العودة الى الصفحة السابقة
لِماذا لا يَصومون

لِماذا لا يَصومون

القس. جون نور


«ولكن سَتأتي أيّام حين يَرفَع العَريس عَنهم فَحينَئِذ يَصومون في تِلكَ الأيّام»(مُرقس 20:2).

كان اليَهود يَصومون منذ أن بدأت خدمات دينيّة إذ فَرض الناموس عليهم صيام يوم الكَفّارة وهو اليوم العاشر من الشهر السابِع وقد كلّم الرب موسى في ذلك قَائِلاً «أمّا العَاشِر من هذا الشَهر السَابِع فهو يوم الكَفّارة مَحفلاً مُقدّساً يَكون لكم تذلّلون نفوسكم وتقربون وقوداً للرب. عملاً ما لا تعملوا في هذا اليوم عينه لأنه يوم كَفّارة للتكفير عنكم أمام الرب إلهكم. إن كل نَفس لا تتذلّل في هذا اليَوم عينه تقطع من شعبها. وكل نفس تعمل عملاً ما في هذا اليوم عَينِه أبيد تلك النفس من شعبها. عملاً ما لا تَعملوا فريضة دهرية في أجيالكم في جميع مساكنكم. إنه سبت عُطلة لكم فتذلّلون نُفوسكم في تَاسِع الشَهر عِند المَساء من المَساء إلى المَساء تَسبتون سَبتَكُم».

كان اليوم الوَحيد المُقرّر في النَاموس لِلصِيام هو يوم الكَفّارة هذا. ولكن أيّاماً أخرى أضيفَت. فنحن نقرأ عن صيام «الفوريم» الذي فرضته أستير. كما نقرأ عن صِيام لإرمِيا ولِحِزقِيال ودَانيال. ورتّب اليَهود بَعد ذلك صِيام يَومين في الأسبوع وهُما يوم الاثنين ويَوم الخَميس.

وعندما جاء المسيح بالجسد كان اليهود يصومون عدداً عديداً من الأيّام. ولما جاء يوحنا المعمدان لم يشأ تَلاميذه أن يُغيّروا العَادات الجَارِيّة فكانوا يَصومون كَبَقيّة اليَهود.

غير أن تَلاميذ المَسيح لم يَصوموا. يغلب أنه أشار عَليهم بِعَدم الصِيام. أو رُبّما فَهِموا هُم مِن تِلقاء أنفسهم أن العَهد الجَديد لا يَجوز أن يَمتَزِج نِظامه بِنِظام العَهد القَديم.

ولَمّا كان يسوع وتَلاميذه مَوضوع نَقد جاء تَلاميذ يوحنا يَسألون السَيّد، يغلب أنهم لم يَستَشيروا مُعلّمهم، وقالوا: «لماذا نصوم نحن والفَرّيسيين كثيراً وأما تَلاميذَك فلا يصومون». ونحن إذ ندقق في كلامهم نبصر أصبع الفريسيين فيه. بل أن بعض البشيرين يأتون بالخبر بما يُوحي أن السائِلين لم يَكونوا تَلاميذ يوحنا أو على الأقلّ لم يكونوا تلاميذ يوحنا وَحدهم. فقد جاء الخبر في بشارة مرقس «وكان تلاميذ يوحنا والفريسيين يصومون. فجاءوا وقالوا له لماذا يصوم تلاميذ يوحنا والفرّيسيين وأما تلاميذك فلا يَصومون» – وفي بِشارة لوقا ورد الكَلام عاماً إذ قالوا له «لماذا يصوم تلاميذ يوحنا كَثيراً ويُقدّمون طلبات وكذلك تَلاميذ الفريسيين أيضاً. وأما تَلاميذك فيأكلون ويَشربون».

وكان السؤال يحمل مرارة وانتقاداً قاسياً. إنه لم يكن مجرد سؤال الاستفهام بل كان سؤالاً استنكارياً. ومن المؤسِف أن تَلاميذ يوحنا انضمّوا مع تَلاميذ الفريسيين. بل يؤسِفنا أكثر أن الغيرة بدأت تملأ صدر تلاميذ يوحنا من المسيح. فقد غاظهم أن يسوع الذي شهد له يوحنا ينال مكانة أعلى من مكانة مُعلّمهم. ومع أن يوحنا أخبرهم أكثر من مرة أنه ينبغي أن ذاك يزيد وإنه هو ينقص، إلاّ أنهم ظَلّوا يَنظرون بِشَيء من الغَضب إلى النَبي الجَديد الذي كان يُنازِع مُعلّمهم في مَكانه ومَكانته.

وكان مَوضوع الصِيام صَالِحاً لأن يكون مَوضوع نقد وتلويم لِيَسوع وتَلاميذ يَسوع.

أمّا يسوع فإنه عِندما سمع السؤال حزن

يا لهم من مَساكين

إنهم لا يَفهَمون مَا هو الصِيام ولا مَا هو مِعناه

ولو فَهِموا أن الصِيام هو تذلّل النفس الحَزينة أمام الله مَا تقدّموا بهذا السؤال. هل يفهمون أن الصيام هو نواح النفس التي تطلب التقرّب إلى الله، فإن كان الصِيام نوحاً فكيف يستطيع بنو العُرس أن ينوحوا والعريس معهم؟ تأتي أوقات حين يرفع العريس عنهم فحينئذ يَصومون – كان المسيح مع تلاميذه بالجسد وكانت علاقتهم به علاقة شركة. إذن كان تلاميذ المسيح في فرح روحي يتطلب الجلوس على الولائِم لا لبس المسوح والجلوس في التُراب. فإذا ما قَام حاجز بين التَلاميذ وسَيّدهم. إذا ما أحزن التَلاميذ سيّدهم فانقطعت الشركة فترة فحينئذ يَتحَتّم الصِيام في تِلك الأيّام.

قال لهم إن النِظام الذي وضعه نِظام جَديد بِتَرتيب جَديد وروح جَديد وأنه لا يُمكِن أن يَكون هُناك ارتِباط بين النِظام اليَهودي والنِظام المَسيحي. إن «ثوب اليَهودِيّة» قديم فلا يحتمل رقعة جَديدة مسيحيّة فليس أحد يُخيّط رُقعة من قطعة جَديدة على ثوب عَتيق وإلا فالمِلء الجَديد يأخذ من العَتيق فَيَصير الخرق أردأ. وليس أحد يجعل خَمراً جَديدة في زِقاق عِتيقة لئلا تَشقّ الخَمر الجَديدة الزِقاق فالخمر تنصب والزِقاق تُتلَف. بل يَجعلون خَمراً جَديدة في زِقاق جَديدة.

وهَكذا رفض المسيح أن يُقدّم مسيحيّة «مُرقّعة» تَجمع بين اليَهودِيّة والوَثَنِيّة والمَبادِئ الجَديدة. بل قدَم مَسيحيّة جَديدة في كُل شَيء.

ولم يجد المُعارِضون جَواباً فأحنوا رؤوسهم ومَضوا وإن كَانوا قد مَضوا غَاضِبين!!