العودة الى الصفحة السابقة
الوجود في حضرة الله

الوجود في حضرة الله

القس. جون نور


«لأنه ماكث معكم ويكون فيكم» (يو 17:14).

كثيراً ما أشار المؤمنون إلى تحققهم المستمر من وجودهم في حضرة الله كأحد العناصر الهامة في حياتهم الروحية. وسأحاول في هذا البرنامج أن أبين كيف يمكننا التمتع بالوجود المستمر في حضرة الله.

في الصباح الباكر، عندما تستيقظ وتتنبه، تذكر بأنك في حضرة الله مباشرة، ذاك الذي كان ساهراً عليك طول الليل. انظر إليه وكأنك تنظر في وجهه، واشكره. كرس له تلك الدقائق القليلة قبل مغادرة غرفة نومك. تطلع إلى يومك القادم في ضوء أشعة النور الذهبية المنبعثة من ملاك حضرته. إنك تستطيع أن ترى مقدماً الصعوبات التي ستواجهك، والنواحي التي ستهاجم منها، والأثقال التي قد يتطلب الأمر أن تحملها. احرص على أن لا تنظر إليها بعيداً عن الله. تأكد بأنه سوف يقف بينك وبينها كما تكون السفينة بين المسافر والمحيط سواء كان هادئاً أو عاصفاً.

وإذ تمنطق ذاتك وترتدي ملابسك، تذكر بأن الله قد ألبسك ثوباً نقياً أبيض، هو ثوب الخلاص، رداء البر، ولآلئ الفضائل المسيحية، وفوق الكل ألبس سلاح النور، ذاكراً بأن الله نور. عليك أن تلبس المسيح، الذي هو الله الظاهر في الجسد، وعندئذ تخرج من غرفتك إلى معركة الحياة اليومية كشخص يرتدي أفخر الحلل. إن تركيز الفكر في الله أثناء لبس الملابس يعد النفس لأعمال العبادة والشكر والتضرعات التي ترتفع إلى الله بخوراً زكياً.

وفي وسط ضغط مشاغل الحياة اعتمد على الروح القدس، المذكر الإلهي ليذكرك بكل شيء، ويذكرك بأنك في حضرة الله. إن كنا نفعل كل شيء من أجل الرب يسوع، إن كنا نراه واقفاً خلف كل علاقة بشرية، إن كنا نؤدي أتفه الأمور وأثقلها ظلاً على أساس أنه يعتبرها خدمة تؤدى له سوف يعطى عنها الجزاء - فهذه هي الحياة المسيحية، هذا هو الذي يجعلنا نتحقق من وجودنا في حضرة الله.

إن سلمت إليه أفكارك أجازها في مصفاة النار، فيحرق جراثيم الشر، ولا يبقى إلا الطاهر الطبيعي الذي بلا دنس. لا يطهر من جراثيم المرض شيء مثل النار فاطلب من الروح القدس أن يكون حلوله فيك مثل النار ليحرق الشر. أطلب بأن تحيا في تلك النار المطهرة. لا تغادر مخدعك في الصباح دون أن تلبس أسلحة النور المنسوجة من النار. وثق بأنه إن لصق بك أي دنس فإنه لا يمكن أن يبقى أمام هذه النار الملتهبة.

قالت فتاة: طلبت من أمي أن احضر لها وعاء ولم تكن لي رغبة في ذلك، لكنني اعتقدت أن الرب يسوع واقف بجانبها ويقول افعلي هذا لأجلي. ففعلت بسرور. ووجدت أنه جميل جداً أن افعله لأجلها من أجل المسيح.

قد يكون رئيسك فظاً ولا يسهل إرضاؤه. لكن تأكد إذ تطيعه وترضيه، - على قدر ما يسمح به الضمير - فإنك تخدم الرب يسوع. وهكذا نجد أن كل عمل في الحياة اليومية يقدم فرصة لتدريب أنفسنا على أن نعيش في حضرة الله.

إن شعورنا بالوجود في حضرة الله يحفظنا من عدم الاحتشام والطياشة والانغماس في الملذات والإفراط في الأكل والشرب، وفي نفس الوقت يعطي معنى جديداً لكل ما كان طبيعياً وبريئاً.

ومن أهم الوسائل التي بها ندرك أننا موجودون في حضرة الله أن نذكر بأن كل ما هو جميل في أي شيء، وكل ما هو محبوب في أي شخص، وكل موهبة ثمينة حلت فجأة في حياتنا، تعزى إليه، هي شعاعة من أبي الأنوار، هي زهرة ألقتها يده على طريقنا، هي ومضة من ابتسامته، إنها لعادة مباركة أن نحول أنظارنا عن كل ما يكدر خاطرنا في الظروف أو الأشخاص المحيطين بنا ونثبتها في النواحي المبهجة الجذابة. تأمل في هذه، معتقداً بأنه يوجد في كل شيء وفي كل شخص ما يحبه الله. اجتهد بأن تجد هذا، تطلع إلى الله واشكره من أجله. وهكذا تجد أن ما هو جميل وصالح قد اصبح بمثابة سلم ذهبي تصعد عليه إلى حضرة الله.

وعلى هذا القياس نقول أن الأشياء المرة المضنية قد تعيننا على أن نتذكر الله، لأنه لا يمكن أن يسمح بمجيئها إلينا إلا محبة الله اللانهائية لكي تجعلنا شركاء في مجده، إنني أعتقد بأن الله لا يبدو قريباً كما في الأيام المظلمة، عندما لا يسمع في الغرفة إلا وطأة قدم الممرضة في المستشفى، عندما تختفي المناظر التي لعبنا فيها دوراً هاماً ولم يبق لنا أي مجال لنتلذذ بها، عندئذ نعلن بأننا لا نريد سوى الله. وتصرخ قلوبنا معبرة عن اشيتاقها إلى الله، كما يشتاق الإيل إلى جداول المياه والطفل الرضيع إلى أمه، وكما يتطلع الحارس إلى الفجر.