العودة الى الصفحة السابقة
كيف تحقق السعادة؟

كيف تحقق السعادة؟

جون نور


لا شك في أن الإنسان منذ وجوده على الأرض وحتى اليوم وهو يبحث عن السعادة. والسعادة لا تأتي إلا إذا توصل الإنسان لأفضل طريقة يعيش بها حياته، أو الطريقة المثلى التي يستخدم بها ما بين يديه من وقت ومال. ولقد رسم الله طريقاً للإنسان إذا اتبعه يجعل حياته أكثر سعادة وبهجة. فالذي يعتقد أن طريق الله هو طريق الحزن والألم والهروب من الحياة وعدم مواجهتها، فقد فهم الله بطريقة خاطئة. فالله يعلم الإنسان كيف يضع الشيء الصحيح في مكانه الصحيح، وكيف يتعامل مع المعطيات الحياتية التي وهبها له من طبيعة واشياء وأموال ومواهب بالأسلوب الأمثل، لكي تتحقق له السعادة الكاملة.

والمال من الأمور الحياتية المختلف عليها بشدة. فالبعض يعتقد أن المال هو سر سعادة الإنسان، والآخر يظن أنه مصدر الشقاء. والإثنان يحاولان أن يجدا ما يؤيد فكرهما من الكتب المقدسة.

وبادئ ذي بدء نقول إن الله ليس ضد المال، لكنه يطلب أن نضعه في المكان المناسب له، ويؤكد أن سعادة الإنسان غير مرتبطة به بشكل مطلق. المسيح لا ينفي وجود المال أو أهميته، فلا بد وأن يكون لدينا مال. لكن المشكلة هي: أين نضع المال؟! فالمكان الذي نكنز فيه هو المشكلة الحقيقية.

كان تنبير المسيح على أن لا تتعلق نفس الإنسان بأشياء متغيرة يكون هو نفسه غير قادر على حمايتها أو صيانتها فإنهيار الأمور المحبوبة أمام الإنسان أو أنهياره هو أمامها يفقد الإنسان معنى الحياة والسعادة. وكم من أناس فقدوا حياتهم أو ماتوا أدبياً لتعلقهم بأشياء تفنى. ولذلك يقول المسيح، لا تبني حياتك أو سعادتك على شيء طابعه التغير، أو غير مضمون. ولا تبني حياتك وسعادتك على أوهام وسراب. إن الأموال والأشياء وسائل لتحقيق السعادة لكنها ليست هي المصدر الأصلي للسعادة، لأنها قابلة للفناء والإنهيار.

يقول المسيح (بل إكنزوا لكم كنوزاً في السماء، حيث لا يفسد سوس ولا صدأ، وحيث لا ينقب السارقون ويسرقون).

وهنا نجد الجانب الإيجابي، حيث يقول ضع كنزك حيث يمكنك الإحتفاظ به للأبد، وحيث من المستحيل أن تخسره. والكنز الحقيقي الذي لا يبلى، ويحقق السعادة الدائمة للإنسان، هو معرفة الطريق الصحيح إلى الله: علاقة صحيحة مع الله وفي الله، ومعرفة المسيح والوجود فيه. والوجود فيه يعني عطاء الذات مثله. فنحن نعيش أزمة عطاء وتضحية. نعيش حياة التقوقع على الذات والأنانية. فقد اصبح كل شيء مادياً ويقاس بالماديات. لكن متى أصبح الله كنزك، فسيبقى إلى الأبد. فليكن الله مصدر السعادة الثابت بالنسبة لك، وهو قادر أن يستخدم الأشياء المتغيرة الفانية لإسعادك، أو كوسائل لتحقيق سعادتك فيه. فهو يستخدم المال والأبناء والصحة والمواهب، كوسائل تتحقق من خلالها السعادة. لذلك لا تخسر مصدر السعادة الذي يمكن أن تضمنه. ينبهنا المسيح بقوله أن الشيء الذي يأخذ عقلك ووقتك وجهدك سوف يأخذ قلبك وعواطفك بعد ذلك وهذه تصنع أنقساماً داخل الإنسان.

المشكلة تتركز في أننا نضع الله والمال على طرفي نقيض وعلى مستوى واحد، بمعنى إما الله أو المال. فليس المقصود أن نجعل الله كل شيء والمال لا شيء أو العكس، لكن المقصود من هو أولاً في حياتنا؟ إذا كان المال أولاً في حياتك فعليك أن تحبه وتضع قلبك وفكرك عليه، فلا تنقسم داخلياً. وهذا سيحقق لك نوعاً من السعادة المؤقتة التي تنتهي بإنتهاء المال أو الحياة. إما إذا كان الله أولاً فلتضع قلبك وفكرك فيه، وتحبه بكل القلب والفكر والنفس، وهذا يحقق لك السعادة الأبدية. فهذه حقيقة لا يمكن تجاهلها.. فإذا كانت العين بسيطة وكلمة بسيطة هنا تعني غير مركبة أي أحادية النظرة والإتجاه - فالجسد كله يكون نيراً، لأن أولويته واضحة من خلال العين. وإن كانت العين شريرة - تنظر في أتجاهات متعددة - فالجسد كله يكون مظلماً، لأنه - في هذه الحالة - ينقسم على ذاته، ويحدث صراع باطني يكون من نتيجته تحطيم الإنسان من الداخل.

إن العين الشريرة هي تلك التي تجلس أمام التلفاز، وتنظر بشراهة لكل ما يعرض أمامها، وتتمنى أن تحصل على كل شيء تراه وتحس بالتعاسة لأنها لم تحصل عليه. يقول المسيح: لكي تتحقق سعادتك في الحياة تعلم الإكتفاء ودرب عينك على أن تكون بسيطة.

لأنه من المستحيل وجود سيدين لعبد واحد. فعلى الإنسان أن يحدد من هو سيده: هل هو الله أم المال. وعندما يحدد الهدف، يستطيع أن يسير في إتجاهه دون تقلقل أو قلق. فالإنسان الذي يرتب أولوياته جيداً، يكون قادراً على صنع سعادته.

وهكذا نرى أن السعادة ليست امراً مستحيل التحقيق، بل هي في متناول الإنسان، إذا لم يبن سعادته على شيء يعجز عن الإحتفاظ به كالمال أو المركز أو الأشخاص، بل يبنيها على مصدر مأمون ومضمون، هو الله، في نفس الوقت الذي يصنع فيه مصالحة داخلية بين فكره وقلبه، ولا يتجاهل حقيقتين، هما: أهمية الإكتفاء، وإستحالة خدمة سيدين.

اين تضع الله في حياتك و هل عرفت الطريق الحقيقي المودي الى العلاقة الامثل والاسمى مع الله . ضع الله اولا في حياتك وتصالح معه لتجد السعادة الحقيقة فيه .