العودة الى الصفحة السابقة
مناجاة الأرواح طلب الجان واستشارة الموتى

مناجاة الأرواح طلب الجان واستشارة الموتى

القس. جون نور


الجان، في اللغة، هم نوع من العالم أُطلق عليهم هذا الإسم لأنهم استجنوا عن الناس أي استتروا فلا يرون. والجان خلق من نار.

وهذا التعريف يتفق مع الكتاب المقدس الذي يقول: «الصانع ملائكته رياحاً وخدامه لهيب نار» (عبرانيين 7:1)، باعتبار أن الشطيان أصله ملاك كما رأينا من قبل.

والتوابع جمع تابعة. والتابعة، في اللغة، الرئى من الجن. جنية تتبع الإنسان (الرجل) أو جنى يتبع (امرأة). وهذا التعبير خطأ إذ هو صدى لما هو شائع عند بعض الناس من أن هناك تزاوجاً بين الجن والبشر، ويسمى عند البعض «مخاواة». لكن الحقيقة أنه لا جنس في الشياطين لأنهم أرواح. وقد أكد الرب يسوع ذلك بقول:«تضلون إذ لا تعرفون الكتب ولا قوة الله لأنهم في القيامة لا يزوجون ولا يتزوجون بل يكونون كملائكة الله في السماء» (متّى 29:22، 30).

فالناس يسألون الجان، أي يلتجئون إلى الشخص الذي يتعامل مع الشيطان بصفة عامة، أي إلى الشخص الذي يسكنه الشيطان ويستخدمه كوسيط بينه وبين البشر لينشر بواسطته الضلال والكذب.

قبل كل شيء يجب أن نعلم أن الله وضع طريقاً معيناً لإنهاء حياة كل إنسان على الأرض. «وضع للناس أن يموتوا مرة» (عبرانيين 27:9). فالنهاية حتمية لا ريب فيها. وقصد الله بذلك أن يضع حداً لصلة الإنسان بالأرض وما عليها. ففي اللحظة التي يلفظ فيها المرء أنفاسه الأخيرة تنتهي علاقته نهائياً بالعالم، وتبدأ حياة جديدة تختلف كل الاختلاف عن سابقتها. تفارق الروح الجسد الذي هو من تراب. وتذهب الروح إلى مكانها اللائق بها، إما إلى مكان الأبرار أو إلى مكان الأشرار.

إنه حديث خرافة أن يقال إنه في الإمكان استدعاء روح الميت للتشاور في بعض الأمور. ولهذا يقول الكتاب: «السحاب يضمحل ويزول هكذا الذي ينزل إلى الهاوية لا يصعد. لا يرجع بعد إلى بيته، ولا يعرفه مكانه بعد» (أيوب 9:7، 10).

ثم لماذا يستدعي الميت أو تستحضر روحه؟ ألا لاستشارتها؟ في ماذا تستشار؟ أفي كشف الأسرار وإعلان الأمور الخافية، أو فيما يأتي به المستقبل؟ ألا نسلم جميعاً أن الله وحده هو الذي يعرف الخفايا؟ يقول داود عن الله: «هو يعرف خفيات القلب» (مزمور 21:44)، ويقول أيضاً: قد جعلت آثامنا أمامك «خفياتنا في ضوء وجهك» (مزمور 8:90). أما الأسرار فمن يعلمها غير الله؟ لقد حسم الكتاب هذا الأمر بقوله «السرائر للرب إلهنا والمعلنات لنا ولبنينا» (تثنية 29:29).

ألا يكفي هذا لكي نعلم أن هذا العمل ليس من الله؟

أم أن الغرض من جلسات الأرواح هو شفاء المرضى؟ وأية قدرة للأرواح على الشفاء؟ ما هو سلطانها؟ وما هي إمكانياتها؟

ألا نسلم جميعاً أن الحياة والموت والشفاء من الأمراض بيد الله وحده. أليس هو القائل: «أنا هو الرب شافيك» (خروج 26:15).

ما أحوجنا أن نستمع إلى صلاة حنة أم النبي صموئيل وهي تقول«… ليس قدوس مثل الرب. لأنه ليس غيرك. وليس صخرة مثل إلهنا. لا تكثروا الكلام العالي المستعلى ولتبرح وقاحة من أفواهكم لأن الرب إله عليم وبه توزن الأعمال… الرب يميت ويحي…» (1صموئيل 2: 1 - 8).

من كل هذا نتأكد أن العرافين أو «المستحضرين» لا يستطيعون أن يستدعوا أرواح الموتى، لأنه ليس للشياطين أو الناس سلطان على الموتى فيستحضرونهم متى شاءوا أو يصرفونهم متى شاءوا.

فإذا لم يكن في وسع أي إنسان استحضار روح الميت، فمن الذي يحضر إذن؟ الذي يحضر هو الشيطان في صورة الشخص المراد استشارته مقلداً إياه في كل شيء، متحدثاً بما يتفق مع المقام وبما يتناسب مع الجو.

لذلك فالله يمتع سلوك هذا الطريق وينذر بشدة من تحدثه نفسه أن يشترك في هذه الأعمال.

يقول الكتاب:«لا تلتفتوا إلى الجان ولا تطلبوا التوابع فتتنجسوا بهم» (لاويين 31:19). فليس ما ينجس الأفكار ويدنس الحياة مثل اتباع تلك الأرجاس.

ويقول أيضاً:«والنفس التي تلتفت إلى الجان وإلى التوابع لتزني وراءهم، أجعل وجهي ضد تلك النفس وأقطعها من شعبها» (لاويين 6:20).

يشبه الكتاب المقدس النفس التي تنقاد إلى هذا الطريق وتميل بشدة إليه وتتمسك به بالشخص المسلوب الإرادة الذي يسلم نفسه لخطية الزنا.

ونلاحظ مقدار بغض الله لهذه النجاسة في قوله: «وأجعل وجهي ضد تلك النفس».

ثم يبين الكتاب مقدار شناعة هذه النجاسة بالعقوبة التي يستحقها مرتكبها إذ يقول: «وإذا كان في رجل أو امرأة جان أو تابعة فإنه يقتل بالحجارة يرجمونه. دمه عليه» (لاويين 27:20) هذا ما نص عليه العهد القديم.

ويبلغ التساؤل والاستنكار أشده في هذه الكلمات الحاسمة البليغة: «أيسأل الموتى لأجل الإحياء؟» أي: يا قوم تعقلوا. هل يجوز أن يتجه الإنسان إلى الموتى للسؤال؟ إن الكتاب يتعجب من هذا التصرف الغريب لكنه لا يترك الناس حيارى بمشاكلهم ومسائلهم دون أن يجدوا لها حلاً أو إجابة. لذلك فهو يدلهم على الطريق الصحيح بقوله بعد هذا الاستنكار مباشرة: «إلى الشريعة وإلى الشهادة» أي على من يريد استيضاح أمر أو استجلاء مسألة أن يسعى إلى الشريعة، أي كلمة الله، فيجد فيها النور الذي يبدد الظلمات والمرشد الذي يقود إلى مواطن الأمن والسلام.

حياتهم في ظلام، ظلام الجهل والآلام والشر، ولن يشرق عليهم فجر المعرفة والراحة والخلاص.