العودة الى الصفحة السابقة
الغفران والسلام

الغفران والسلام

القس. جون نور


هل ذات مرة ضاع منك شيء صغير؟ ثم أخذت تبحث عنه في كل مكان – تحت الأثاث، في جيوبك، في الأدراج – ولكنك لم تجده في أي مكان. وأخيراً انتابك اليأس لدرجة أنك أخذت تبحث عنه في آخر مكان يمكن أن يكون فيه – في صندوق النفايات فتقلب صندوق النفايات على الأرض، ولم يكن من الممكن أن تتحاشى لمس بقايا الطعام وعظام الدجاج التي كانت غارقة في بقايا النفايات الأخرى . وماذا تقول عن الرائحة وخصوصاً إذا كان الوقت صيفاً فإنها ستدفعك إلى أن تذهب بعيداً قبل أن تبدأ.

إن هذا يشبه بالضبط عندما نفكر باستمرار في إساءات بعض الناس لنا. إننا نغوص في صندوق نفايات عواطفنا وأفكارنا، ونلتقط منها المواقف العدائية التي واجهتنا، والتي كان من المفروض أن نتركها وننساها.

إن الغفران للآخرين يُبرز لنا أعظم تحدي لضبط النفس، ولسيطرة الروح القدس علينا لنتحكم في حياتنا. وبدون أن يكون عندنا غفران، فإننا سنفقد السلام الذي يكون لنا بسبب وجود المسيح داخلنا، وبدون أن يكون لنا سلام مع الله ومع الآخرين

إن العهد الجديد الكتاب المقدس يحضنا على الغفران، ذلك الغفران الذي يكون له اتجاهان – فالله يتوقع منا أن نغفر للآخرين لأنه هو غفر لنا. وهذا يكون واضحاً من الصلاة الربانية،التي علمها يسوع لتلاميذه «اغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضاً للمذنبين إلينا». (متى 12:6). وبعد أن أعطى الرب يسوع الصلاة الربانية للتلاميذ، أكد على هذين الاتجاهين إذ قال: «فإنه إن غفرتم للناس زلاتهم يغفر لكم أيضاً أبوكم السماوي. وإن لم تغفروا للناس زلاتهم، لا يغفر لكم أبوكم أيضاً زلاتكم».(متى 14:6، 15).

وهذا هو السبب في أن المسيح أعطى مثل العبد الذي لم يكن عنده ما يوفي الديّن الذي كان لسيده (متى 18). لقد تحنن سيد ذلك العبد عليه وسامحه تاركاً له الديّن الذي كان عليه. ولما خرج هذا العبد من عند سيده، وجد واحداً من العبيد رفقائه كان مديوناً له بمبلغ تافه من المال. وعندما لم يستطع أن يُوفيه ذلك الديّن ألقاه في السجن. وعندما سمع السيد هذا، فإنه غضب وسلّمه إلى المعذبين حتى يُوفي كل ما كان عليه. إن الدرس الذي نخرج به من هذا المثل هو: إذا كان الله يغفر لنا الكثير – كل خطايانا وزلاتنا الماضية والحاضرة والمستقبلة – ألا يجب أن نغفر للآخرين زلاتهم.

لذلك فإن الله وضع هذا التحدي الصغير في الإنجيل عندما تقدم بطرس إلى الرب يسوع وقال له: «يا رب.. كم مرة يخطئ إليّ أخي وأنا أغفر له؟ هل إلى سبع مرات؟. قال له يسوع: لا أقول لك سبع مرات بل سبعين مرة سبع مرات».(متى 21:18، 22).

كما لا يريدنا الله أن ننقب في صندوق نفاياتنا، فإن الله لا يُنقّب ويُفتش في هذه النفايات. ويصف (مزمور 12:103) كيف يُزيل الله هذه النفايات بقوله: «كبُعد المشرق عن المغرب أبعد عنا معاصينا». فلو أن الله قد قال أنه أبعدها من الشمال إلى الجنوب، فإنك تستطيع أن تتخيل أنه أبعدها من القطب الشمالي إلى القطب الجنوبي. فمع أن القطبين بعيدين جداً عن بعضها، إلا أن المسافة بينهما يمكن أن تُقاس. ولكنك لو ركبت طائرة وطرت بها شرقاً، فإنك سوف لا تصل إلى الغرب، وإن طرت بها غرباً، فإنك لا تصل إلى الشرق. إنه مجرد أنك تطير حول الكرة الأرضية.

