العودة الى الصفحة السابقة
الوصية الخامسة في الكتاب المقدس

الوصية الخامسة في الكتاب المقدس

القس. جون نور


«أكرم أباك وأمك لكي تطول أيامك على الأرض التي يعطيك الرب إلهك»(خر 12:20).

إننا نعيش الآن في أيام مظلمة بصدد هذه الوصية أيضاً. ويبدو فعلاً أننا نعيش في الأيام التي كتب عنها الرسول بولس:«في الأيام الأخيرة تأتي أزمنة صعبة. لأن الناس يكونون محبين لأنفسهم، محبين للمال، متعظمين، مستكبرين، مجدفين، غير طائعين لوالديهم، غير شاكرين، دنيسين، بلا حنو، بلا رضى، غير محبين للصلاح»(2 تي 1:3 – 3).

لو كان بولس الرسول حياً اليوم هل كان يصف الحالة الحاضرة وصفاً أكثر صدقاً؟

يوجد في بلادنا اليوم أشخاص يحطمون قلوب آبائهم وأمهاتهم، ويدوسون ناموس الله. كم من الأبناء يعاملون والديهم بازدراء ويستخفون بتوسلاتهم؟

إن الوالدين يمثلون الله أمام أبنائهم في نواح كثيرة إلى أن يصل الأبناء إلى سن الرشد والتمييز. إن كان الأبناء أمناء نحو والديهم سهل عليهم أن يكونوا أمناء نحو الله. لقد استخدم الله العلاقة البشرية كرمز لعلاقتنا به سواء من ناحية خلقه لنا، أو من ناحية النعمة. الله أبونا الذي في السماوات، ونحن ذريته (أع 28:17).

«أكرم أباك وأمك». هذه الكلمة «أكرم» تعني أكثر من مجرد الطاعة، فقد يطيع الطفل بباعث الخوف. إنها تعني المحبة، والعواطف الطيبة، والاعتراف بالجميل، والاحترام نعرف نحن أن كلمتي «الأب»، «الأم» في الشرق تشملان كل من يزيد عنا في العمر، أو الحكمة، أو النواحي المدنية، أو الدينية. أليست الحاجة ماسة جدا اليوم لهذا النوع من الإكرام؟ إن الإباحية التي يتسم بهال العصر الحاضر هي نتيجة طبيعية لانعدام روح احترام ذوى السلطان.

«أكرم أباك وأمك لكي تطول أيامك على الأرض التي يعطيك الرب إلهك».أعتقد أننا ينبغي أن نرجع إلى الحقائق القديمة. قد تستهين بها، وتضحك عليها أيها الشاب. لكن أذكر أن الله أعطاك هذه الوصية، وأنك لا يمكن أن تتغاضى عنها. إن رجعنا إلى هذه الوصية نلنا قوة وبركة.

«أكرم أباك وأمك كما أوصاك الرب إلهك لكي تطول أيامك ولكي يكون لك خير على الأرض التي يعطيك الرب إلهك»(تث 16:5).

«ملعون من يستخف بأبيه أو أمه» (تث 16:27).«من سب أباه أو أمه ينطفئ سراجه في حدقة الظلام»(أم 20:20).

من السهل جداً أن نبرز الآيات الكثيرة من الكتاب المقدس للبرهان على هذه الحقيقة. والاختبار يعلمنا نفس الشيء، فالابن الصالح المحب يصبح رجلاً صالحاً أفضل من الابن المتمرد. إن الطاعة والاحترام والولاء في البيت تمهد الطريق إلى طاعة الرؤساء، وإلى فضائل أخرى تؤدي إلى نجاح الحياة، وتتوج بشيخوخة وقورة. أما التمرد على الوالدين، وعدم احترامهم، فإنهما كثيراً ما كانا الخطوة الأولى نحو الانحدار إلى المستوى الأخلاقي السافل. لقد اعترف الكثيرون من المجرمين بان هذه هي النقطة التي بدأوا منها ينحرفون. عشت أكثر من ستين سنة، وتعلمت فيها شيئاً واحداً – لو كنت لم أتعلم غيره – هو أن كل من لا يكرم أباه وأمه لا ينجح قط.

