العودة الى الصفحة السابقة
إشباع الخمسة آلاف

إشباع الخمسة آلاف

القس. جون نور


«فاتكأ الرجال وعددهم نحو خمسة آلاف وأخذ يسوع الأرغفة وشكر، ووزع على التلاميذ، والتلاميذ أعطو المتكئين. وكذلك من السمكتين بقدر ما شاءوا» (يوحنا 10:6، 11).

إن الحاجة البشرية متعددة الجوانب مرة نراها مرضاً ومرة أخرى نراها جوعاً. يقول الكتاب في إنجيل يوحنا أن رفع يسوع عينيه ونظر أن جمعاً كثيراً مقبل إليه. لقد تبعوه ثلاثة أيام. كانوا كغنم مشتتة لا راعي لها. كانت جماعة في شدة الجوع نفساً وجسداً. والسيد الذي جاء ليخلص النفوس لم يزدر بحاجة الأجساد. كان يتأثر لجوع الجائعين وعري العرايا!

كان يتحنن ويبكي!

وماذا يعمل العالم للجمع الجائع؟

أما الأغنياء فلم يستطيعوا أن يروا من عروش ثرواتهم ذلك الجمع الجائع. وإن رأوا فإنهم ينظرون إليهم بعين الاشمئزاز التي تتقزز من أشكالهم البشعة وتتضايق من أجسامهم المريضة وثيابهم الرثة!

ورؤساء الدين سمنوا أنفسهم على حساب الرعية!

بل نفس التلاميذ، وهم أفضل من غيرهم قالوا للسيد اصرفهم ليبتاعوا طعاماً وفيلبس قال: «لا يكفيهم خبز بمئتي دينار ليأخذ كل واحد منهم شيئاً يسيراً» . وأندراوس قال: «هنا غلام معه خمسة أرغفة شعير، ولكن ما هذا لمثل هؤلاء؟؟!» .

هذا هو مسلك الناس مع الشعب الجائع!

أما المسيح فلا يحتقر الجمع ولا يزدريه، ولا يقبل أن يصرفهم لئلا يخوروا في الطريق. بل يقول، اجعلوا الناس يتكئون. إنه يشبع الجياع خيرات!

لنأت إليه بكل جوعنا ونحن نجد كل كفايتنا فيه!

كان في الجمع غلام لا نعلم اسمه. وكان معه خمسة أرغفة وسمكتان. كان ذلك طعامه على الأغلب. كانت الأرغفة صغيرة وكانت تكفي طعاماً لفرد. وقدم ذلك الغلام طعامه هذا ليسوع. فتحول ذلك الطعام إلى خبز جزيل كفى لإطعام خمسة آلاف ما عدا النساء والأولاد!

وقد اختلفت الأقوال بالنسبة لهذه المعجزة كما اختلفت بالنسبة لكثير من معجزات يسوع. أما البعض فأنكروها إطلاقاً وقالوا أنها من نسج الخيال. وقد نقلها أناس غير مسئولين وكتبوها كما لو كان حقيقة. وقد بنى هؤلاء القوم إنكارهم على أن هذا العمل مخالف لكل نواميس الطبيعة المعروفة.

والبعض الآخر ينكرها أو على الأقل يستبعد حدوثها. إنه لا يتحمس في الإنكار نظير الآخرين. إنه يقول إن الله قادر على كل شيء وأن يسوع يستطيع أن يجري آياته. لكن ذلك البعض يسأل عن سبب قيامه بمعجزة. إن يسوع الذي رفض أن ينقذ نفسه من الجوع بتحويل الحجارة إلى خبز لا يعمل آية لإطعام الآخرين وهو يعلم أنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان!

ويرى البعض أن يسوع لم يقصد إطعام الشعب بالخبز المادي بل قصد المعنى الرمزي. فإن يسوع – في رأي هؤلاء – واجه جوع الشعب الروحي وحاجة «معدهم» الروحية فأعطاهم غذاء الروح بالحقائق البسيطة. وهذه أشبعتهم وأشبعت غيرهم والبعض الآخر يرى أن إطعام الجماهير تم لكن من غير عمل معجزي. فإنه عندما أخذ يسوع أرغفة الغلام وكسرها، أخرج كثيرون أرغفتهم وقدموها ليسوع. لم يكن من المعقول أن يأتي ذلك الجمهور كله من مسافات بعيدة بدون طعام. فلما خرجت الأرغفة ووزعت كفى الطعام وزاد.

أما البعض – ونحن منهم – فيؤمن أن المعجزة تمت بكل حرف فيها.

ولسنا في معرض الرد على المنكرين إطلاقاً وهؤلاء يغمضون عيونهم عن آيات الله الكثيرة التي تحيط بنا ليلاً ونهاراً. ما أكثر المعجزات التي نراها نحن. إننا نرى الله القادر على كل شيء. الله الذي لا تزال يداه تعطيان خيراً بوفرة للجميع. بل ما هي الشمس وما هي النجوم ما هو السحاب والمطر وما هي الجبال والتلال. ما هي الطبيعة نفسها. أليست هي آيات رب الآيات؟ فإن صنع رب الآيات آية تخالف في شكلها فقط صور الآيات التي نراها كل يوم أنكروها؟!!

كم يجر ضيق الفكر على المنكرين من جهل ومن شر!!

إن الله الذي نراه في آياته اليومية أعظم جداً مما يشاء منكرو الآيات الكتابية أن يصوروه!

أما الذين ينكرون الآية لعدم لزومها. فإنهم لا يقلون كبرياء عن الأولين. أو هل نقول ولا يقلون عمى وجهلاً؟؟ إن يسوع لا يحول الحجارة إلى خبز لأجل نفسه، ولكن الجمهور الجائع يتطلب الآية لإشباعه، إن قواته لأجل الآخرين لا لأجل نفسه.

والذين قالوا إن القصة هي قصة تعليمية قصد الوحي منها إلى تعليم الناس عن الخبز الحي أخطأوا ضد الكتاب، إن في القصة المعنى الرمزي ونحن مستعدون أن نؤمن بهذا المعنى وحده لو أن القصة جاءت كذلك ولكنها لم تأت كذلك.

أما القول بأن الإطعام تم معجزة فهو محاولة للتوفيق بين الملحدين والمؤمنين ولكنها محاولة على حساب الحقائق المدونة في الكتاب وعلى حساب الإيمان بالله وبقدرته، نعم أن الله كثير ما يشبع الناس بالخبز الذي يقدمه الناس، ولكن هذا لا يمنع أنه يجري آياته وعجائبه ليطعمهم، إنه يرسل الطعام للجياع عن طريق الغربان رمزياً ويرسله عن طريق الغربان حرفياً.

إنه الله القادر على كل شيء!!