العودة الى الصفحة السابقة
عند الصليب

عند الصليب

القس. جون نور


عند الصليب!!.

ماذا نرى عند الصليب؟

إن الصليب مركز المسيحية، وعند الصليب اجتمعت مجموعة متباينة من الشخصيات، بل من الأحداث والمعاني.

ومع أن عملية الصلب تمت في عدد محدود من الساعات، لكننا نستطيع أن نبقى شهوراً وسنيناً نتأمل في وقائعها ودلالتها وبعد هذا لا نفيها حقها ...

كان المذنب يقاد إلى الصلب وسط أربعة جنود ... ونظراً لأن المذنب كان يصلب عارياً إلا من قطعة قماش على حقويه لذلك كانت ملابس المدنين من نصيب أولئك الجنود ...

وكان اليهودي عادة يلبس خمسة قطع من الملابس: الحذاء والعمامة والحزام أو المنطقة والثوب الداخلي والرداء الخارجي ...

لقد كان على يسوع أن يذوق كل مرارة الخطية لأنه حمل على الصليب خطايانا، ومن مظاهر الخطية «العري» فإن آدم الأول عندما أخطا اكتشف أنه عريان ... وهكذا شاء الله أن يذوق آدم الثاني وهو المسيح، مظهر الخطية الشنيعة وهو العري، عندما عروه على الصليب اقتسم الجند رداءه لكي يكتمل حمله للخطية وهو البار الذي لم يعرف خطية صار خطية لكي نصير نحن بر الله فيه.

لقد اعتبر بعض آباء الكنيسة هذا الرداء إشارة ورمزاً إلى الكنيسة الواحدة غير المنقسمة، بل هي نسيج واحد يربط جميع المؤمنين بالمسيح ... وقد قالوا أن المسيح وهو على جبل التجلي كانت ثيابه تلمع كالنور وهكذا تلمع الكنيسة بنور الإيمان وبنور الله عندما تمجد المسيح ...

فالرداء إشارة إلى ملكوت المسيح الذي لم ينقسم ولم ينشق بعكس حجاب الهيكل الذي انشق ... وهكذا تحطم الملكوت اليهودي الظاهري أما كنيسة المسيح فقد ظلت واحدة لا تنقسم وإن كانت قد أعطيت للأمم كما كان الرداء من نصيب الجنود الرومان ..

وقال البعض أن الرداء يشير إلى بر المسيح ... وبر المسيح هو قبول المسيح نفسه بالإيمان

لقد تعرى يسوع لكي يكسونا ومات لكي يحيينا ...

وتحول الرداء عند الصليب إلى ثوب عرس يقدمه مجاناً لكل واحد منا ...

«وكان المجتازون يجدفون عليه وهم يهزون رؤوسهم قائلين: يا ناقض الهيكل وبانيه في ثلاثة أيام خلص نفسك. إن كنت ابن الله فانزل عن الصليب!» (متّى 39:27، 40)

«وكان الشعب واقفين ينظرون ...» (لوقا 35:23).

وهكذا كان يسوع على الصليب، منظراً يتطلع إليه الناس ... الشعب يقف وينظر ... والمجتازون يجدفون عليه ويستهزئون به قائلين يا ناقض الهيكل وبانيه في ثلاثة أيام خلص نفسك. إن كنت ابن الله فانزل عن الصليب ...»

وكأنما كانت خطة الله، أن يكون الصليب هدفاً لاستطلاع الناس ...

فقد كان الصليب في مكان يمر فيه الرائحون والغادون ... وكانت مدينة أورشليم مكتظة بالناس في عيد الفصح ...

لكن مشهد الصليب كان يدعو إلى الاستطلاع أكثر من أي مشهد آخر ... ليس لأن الناس لم يتعودوا أن يروا إنساناً يصلب ... كلا ... فلقد تعود الرومان أن ينفذوا أحكام الإعدام بهذا الأسلوب ...

لكن صليب المسيح بالذات أثار استطلاع الناس ... وكان ذلك لعدة أسباب:

  1. السبب الأول هو شخصية المصلوب:

  2. لم يكن يسوع شخصاً عادياً، لكنه عاش حياة قصيرة، لكنها غنية بالأعمال الرائعة. لم يكن لصاً ولا قاتلاً ليصلب ... بل كان معلماً رائعاً ... وطبيباً ماهراً، وشخصية تفيض بالحب والحنان ...لقد شاهدوه في قمة مجده، وفي قوة أعماله، فكيف يرونه الآن مصلوباً ...

  3. السبب الثاني هو توقعات الناس أن تحدث معجزة وقت الصليب ...

  4. حقاً كان هناك من يسخرون ويستهزئون به، ولكن كان هناك أناس يحبونه ويؤمنون بقدرته ... لقد رأوه يشفي المرضى، ويفتح أعين العميان، بل ويقيم الموتى ... فلا بد أنه بمعجزة باهرة سوف ينزل عن الصليب، ليثبت للعالم حقاً أنه ابن الله ... لذلك كانت كل كلمة يقولها تجد تفسيراً في أذهان الناس ... عندما قال: «ايلي ايلي لم شبقتني» ومعناها «إلهي إلهي لماذا تركتني» ... ظنوه ينادي إيليا لينزله من على الصليب ...

  5. والسبب الثالث هو موقف المصلوب على الصليب ...

  6. كان منظر الصليب مألوفاً عند الناس ... ومنظر المصلوبين معروفاً ... هناك أمام العذاب الفظيع تنطلق ألسنة المصلوبين بصيحات التجديف والسب والشتائم ... وتظهر على وجوههم كل ملامح الغضب والحقد والغل ... ولكن عند يسوع ... لم يكن هناك شيء من هذا ... لقد صلى لأجل صالبيه قائلاً: «يا أبتاه أغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون ...» وسط صيحات الجموع وهزء الهازئين ... كان صوته هادئاً حنوناً «اغفر لهم» ...

لم يفكر في نفسه، بل فكر في غيره فأودع أمه الحنون في رعاية تلميذه المحبوب، وعندما ناداه اللص تائباً، وعده بأنه سيكون معه في الفردوس ... لذلك كان مشهد الصليب – صليب المسيح – أمراً عجيباً حقاً في أعين الناس ...

ولقد قصد الله في حكمته أن تكون حادثة الصلب هدفاً لرؤية الناس واستطلاعهم، لكي يفكروا ويتأملوا في حقيقة هذا العمل الرائع الذي عمله الله لأجل البشر ... ولكن ليس كل المتفرجين، نالوا بركة من رؤية الصليب ... كان هناك أنواع منهم ..

  • من يرون أن الصليب مأساة بشرية فظيعة ...

  • ومن يرون أن الصليب عقبة في طريق إيمانهم بالمسيح ...

  • ومن يرون في الصليب فداءً إلهياً رائعاً.

دعوة إلى التطلع نحو الصليب

واليوم أدعوكم إلى التطلع نحو الصليب لتجدوا فيه طريق الخلاص ...

فهو الذي رمزت إليه الحية النحاسية التي رفعها موسى قديماً في البرية ... إنه ينادي «التفتوا إليّ واخلصوا يا جميع أقاصي الأرض» ... فانظروا إليه فإن الذين نظروا إليه استناروا ووجوههم لم تخجل.