخراج الخيول من حظائرها. فلو أنها تبعت قائدها وخرجت لخلصت من النار، لكن أرجلها تكاد تشل من شدة الخوف. وهكذا خوفها من النار يمنعها من الخلاص منها.

هل خوفك من الغضب الآتي يعطل خلاصك منه؟

هل تريد أن تستمر تحت التبكيت وكفى؟. ألا تشتاق أن تحصل على الغفران في الحال؟ إن كنت تريد أن تمكث في الحزن والأسى فلا بد أن تفكيرك غير سليم؟ إن كان ممكناً أن تحصل على السلام، فلماذا لا تحصل عليه الآن؟ لماذا تتأخر؟ لماذا تبقى في الحفرة المظلمة وقدماك تغوصان في الوحل؟. هناك نور إلهي ساطع، فلماذا تجلس في الظلمة؟.

أنت لا تعرف مقدار قرب الخلاص منك؟ ولو عرفت لمددت يدك بكل تأكيد وتناولته في الحال.

لا تظن أن شعورك باليأس يؤهلك لنوال الرحمة.

إن خلاصك لا يتوقف على ما تشعر به أنت. بل على ما احتمله يسوع من أجلك. إن كان للشعور بعض النفع فإن ذلك الشعور يجب أن يكون شعوراً طيباً حتى يأتي بالفائدة المرجوة. فالشعور الذي يجعلنا نشك في قوة المسيح للخلاص ويحرمنا من خلاص المسيح ليس شعوراً طيباً لكنه شعور قاس ومنكر لمحبة المسيح.

إذا قلنا لأحدهم وكان قد فقد محفظته (ينبغي أن تشكر الله على ذاكرتك القوية التي تحفظ جميع الأوراق الموجودة في حافظتك لأن هناك بعض الناس لا يعلمون كم من النقود كانت معهم وفقدت منهم..) فهل هذا الكلام يعزيه؟؟ لا شك أنه يجيبنا بالقول ما فائدة معرفتي بالنقود التي فقدتها؟؟ هل تستطيع معرفتي أن تردها إلي ثانية؟؟ أخبروني كيف أعثر على أموالي، فهذه أكبر خدمة تقدمونها لي...

إن معرفتك بأنك خاطئ ومذنب أمام العدل الإلهي، رغم أنها معرفة حقيقية وصحيحة، لكنها لا تخلصك.

الخلاص ليس هو معرفتنا بعدم استحقاقنا لرحمة الله ، لكنه الحصول على الفداء المقدم لنا في المسيح يسوع التجأ إليه الآن وأهرب من خطاياك لتنال رحمة وعوناً من عند الله.