حدثني صديق عن رجل فقير أرسل ابنه إلى المدرسة في المدينة. في أحد الأيام كان الأب يحمل بعض الأخشاب ليبيعها في المدينة، ليسدد بها بعض احتياجات ابنه، وكان الشاب يتمشى في الشارع مع اثنين من زملائه التلاميذ يلبسان أفخر الثياب. فرآه أبوه، وترك خشبة، وأسرع إلى ابنه فرحاً ليتكلم معه لكن الشاب خجل من أبيه الذي كان مرتدياً ثياب العمل القديمة، فتنكر له الابن قائلاً: «أنا لا أعرفك». هل تعتقدون أن شاباً كهذا يصادف أي نجاح؟

امرأة فقيرة أرسلت ابنها إلى المدرسة، ثم إلى الكلية. وفي وقت التخرج كتب إلى أمه لتذهب إليه، أما هي فأجابته بأنها لا تستطيع الذهاب إليه لان فستانها الوحيد قديم جداً. كان ثوبها رثاً جداً فخشيت أن يخجل منها ابنها. فكتب إليها بأنه لا يهمه مطلقاً أي ثوب ترتديه، وألح عليها بشدة فذهبت. إليه فأخذها إلى مكان محترم لتقيم فيه. وإذ حل يوم الاحتفال بالتخرج سار في القاعة مع أمه الفقيرة المرتدية ثوبها الرث جداً، وأجلسها في أحسن مقعد في القاعة. دهشت الأم إذ رأت أن ابنها هو النائب عن فصله في إلقاء كلمة الوداع. وإذ قدمت إليه الجائزة التي أعطيت له نزل أمام كل الحاضرين، وقبل أمه وقال: «خذي يا أمي هذه الجائزة، فهيا لك، لأنه لولاك لما نلتها».

إن الفكرة الوحيدة التي يعطيها لنا الكتاب المقدس عن الثلاثين سنة من حياة المسيح على الأرض، التي بلغت ثلاثاً وثلاثين سنة، تبين أنه لم يأتي لينقض هذه الوصية الخامسة. إن سر تلك السنوات الصامتة يوجد في الآية الواردة في إنجيل لوقا: «ثم نزل معهما وجاء إلى الناصرة وكان خاضعاً لهما»(لوقا 51:2) ألم يقدم مثلاً أعلى من المحبة البنوية الصادقة، إذ وهو في وسط آلامه على الصليب، رتب ما يلزم لإعالة أمه؟ ألم يوبخ فريسي عصره إذ كانوا يحاولون التملص من هذه الوصية:

لم يسترح يوسف إلا بعد أن احضر أباه الشيخ إلى مصر. لقد كان أعظم شخص في مصر. كان ثانياً لفرعون. كان يرتدي أفخر الثياب. كان يلبس خاتم فرعون في يده، وقلادة ذهبية في عنقه، وكانوا يصيحون قدامه «إركعوا» (تك 40:41 – 44). ومع ذلك فإنه عندما سمع أن يعقوب قادم أسرع إليه ليقابله. لم يستح منه وهو لابس ثياب الرعاة.

تعال الآن، هل أنت مستعد بأن توزن؟ إن كنت تهين أباك وأمك فقف في الميزان، وعندئذ ترى بأنك ناقص. أنظر كيف ترتفع كفتك إلى فوق بسرعة. لا اعرف إنساناً أخف في الميزان ممن يعامل والديه بازدراء. هل تعصى أوامرهما؟ هل تخدعهما؟ هل تعتبرهما من الجيل العتيق وتهزأ بنصيحتهما؟ كيف تعامل والدك الوقور وأمك التي تصلى من أجلك؟.

قد تعترف بأنك متدين، لكنني لن أعترف بتدينك إلا إذا كانت تؤثر على حياتك وتعلمك كيف تعيش. إنني لا أحترم تديناً لا يبدأ بالبيت، ولا يحسن تصرفك نحو والديك.

أكرم أباك وأمك لكي تطول أيامك على الأرض.