العودة الى الصفحة السابقة
قضايا فكرية عن المحبة الإلهية

قضايا فكرية عن المحبة الإلهية

القس. جون نور


وصلتنا من بعض المستمعين الأعزاء عن موضوع «المحبة» أربعة أسئلة تعتبر بمثابة قضايا فكرية، اثنان منها عن تعامل الله مع الأشرار، واثنان عن تعاملنا نحن مع المؤمنين.

السؤال الأول: إن كان «الله محبة» كما يعلن الكتاب المقدس، فكيف يتفق هذا مع النار الأبدية التي سيطرح الله فيها الأشرار؟ أين المحبة في هذا؟

السؤال الثاني: إن كان الله محبة، وهذا جوهر طبيعته، فهل كان هو محبة عندما أمر شعبه في القديم أن يبيدوا كل الشعوب الكنعانية؟ وألا يشفقوا على أحد، وألا يبقوا واحداً منهم؟

السؤال الثالث: كيف نوفق بين المحبة التي يطلب الرب منا أن نظهرها حتى لأعدائنا، والتعليم الخاص بعزل الأخ المخطئ عن الشركة مع الله؟

السؤال الرابع: في جو المسيحية العملية لماذا لا نعبر عن هذه المحبة بقبول جميع المؤمنين أعضاء جسد المسيح للشركة على مائدة الرب؟

هذه الأسئلة السابقة رغم التباين بينها، فإنها جميعاً مستمدة من نفس الأصل الخاطئ: وهو عدم معرفة نوع محبة الله. صحيح هو محبة. لكن لا تنس أنه قبل أن يقول إن «الله محبة» ذكر أن «الله نور، وليس فيه ظلمة البتة» (1 يو 5:1؛ 8:4 ،16). ولذلك فإن نوع محبة الله هي محبة مقدسة، لا تطيق الشر على الإطلاق. عيناه أطهر من أن تنظرا إلى الشر ولا تستطيعان النظر إلى الجور (حب 13:1).

أين نتأكد من أن الله محبة؟ أليس في الصليب؟ لكن الصليب الذي يعلن لنا أن الله محبة، أعلن لنا كيف هو لا يطيق الخطية على الإطلاق إلى الدرجة التي لما وضعت على ابنه الحبيب فقد ضربه بسيف عدله الرهيب. والمسيح عندما صرخ من فوق الصليب إلهي إلهي لماذا تركتني، ولم يجبه الله على سؤاله، لأنه كان متروكاً منه فعلاً.

ما أريد أن أقوله هو أن محبة الله محبة مقدسة، لأن الشر مدمر. وبهذا المفهوم دعنا نحاول الإجابة على بعض هذه الأسئلة.

السؤال الأول:

في الحقيقة إن الكتاب المقدس الذي أعلن الحقيقة الأولى، أن «الله محبة»، هو الذي أعلن الحقيقة الثانية وهي أن هناك عذاب أبدي في بحيرة النار والكبريت. بل ومن عظمة الوحي أنه استخدم الكاتب عينه لكي يبرز لنا هذين الحقين، أعني به الرسول يوحنا، سواء في الإنجيل أو في سفر الرؤيا. «الذي يؤمن بالابن له حياة أبدية، والذي لا يؤمن بالابن لن يرى حياة، بل يمكث عليه غضب الله»(يو 36:3). ويوحنا هو أكثر من تحدث عن النار الأبدية في سفر الرؤيا (رؤ 11:14؛ 3:19؛ 10:20).ولقد وردت الإشارة إلى أبدية عذاب الأشرار في كلمة الله سبع مرات.

يخبرنا الوحي بأن الله «بار ومخلص» (إش 21:45). وهو عندما خلص الخطاة لأنه هو محبة، فهو لم يخلصهم بغض النظر عن بره، بل على أساس بره،وليس بأن ضرب صفحاً عن قداسته، بل كما استلزمت القداسة الكفارة فإن محبة الله هي التي تكلفت بها وقدمتها. وبالتالي فإن من يقبل إلى المسيح بالتوبة والإيمان يخلص وأما من يحتقر محبة الله وعمل ابنه على الصليب، فلن يكون أمامه سوى الهلاك الأبدي.

لذلك دعني أناشد كل من يقرأ هذه الكلمات، إن لم يكن قد خلص بالفعل، أن يهرب من الغضب الآتي!

السؤال الثاني:

عندما يعلن الوحي أن الله محبة، فهو لا يعني مطلقاً تجريده من السلطان أن يفعل كما يشاء في من يشاء من سكان الأرض أو من جند السماء (دا 34:4، 35). فالله العلي هو الذي قسم للأمم، ونصب تخوماً لشعوب (تث 8:32).

ولقد كانت هذه الشعوب مشهورة، سواء في التاريخ المقدس، أو التاريخ الوضعي، بشرور بشعة جداً، قال الكتاب المقدس عنها إنه بسبب شرورهم القبيحة قذفتهم (أو لفظتهم) الأرض (لا 24:18، 25). والدولة عندما تقضي على الإرهابيين الذين يروعون الآمنين، وتحكم على الفاسدين وتجار المخدرات الذين يدمرون المجتمع، لا تفعل ذلك نظراً لقسوتها، بل إن ما تفعله هو في حقيقة الأمر رحمة بالمجتمع، إذ تخلصه من أشخاص فاسدين ومفسدين، تماماً كما يبتر الجراح العضو الفاسد من الجسد رحمة بكل الجسد. فإن كان هذا حق ومفهوم من الحكام الذين أقامهم الله، فكم بالحري يكون الحاكم الأعلى للكون!

السؤال الثالث:

إن محبتنا للأعداء نابعة من نفس القلب الذي يجعلنا نقطع من الشركة معنا الأخ المخطئ والمصر على خطئه والذي يرفض التوبة عن الشركة معنا، ففي الحالتين أنا أسعى لخير الطرف الآخر.

لقد قال الرسول بولس:«إن جاع عدوك فأطعمه وإن عطش فاسقه ماء، لأنك إن فعلت هذا تجمع جمر نار على رأسه». ونحن عندما نتصرف هكذا مع عدونا فإننا نقصد خيره، فالعبارة الأخيرة من الآية السابقة تصور لنا أي خجل ممكن أن يعتري شخصاً كهذا، وبالتالي قد تقوده مثل هذه المعاملات إلى التوبة والرجوع إلى الرب. وإن لم يحدث هذا فإن النقمة لا بد ستلحقه، من الله الديان العادل

وطبعاً أي مؤمن يواظب على التعليم الصحيح وعلى الشركة مع إخوته المؤمنين، يستطيع أن يمارس هذا الامتياز، باعترافه وبسلوكه أيضاً، أن يعيش طائعاً للرب وتعاليمه الكتابية، وأما من لا يكون عنده الرغبة في طاعة المسيح والمكتوب فنحن، مع محبتنا له، فإننا لا نقدر أن نكون في شركة معه. فكلمة الله تعلمنا أن المحبة الإلهية هي محبة مقدسة، وهي لا تفرح بالإثم بل تفرح بالحق.