العودة الى الصفحة السابقة
التدين الشكلي؟

التدين الشكلي؟

جون نور


في داخل الكنيسة الواحدة، يوجد المتدين الملتزم بالشكل الديني فقط دون أن تكون له علاقة شخصية مباشرة بالرب يسوع.. كما يوجد أيضاً المسيحي الحقيقي الذي، وإن كان ملتزماً بالشكل الخارجي للحياة المسيحية، إلا أنه يعيش جوهر المسيحية وعمقها، لأن إيمانه مؤسس على شخص الرب يسوع، وله حياته اليومية التي فيها يعايش المسيح ويختبر حضوره، ويستلهم إرشاده.. وبذلك يكون كل ما يقوم به من ممارسات وأعمال نابعاً من حياته الداخلية مع المسيح، وليس مجرد شكل أجوف.

ما موقف المتدين الشكلي من الله؟

إن كان المسيحي الحقيقي ينظر إلى الله كشخص محب، وأب حنون يشاركه حياته اليومية بحلوها ومرها، فإن المتدين الشكلي قد يرى الله من منظار آخر مختلف..

قد ينظر المتدين الشكلي إلى الله كمشرع، أي واضع قوانين على الإنسان أن يلتزم بها وينفذها، وإلا فإن الله سوف يعاقب الخارجين عن القانون والمخالفين..! هنا نجد أن المتدين الشكلي تلفت نظره صفة القوة والعدل في الله، ولا يضم إلى جوارها صفة الرحمة والمحبة.. ولذلك قد ينظر إلى الله في خوف، وقد يشعر أن الله يطارده، ويتصيد له الأخطاء، وينزل به العقاب إذا أخطأ أو حاد عن الصواب.

أما المسيحي الحقيقي فهو يشعر بحب الله له ورعايته، ولا يعتبر نفسه عبداً بل ابناً محبوباً لله: «لا أعود أسميكم عبيداً.. لكني سميتكم أحباء..»(يوحنا 15:15)، ولكن – في الوقت ذاته – لا ينسى المسيحي مخافة الله وعدله. لكن صفة الحب في الله التي ظهرت في موت الرب يسوع عنا هي التي تجذب المؤمن إلى العلاقة الشخصية بالرب، وعندئذ يتلاشى الخوف:«لا خوف في المحبة، بل المحبة الكاملة تطرح الخوف إلى خارج»(1 يو 18:4).

ما دام انطباع الإنسان عن الله هو انطباع الخوف، فقد يشعر بأن الله أرهب من أن نتعرف عليه شخصياً، وأبعد من أن نرتبط به، وربما يشعر أن من المستحيل أن نتحد به..!!

وقد كان فكر العهد القديم من هذا النوع، حيث الله متعال على البشر. ولذلك لا يقترب منه إلا في حدود، وهو لا يقترب من الإنسان إلا بقدر، لأنه أعلى من أن يتنازل ليعيش في صميم الحياة الإنسانية.. ولكن ما أن تجسد الابن الكلمة حتى صار الله حاضراً في عمق حياتنا، فقد شابهنا في كل شيء ما خلا الخطيئة.

قد يعبد المتدين الشكلي إلهاً من صنع فكره الخاص، ومن نسيج احتياجاته الخاصة.. فقد يرسم في عقله صورة لإله تتوافر فيه شروط معينة يحتاج أن توجد في الله كقوة عليا يلجأ إليها في الشدة فقط.. وهي صورة تعكس قلق الإنسان ومخاوفه من المجهول.. ويكون الإله في هذه الحالة من صنع الإنسان..!! وهذا بدوره يمنع المتدين الشكلي من أن يلتقي بالإله الحقيقي.

وهكذا نرى أن المتدين الشكلي قد يختبر أموراً دينية وأخلاقية، ولكنه لا يختبر الله ذاته.. فهو يعيش بلا إله رغم وجوده في جو ديني، بمعنى أن المتدين الشكلي قد لا يتمكن من اللقاء بالله في ديانته..!! وهو – بالرغم من كل التزامه وتدينه – لا يتخطى حدود ذاته، ولا يخرج عن رؤيته الذاتية الضيقة، ولا يكف عن رؤية الله من منظاره الشخصي الخاص.

ونحن هنا أمام ملاحظة مهمة..

لا يشترط أن تجتمع كل الصفات السابقة في شخص واحد حتى يصبح متديناً شكلياً، ولكن ما ذكرناه مجرد نماذج لما قد يدور في فكر الشخص البعيد عن عمق العلاقة المباشرة مع الله، مكتفياً بالغلاف الخارجي للمسيحية، مستعيضاً به عن الدخول في لقاء حي مع الله، ومواجهة صريحة للنفس في ضوء الروح القدس.

ما موقف المتدين الشكلي من الخطيئة والفضيلة؟

الخطيئة ليست مجرد فعل خارجي خاطئ، إنما هي حالة داخلية (حالة انفصال عن الله).. فما دام الإنسان منفصلاً عن الله مصدر القداسة، فسوف يسلك حتماً حسب طبيعته الإنسانية المشوهة (الإنسان العتيق).. وبذلك تكون الخطيئة حالة داخلية ملازمة للطبيعة الإنسانية المنفصلة عن الله، ينتج عنها فعل الخطيئة.

الخطيئة – إذن حالة انفصال عن الله تنتج فعلاً خاطئاً خارجياً.

من الجانب الآخر فإن الفضيلة ليست مجرد فعل خارجي صالح، إنما هي حالة داخلية (حالة ارتباط بالمسيح).. فما دام الإنسان منفتحاً على الرب يسوع مصدر القداسة، فإنه بلا شك سوف يمتص من صفاته شيئاً فشيئاً، ويطهره الروح القدس أيضاً تدريجياً، فتصير له طبيعة جديدة نقية، وتصير الفضيلة حالة داخلية ملازمة للطبيعة الجديدة التي أكتسبها، وتصبح القداسة أمراً من طبع المسيحي.

الفضيلة – إذن – حالة قداسة داخلية تنتج فعلاً مقدساً خارجياً.

أما المتدين الشكلي فقد يفهم الخطيئة والفضيلة بأسلوب آخر..

فقد يهمه ألا يتمم الخطيئة كفعل خارجي، حتى لو كان منفصلاً عن الله داخلياً.. كما يهمه أن يتمم الفضيلة كفعل خارجي، حتى لو لم تكن الفضيلة ثمرة لارتباطه بالرب يسوع.

بناء على ذلك نجد المتدين الشكلي قد يهتم بأن يكون عدد خطاياه أقل ما يمكن، وعدد فضائله أكثر ما يمكن.. وهو لذلك يركز «جهاده» وسعيه على عدم فعل الخطية من ناحية، وفعل الفضيلة شكلياً من الناحية الأخرى، ولا يهمه كثيراً التعرف على شخص الرب يسوع.. ولذلك نجده يقيم مستواه الروحي (ومستوى الآخرين أيضاً) على حسب عدد خطاياه وعدد فضائله، وليس على مدى النمو في معرفة شخص المسيح..!

المتدين الشكلي يحيا غالباً بأسلوب مختلف، فالرب قد يشغل قلبه وفكره.. وسلوكياته الحسنة غالباً ما ينال عنها مكافأة أرضية ومديحاً من الناس، واهتماماته الجوهرية ليست لإرضاء الله والتسامي إلى صورته المقدسة، ولكن لإرضاء الناس أو للابتعاد عن الانتقام الإلهي أو لنوال المكافأة.. إنه بذلك مجرد أجير وليس ابناً!!.