العودة الى الصفحة السابقة
المسيحية والمرأة (1)

المسيحية والمرأة (1)

القس. جون نور


من بين المؤشرات الدقيقة التي تحدد أي حضارة أم دين هو مكانة المرأة في هذه الحضارة أو في هذا الدين، فكلما نمت هذه الحضارة أو ذلك الدين، نمت مكانة المرأة وارتقى شأنها وعظم قدرها واحتلت المكانة اللائقة بها في المجتمع على قدم المساواة مع الرجل، بلا أدنى تفرقة في حقوق وامتيازات، والعكس بالعكس فيما إذا لم تبلغ تلك الحضارة أو ذلك الدين ما ينبغي من كمال. فإن وضع المرأة يصل إلى الحضيض حتى تصبح المرأة من سقط المتاع. وليس التاريخ في غفلة من أمر مجتمعات متخلفة وحضارات متأخرة وشعوب وثنية بربرية وديانات بدائية، حطت من قدر المرأة ومكانتها، وجعلت منها سلعة تباع وتشترى، ورمت بها في أسواق النخاسة، جاعلة إياها في مرتبة دون مرتبة الرقيق. ورغم أن العديد من الديانات السماوية جاء ليرتقي بالإنسان تدريجياً إلى المستوى الروحي والحضاري الذي قصده المولى أن تبلغه خلائقه في النهاية لم تبلغ فيه المرأة المكانة المثلى التي ارتضاها لها الخالق، وحسبنا هنا أن نذكر الصلاة التقليدية التي كان اليهودي يرددها صباح ومساء فيقول اللهم أشكرك لأنك خلقتني يهودياً، لا أممياً، حراً، لا عبداً، رجلاً، لا امرأة، وقد ضلت البشرية في ظلال ذلك الدين القديم متأثرة بهذا الفكر المجحف بحق المرأة حتى أشرق على الدنيا فجر المسيحية الوضاء، رافعاً لواء المساواة بين جميع الأجناس هاتفاً بالنشيد المبارك ليس يهودياً ليس عبداً ولا حراً ليس ذكر وأنثى لأنكم جميعكم واحد في المسيح يسوع غلاطية أصحاح 3 عدد 28.

نقف أمام الحقيقة الواضحة التي تعبر عن عظمة مكانة المرأة في المسيحية وهو أن «العالم ناقص بدونها». خلق الله العالم فأبدع في خلقه، في اليوم الأول خلق النور، وفي اليوم الثاني خلق الجلَّد، وفي اليوم الثالث فصل بين اليابسة والبحار وخلق الأنهار، وفي اليوم الرابع خلق الشمس والقمر والنجوم، وفي اليوم الخامس خلق الطيور والأسماك والحيوانات والزحافات، وفي اليوم السادس خلق الإنسان، أي آدم ويقول الكتاب في نهاية كل يوم من أيام الخلق رأى الله ما عمله فإذا هو حسن. أما حين خلق الله الإنسان فقيل ورأى الله كل ما عمله فإذا هو حسن جداً، ولكن في الإصحاح الثاني من سفر التكوين يقول: «ليس جيّداً أو ليس حسناً» الذي قال من قبل: «حسناً جّداً» قال:«لا ليس حسناً ليس جيداً...». أمر غريب مستبدل فيه نغمة الاستحسان بنغمة الاستهجان، ليس جيداً أن يكون آدم وحده بل لنصنع له معيناً نظيره. أجل فإن هذا العالم الجميل بكل ما فيه من أشجار وثمار وورود وأزهار وشموس وأقمار وبحار وأنهار واسماك وحيوانات وأطيار هذا العالم بكل ما فيه من جمال وبكل ما فيه من إبداع ليس جيداً ليس حسناً بغير المرأة. نلاحظ أيضاً حقيقة أخرى في مسألة الخلق أن المرأة صناعة إلهية... قال الرب الإله ليس جيداً أن يكون آدم وحده بل لنصنع. من الذي يقول لنصنع الآب والابن والروح القدس الله المثلث الأقانيم يقول لنصنع له معيناً نظيره، وأعتقد أن أعظم تكريم للمرأة هو أنها مصنوعة بيد الله صناعة إلهية، فهي ليس صناعة روسية أو صناعة أمريكية أو صنع في انجلترا أو أمريكيا.. إنها صناعة سماوية صناعة إلهية وصنعها الله... الله هو الذي أوجدها وثم نلاحظ حقيقة أخرى في مسألة الخلق الذي بها يكرم الكتاب المقدس المرأة، إنه يتحدث إلينا أن المرأة صنعت بيد الله من ضلع الرجل. والدهشة أن الذي عندما أخذها من ضلع الرجل أجرى العملية بدون إحداث جروح وبدون إحداث آلام فلو حدثت هناك جروح أو نزيف أو آلام لوجد أدم أساساً للتحامل عليها على اعتبار أنه ضحى لأجلها وذاق المر لغاية وجودها لكن الذي أخلاه من إيجاد أي فضل له عليها بأن خلقها دون أن يشعر آدم. أخذ ضلعاً من أضلاعه ووضع في مكانه لحماً لكي لا يقول أنه نقص منه شيء، أخذها الله من ضلعه بلا آلام وبلا جروح. ولاحظوا أيضاً بهذه القصة، قصة الخلق جانباً أخر من تكريم المرأة بأن المرأة نظير الرجل حيث يقول لنصنع له معيناً بل أكثر من ذلك نظير الله...

قال الله نخلق الإنسان على صورتنا كشبهنا فيتسلطون على طير السماء وعلى سمك البحر والدبابات التي تدب على وجه كل الأرض، خلق الله الإنسان على صورته على صورة الله خلقه ذكر وأنثى خلقهم يعني أن الرجل والمرأة خلقوا على صورة الله على قدم المساواة بدون أدنى تمييز أو تعريف بين الاثنين.

قال أحدهم إن اعتبرنا خلق الله لآدم هو عمله لطبعة أولى من الكتاب يكون خلقه للمرأة طبعة ثانية منقحة لأن آدم خلق من خامة التراب لكن هذه الخامة رقاها الله وصنعها وبعد ذلك خلق المرأة. أعظم تقدير وتمييز في خلق المرأة أن الله استعار شخصيتها لكي تمثل الكنيسة التي اقترن بها شخص الرب يسوع حيث قال: قال «أيها الرجال أحبوا نسائكم كما أحب المسيح الكنيسة واسلم نفسه لأجلها..». فكل هذه المعاني تلتقي معاً لتأكد عظمة مكانة المرأة في الخلق. إن المرأة قدمت إلى آدم باعتبارها أنها هدية من عند الله..