العودة الى الصفحة السابقة
الموعظة على الجبل

الموعظة على الجبل

القس. جون نور


«ولَمّا رأى الجُموع صَعد إلى الجَبل. فَلّما جَلس تَقدّم إلَيهِ تَلاميذه فَفَتَحَ فَاه وعَلّمهم» (متى 1:5 و 2).

أي جَبل هذا الذي صَعد إلَيه يَسوع وفي أي يَوم كَان وهل ألقَى يَسوع المَوعِظة عَلى الجَبل كُلّها مَرّة واحِدة، أم ألقاها عَلى عدة مَرّات، ثم جَمعها "متّى" وجعل منها عِظة وَاحِدة. هذه وكَثير غَيرها أسئِلة لا نَملُك الرَدّ الحَاسِم عَنها. وماذا يَهمّنا إن كَان الجَبَل هو جَبل الزَيتون أو جَبَل الشيخ. وهَل يُغيّر مِن قيمِة العِظة إن كَانَت قد ألقيت عَلى مَرّة وَاحِدة أم ألقيتُ عَلى أجزاء؟

وبِما أننا لا ندرس العِظة إلاّ مِن نَاحِيّتها القِصَصيّة فَسَنَسير فيها مِن هذه النَاحِيّة غير مُهتَمّين بِالنَواحي الأُخرى إلاّ على قَدر مَا تَتصلّ بِالقِصّة!

يُمكِننا أن نَستَنتِج من رِواية البَشير لوقا أن المُعلّم ألقى عِظَته حالاً بعد اختِيار الاثني عشر. كان قد قضى الليل كله في الصلاة لله. ولما كان النهار دعا تلاميذه واختار منهم إثني عشر الذين سَمّاهم رُسلاً. ونزل معهم ووقف في موضع سهل هو وجمع مِن تَلاميذه الآخرين وجُمهور غَفير من الشَعب. ثم رَفع عَينَيّه إلى تَلاميذه وَوَجّه إلَيهُم كَلِمات العِظة الخَالِدة – وقد حَوَت شَيئاً مِن أثمَن جَواهِر السَماء قَدّمها كَالعُقد المَنظوم أخّاذة لماعة غَالِيّة الثَمَن!!

  1. وقد بَدأها بِتَطويبات عرفت فيما بَعد بِالتَطويبات السَبع. وقد انذهل الناس منها لأنها خَالَفت كُل مَألوف. فَقَد طَوّب المَساكين والحَزانَى والوُدعاء والجِياع والعِطاش إلى البِرّ والرُحماء والأنقِياء القَلب وصَانِعي السَلام والمَطرودين مِن أجِل البِرّ. وخَتم التَطويبات بِالكَلِمات.

  2. «طوبى لكم إذا عَيّروكم وطردوكم وقالوا عليكم كل كلمة شرّيرة من أجلي كَاذِبين. افرَحوا وتَهلّلوا لأن أجركم عَظيم في السَماوات».

  3. وبعد أن ختم التَطويبات أعلن لِلتلاميذ أنهم ملح الأرض ونور العَالم ووجّه أنظارهم إلى ما في هذا المَقام الكَبير المُمتاز من مَسئولِيّات. أخصّها المُحافَظة عَلى مُلوحِة الملح وعلى ضوء النور. وختم هذا الجزء بالكلمات «فليُضئ نوركم هكذا قُدّام الناس لِكَي يَروا أعمالكم الحَسنة ويُمَجِدّوا أباكُم الذي في السَماوات».

  4. - وبعد أن ختم التَطويبات أعلن لِلتلاميذ أنهم ملح الأرض ونور العَالم ووجّه أنظارهم إلى ما في هذا المَقام الكَبير المُمتاز من مَسئولِيّات. أخصّها المُحافَظة عَلى مُلوحِة الملح وعلى ضوء النور. وختم هذا الجزء بالكلمات «فليُضئ نوركم هكذا قُدّام الناس لِكَي يَروا أعمالكم الحَسنة ويُمَجِدّوا أباكُم الذي في السَماوات».

