العودة الى الصفحة السابقة
رسالة يسوع رسالة محبة

رسالة يسوع رسالة محبة

القس. جون نور


جاء يسوع إلى الأرض يحمل رسالة محبة الله للبشر. لم تكن الرسالة جديدة فقد سبق أن أرسلها المولى بيد أشخاص سبقوا يسوع إلا أنهم لم يستطيعوا أن يحسنوا تقديمها على الوجه الأكمل!

كانت رسالة محبة الله تتطلب رسولاً يتفق تمام الاتفاق مع الرسالة، رسولاً نقياً كامل النقاوة، محباً كلّي الحب.

كانت تتطلب إنساناً يحس بأوجاع الناس ويدرك تمام الإدراك آلامهم، وكانت تتطلب في نفس الوقت إلهاً يستطيع أن يرفع عنهم آلامهم وأوجاعهم.

جاء إبراهيم وإسحق ويعقوب ويوسف وموسى وكانت رسالتهم تحوي كثيراً من القوة ولكنها لم تكن من القوة بحيث تحمل فعلاً رسالة محبة الله.

وجاء يسوع. وقدم رسالة محبة الله في كلامه. لم يتكلم إنسان قط نظيره. وليس معنى ذلك أن كلامه كان أبلغ من كلام الذين سبقوه في ألفاظه وتعبيراته، أو كان متعمقاً في فقه الدين أكثر من سائر المعلمين، أو كان مبيناً على قواعد منطقية أفضل من غيره ممن جلسوا على كرسي التعليم... قد يكون هذا كذلك، ولكن سرّ قوة كلامه لم يكن في ذلك. لقد كانت كلماته منسوجة بالمحبة، سداها ولحمتها المحبة.

كان غيره من المعلمين يتحدث عن قوة الله وعدل الله وشرائع الله. وكانوا يهتمون كثيراً بتفصيلات الشريعة وفروعها ونتائجها وأقوال الشرّاح فيها.

أما هو فجاء يحدثهم عن الله الذي أحب الناس، الله الذي وفر لهم أسباب الحياة والراحة فأشرق عليهم بشمسه وأرسل لهم أمطاره واعتنى بغربان الجو وبزنابق الحقل. وزاد فأعلن لهم أن الله أب يهتم بأولاده ويرعى أمورهم وشعور رؤوسهم محصاة عنده كان كلامه عجيباً. لم يسبق للناس أن سمعوا نظيره.

وأعلنت عيناه محبة الله ففاضتا بعطف وحنان ودموع. كان غيره ينظر إلى الجمهور بعدم اكتراث وباحتقار. أما هو فكان يرى الجمهور ويتحنن. وفي شدة تعبه يخدم وكثيراً ما رأوه يبكي.على أنه حمل رسالة محبة الله كاملة في ذبيحته. لقد قدم نفسه لله ذبيحة وذهل الناس.

هل وجد في العالم من يموت لأجل الآخرين ربما لأجل الأحباء وجد البعض أما هذا فقد مات لأجل أعدائه.

ونحن نقف عند الصليب لنرى أروع صورة لمحبة الله ولنستمع لأحلى نشيد عن محبة الله ولنقرأ ابلغ قصيدة في محبة الله هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد.

وكان على السيد أن يوصل هذه الرسالة إلى جميع أطراف الأرض، أنه لن يمكث في الأرض حتى يتمم الرسالة. ينبغي أن يوجد أناس يحملون رسالته.

وقضى السيد ليلة كاملة يفكر في أولئك الذين يستطيع أن يأتمنهم على الرسالة الغالية ويصلي صلاة حارة من أجل ذلك.

وفي الصباح اختارهم وإذ نلقي نظرة على أسمائهم نندهش.

فقد اختار بطرس وأندراوس ويعقوب ويوحنا وفيلبس ونثنائيل وتوما من جماعة الصيادين ومتى من جماعة العشارين وسمعان الغيور من جماعة الفريسيين ويعقوب بن حلفى ويهوذا أخا يعقوب ويهوذا الإسخريوطي.

وإذ نلقي نظرة فاحصة على أولئك التلاميذ ننذهل أن السيد يختار مثل هؤلاء ليحملوا رسالته فقد كانوا جماعة مغمورة لا اسم لهم ولا مقام ومركزهم الاجتماعي يجعلهم أبعد الناس عن الأهلية لمواجهة العالم برسالة.

وكانوا جماعة جاهلة عاميين وعديمي العلم. لم يدرسوا دراسة فقهية في مجامع اليهود كما أنهم بالطبع لم يدرسوا دراسة جماعية في المدارس اليونانية المشهورة.

كيف يمكن لأولئك الجهلة أن يقارعوا منطق اليهود بالمنطق أو شروحهم من جهة النبوات بشروح فقهية. كيف يتأتى لهم أن يخطبوا أو يكتبوا أمام علماء اليهود أو جهابذة اليونان.

كذلك كانت صناعتهم أبعد الصناعات عن خدمة الكرازة. لو أنهم كانوا من معلمي اليهود أو من الكتبة لكانوا أقدر على تفهم الملكوت الجديد والمناداة به ولكنهم لم يكونوا كذلك، بل كانوا صيادين وعشارين، وماذا يعرف الصيادون عن الإنجيل، وماذا يفهم العشارون الذين يخدمون ملك رومية عن حساب ملكوت المسيح.

ثم أنهم كانوا جماعة ضعيفة في الذهن وفي الإرادة وفي الخلق. ما أكثر ما اتعبوا المعلم حتى قال أحتى الآن لا تفهمون. وبعد أن كان يشرح لهم الحقائق السامية مرة ومرات، كانوا يتكلمون ويتصورون كما لو لم يكونوا قد سمعوا شيئاً بالمرة عما حدثهم به.

وأمام أضعف تيار معارض كانوا يضطربون ويعودون إلى الخلف، ما أكثر ما سلكوا مسلكاً مجافياً للولاء وما أكثر ما أظهروا عدم الإيمان.

لكن السيد اختارهم

ودرّبهم كما لم يدرب معلم تلاميذه

علمهم بكلامه... وبحياته... وبموته

وخلق من تلك الفئة التي كانت أقل من لا شيء أعمدة المسيحية

بطرس ويوحنا ويعقوب

وباقي التلاميذ المباركين

مجداً للمعلم العظيم!