العودة الى الصفحة السابقة
عندما تعطي تأخذ

عندما تعطي تأخذ

القس. جون نور


يقول يسوع {وبالكيل الذي به تكيلون يكال لكم} (مت 2:7)، وهذا ينطبق على تعاملاتنا مع الله، وينطبق أيضاً على علاقاتنا بالناس،{فكل ما تريدون أن يفعل الناس بكم افعلوا هكذا أنتم أيضاً بهم}.(مت 12:7).

لقد عاش يسوع حياة العطاء، وأتى ليظهر رغبة أبيه في أن يعطي حبه العظيم لخليقته. {لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية}(يو 16:3).

لقد جعلك يسوع مقبولاً أمام الآب، وملأك بالروح القدس، ولكن قبل أن ترث هذا الميراث عليك أن تأتي إلى الصليب وتقدم نفسك لله.

لا يتمتع كثيرون بالعلاقة التي يرغبونها مع الآب لأنهم لم يعطوا أنفسهم لله، لأن العلاقة التي ستقوم بيننا وبين الله مؤسسة على أنه يجب علينا أن نعطيه أولاً ثم هو يعطينا. لأن كلمة الله تقول:

{أعطوا تُعطوا. كيلاً جيداً ملبداً مهزوزاً فائضاً يُعطون في أحضانكم. لأنه بنفس الكيل الذي به تكيلون يكال لكم}(لو 38:6). أي انه يجب أولاً أن:

نعطي الله حياتنا، فيعطينا حياته

نعطي الله فشلنا وخطيتنا، فيعطينا غفرانه وسلامه.

نعطي الله أجسادنا، فيعطينا روحه القدوس ويجعل أجسادنا هيكلاً له.

هذا هو أسلوب الله، أعط أنت أولاً فيعطيك هو.

يعلمنا يسوع أنه إذا كنت تتوقع أن تحصل على شيء من الله فعليك أن تعطي الآخرين، فعلى سبيل المثال يجب أن تغفر للآخرين إذا كنت تتوقع أن تحصل على الغفران الذي يريد الله أن يعطيك إياه، {أغفروا يُغفر لكم} (لو 37:6) اغفر للآخرين أولاً، وستجد أن الله يغفر لك.

إننا لا نمانع أن نقدم لله خطيتنا إذا كان سيمنحنا غفرانه، ولا نعترض أن نسلمه مخاوفنا وقلقنا إذا كان سيأخذها منا، ولا نمانع في التخلص من قذارتنا إذا كانت النتيجة هي أنه سيطهرنا. فمن السهل أن نعطي مالا نرغب فيه، ولكن من الصعب أن نسلمه أمورنا الثمينة والغالية، فعادة ما يحذرنا العقل من أن نسلم لله كل ما هو ثمين وغال وذو قيمة، لأن معنى العطاء هو أننا سنفقد شيئاً.

فإننا نريد أن نفقد الخطية والفشل، ونفقد المخاوف والقلق، والمرض والألم. ولكننا لا نريد أن نفقد الأموال والممتلكات، ولا نريد أن نفقد الوقت أو سيطرتنا على حياتنا، ولا نريد أن نفقد اعتمادنا على أنفسنا.

يعلمنا يسوع أنه عندما نفقد فإننا نكسب الكثير، وهذا عكس الأسلوب الذي نفكر به، ولو كان الأمر خاضعاً لاختياراتنا لن نختار هذا الأسلوب ولكن هذا هو أسلوب الله. {فإن من أراد أن يخلص نفسه يهلكها. ومن يهلك نفسه من أجلي يجدها. لأنه ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه}(مت 25:16 – 26).

هذا هو أسلوب الله بغض النظر عن رأينا فيه، فهو يقول لنا إن العطاء هو الأسلوب الوحيد الذي سيجعلنا نأخذ منه.

يتشابه الإيمان مع العملة ذات الوجهين، {فالإيمان} هو أحد وجهيها، {والعطاء} هو الوجه الآخر، ضع الوجهين معاً وستجد طريقك إلى الصلاة الناجحة، وسيمتحن الله إيمانك لمرة ومرات بأن يطلب منك أن تعطيه قبل أن تأخذ منه، فهل أنت مستعد أن تثق في أنه سيتمم كلماته حتى لا ينتهي بك الأمر أن تكون خاسراً لأنك ستعالج المشكلة وفقاً لأسلوب الله وليس بالأسلوب الذي سيمليه عليك عقلك؟

سيقول لك عقلك أنك ستخسر، وأنك لست بحاجة لأن تعطي، ولكن الله يقول لك إنك ستأخذ عندما تعطي، فمن الذي ستصدقه ذهنك أم الله؟}.

تستخدم صورة الزرع والحصاد في العهد الجديد بوضوح لكي تعلمنا أهمية العطاء قبل توقع الأخذ،

يعرف الفلاح أنه يجب عليه أن يبذر البذور قبل الحصاد، وعليه أن يعطي التربة قبل أن يتوقع أن يأخذ منها، فإذا زرع الشح فسيحصل على محصول صغير، ولكن إذا زرع بالبركات فسيحصل على محصول وفير.

كلما ازداد المحصول زادت البذار التي سنلقيها على الأرض مرة أخرى، والتي سنعطيها لله، وهو سيكثرها لنا بغنى وفير حتى لا نفرح نحن فقط بل يفرح أيضاً كل من أخذوا من خلالنا وسنشكر الله جميعاً.

عندما تبذر البذار يجب أن تنتظر الحصاد مثل الزارع، فالمحصول لا يظهر في الحال، وعادة ما تظهر الكثير من المشكلات في أوقات الانتظار، فمن السهل أن تستسلم في هذا الوقت.

كن كالزارع، فهو ينظر دائماً إلى علامات ظهور الحصاد القادم، وعندما تصلي مؤمناً بمواعيد الله سيكون لك نفس توقع الزارع، فعليك أن تعطي للذي سيوفر لك احتياجاتك بالأسلوب الذي ترى أنه يطلبه منك، وعليك أن تتوقع الحصاد وتنظر باستمرار إلى علامات ظهور البذار التي زرعتها والتي سيكثرها أبوك الذي يحبك والذي علمك ...

كلمات إيمانك:{أعطوا تعطوا كيلاً جيداً ملبداً مهزوزاً فائضاً يعطون في أحضانكم. لأنه بنفس الكيل الذي به تكيلون يُكال لكم}.