  5. ألقى لهم تعليمه عن الإخلاص في الدين وذكر موضوع الصلاة والصيام والصدقة التي هي أبرز مظاهر التديّن وطلب من تلاميذه أن يبتعدوا كل البعد عن رياء المُنافقين، فإن البعض كانوا إذا صلّوا انتخبوا لأنفسهم مكاناً ظاهِراً يُصلّون فيه حتى يراهم الناس، وكانوا يطيلون الصلاة ويُكررون الكلام، كانت صلواتهم في الواقع للناس لا لله – وطلب المُعلّم أنهم يُصلّون لله لا للناس وللآب السَماوي ويُقلّلون الكَلام في حضرته، وأوصى بوجوب الصلاة السريّة، ووضع صلاة نموذجيّة هي الصلاة الربّانية التي يُصلّيها جُمهور المَسيحيين في العَالم اليوم:

  6. «أبانا الذي في السماوات لِيتَقدّس اسمك لِيأتِ مَلكوتَك لِتَكُن مَشيئتك كما في السَماء كذلك عَلى الأرض خُبزنا كَفافنا أعطِنا اليَوم واغفر لنا ذنوبنا كما نغفِر نحن أيضاً للمذنبين إلينا ولا تُدخِلنا في تَجرِبة لكن نجّنا من الشرّير».

  7. كان حَديثه عن الصِيام وعن الصَدقة على نفس هذا الأساس أي أنه يَنبغي أن يكون خالِصاً لله بَعيداً عن الرَغبة في الظُهور وطلب المَجد من الناس. وإنه يَنبغي أن يتجّه إلى الله وَحده. وكُلّما اختفت مظاهر العِبادة كلما كان إخلاصها أوكَد وأتمّ!!

  8. وبعد ذلك ألقى المُعلّم عَدداً من النصائِح الذهبيّة. أما أوّلها فَالتَحذير من دَينونِة الآخرين إذ أن الوَاجِب أن يصلح المرء من شأن نفسه قبل أن ينتقد الآخرين ما أكثر من يرون القَذى في عيون الآخرين بينما توجد خشبة كبيرة في عيونهم. هؤلاء مُراءون مُنافِقون!!

  9. ونصيحة ثانية، أن نصلّي واثقين أننا سَنُعطى طلباتنا لأننا نصلّي إلى أبينا الذي يهتمّ بنا ويَرعى مَصالِحنا ويُحِبّنا!!

  10. وثمت نَصيحة ثالثة، أن ندخل من الباب الضيق باب القيود والتجارب والموت لأنه واسع الباب ورحب الطريق الذي يؤدّي إلى الهلاك وكثيرون هم الذين يَدخلونه. ما أضيق الباب وأكرب الطَريق الذي يؤدّي إلى الحَياة. وقَليلون هم الذين يجدونه.

  11. وآخر نَصائِحه الاحتِراس من الأنبِياء الكَذبة. وقد أعطَى تَلاميذه مِخباراً يَعرِفون به حَقيقة الأنبِياء وهو "من ثمارهم تعرفونهم" وندّد بالذين يَدعون أنهم لِلمَسيح ولكن حياتهم تَدلّ على أنهم للشيطان وقال إن كَثيرين سيقولون له في يَوم الدَينونة أنهم أكلوا وشربوا قُدّامه، وانه علّم في شَوارِعهم وأنهم أخرجوا شَياطين باسمه. ولكنه سيردّهم قَائِلاً اذهبوا عني لا أعرفكم، اذهبوا عني يا جميع فاعلي الظُلم – وما أجمل الكَلِمات التي بدأ بها تلك الأقوال المُقدّسة {ليس كل من يقول لي يارب يارب يدخل ملكوت السماوات بل الذي يفعل إرادة أبي الذي في السماوات} وبذلك كشف المُعلّم خطأ جَسيماً كان الفَرّيسيّون يَرتكبونه إذ كانوا يستندّون عَلى مَظاهِر العِبادة من صَلاة وتِلاوة أدعية ولَكِنه أراهُم أن الأمِر أعمَق مِن ذَلِكَ. إن الحَياة تَتجلّى في العَمل. كَما أن الشَجرة تُعرَف مِن ثَمرها!!

  12. وختم المُعلّم هذه العِظة الخَالِدة بذلك المِثال الرَائِع عَن البَيتين، المِثال الذي يُميّز بين من يسمع ويَعمل وبين من يسمع ولا يعمل قال أن الأول بيت بني على أساس يثبت دائِماً في وقت الهدوء وفي وقت العَواصِف بِخِلاف الآخر الذي بني من دون أساس فإنه قد يَثبت مُدّة حتى إذا مَا جَاءت العَواصِف كشفته!!

  13. على أي رجاء تبني صلاتك وإيمانك وما هو أساس البيت الذي تبنيه أي حياتك وعلاقتك مع الله.