هكذا الأمر مع خطايانا. إذا لم نعترف بها، فإنها تكون قريبة منا جداً كقرب المسافة بين أذنينا. أما إذا اعترفنا بها لله، فإنه سيُبعدها عنا كبعد الشرق عن الغرب.

ومع ذلك دعونا نكون واقعيين. فإنك ربما تسامح شخصاً آخر، ولا يزال بينك وبينه صعوبات وحواجز، ناسياً الآثام والخطايا التي غفرها الله لك. فالغفران يتطلب مجرد أن تنسى الإساءات التي عُملت في حقك، ولكن الغفران يعني أن لا تكون هناك إدانة في قلبك لأي شخص. عليك أن لا تعيش على أمل أن هذا الشخص الذي أساء إليك سوف يعاني من هذه الإساءة التي عملها لك، بل أن تُسلمه لله وتصلي أن يباركه الله. إذا نسيت هذه الإساءة، فهذا جميل، ولكن إذا لم تنسها فإن هذا ليس معناه أنك لم تغفر له.

لا تسمح لنفسك أن تتلوث ببقايا ومخلفات الآخرين. فإذا أتى إليك شخص لكي يضع أحماله عليك، عليك أن ترى إذا كنت تستطيع أن تقدم له مشورة حكيمة أم لا. فإذا شعرت أن هذا الشخص لا يريد المعونة أو المساعدة، قل له: دعنا نذهب ونقول هذا الأمر للشخص الذي تشتكي منه، حينئذ سوف تستطيع أن تحل هذه المشكلة.

هذا هو السبب في أن الغفران من جانب واحد – بدون تصفية المواقف، وبدون إبداء أي اعتذارات، وبدون أي شرط – يكون هو الطريق الأفضل. فالطرف الآخر الذي سأغفر له ربما لا يكون لديه علم أنه قد عمل شيئاً يحتاج إلى مغفرة. فالروح القدس مهمته أن يُقنع مثل هذا الشخص بخطأه لا أنت. أما أنت فعليك أن تقوم بدورك وتغفر له.

إن هذا يكون صعباً دائماً، ولكن هذه هي الطريقة التي قال عنها الإنجيل. هل تتذكر الرجل المفلوج. الذي أنزله أصحابه أمام الرب يسوع من فتحة في السقف؟ قال الرب له: «مغفورة لك خطاياك».

لم يطلب الرجل أن تغفر له خطاياه، ولكنه حصل على الغفران، وحصل على الشفاء أيضاً. كذلك المرأة التي أُمسكت في ذات الفعل التي أحضرها الفريسيون أمام الرب يسوع. لم تكن هذه المرأة تعرف ما الذي سيحدث لها، سوى أن الأحجار التي كانوا يمسكونها ستُستخدم في رجمها كما أوصى العهد القديم. إلا أن الرب يسوع قال لها: «هل دانك أحد»؟ قالت له:« لا يا سيد». قال لها: «ولا أنا أدينك أي أنني قد غفرت لكِ خطاياك. اذهبي ولا تُخطيء أيضاً». (يوحنا 11:8). هذا هو الغفران من جانب واحد.

إن أعظم مثال للغفران من جانب واحد هو المثال الذي أعطاه لنا الرب يسوع على الصليب. لم يأت أحد من الجند أو الكهنة اليهود يطلبون منه أن يغفر لهم ما فعلوه به. إنهم لم يتوسلوا أو يتضرعوا له لكي يشفع لهم أمام الآب. إلا أن الرب يسوع بعد أن عانى منهم آلاماً شديدة، وعند قُرب موته قال: «اغفر لهم يا أبتاه». ولأن الرب يسوع موجود داخلنا، فإنه يُعطينا ذات القوة التي جعلته يغفر من جانب واحد.