العودة الى الصفحة السابقة
الله خلق الانسان حرا

الله خلق الانسان حرا

جون نور


إنّ الله تعالت حِكمته قد خلق الإنسان حُرّاً في إرادته، وهذه الحُريّة هي التي تحدِث هذا التناقض الظاهِر في الحياة، ولكنها في ذات الوقت تجعل الإنسان مسئولاً ككائِن حُرّ عن تصرّفاته أمام الله.

إنّ السعادة الكامِلة لا تستطيع أن تنتزع جذور الشرّ من قلب الإنسان، فالشرّ في طبيعة البشرّ، والسعادة ليس في مقدورها أن تُغيّر هذه الطبيعة الضالّة، إذ بينما لم يكُن في الأرض سِوى قايين وهابيل وأمامهما أطراف الأرض الواسعة، قام قايين على أخيه هابيل وقتله لا لِشيء إلاّ لأن شرّ قلبه دفعه للقيام بِهذه الجريمة المُنكِرة، فالإنسان لا يُصلح بِالسعادة وإنما يتغيّر بقوّة روح الله، حين يتجدّد بِنعمته ويُصبِح خليقة جديدة في المسيح.

أن الله لم يخلق الإنسان لِهذه الأرض، لم يخلِقه لِيعيش عمره يُجاهِد ظروف الحياة ثم يُواريه التُراب! لم يخلِقه للأكل والشُرب والضحك والبُكاء!! بل خلقه للأبديّة.. خلقه ليحيا معه إلى الأبد حيث لا موت، ولا دموع، ولا صُراخ، ولا وجع، ولا صِراع فيما بعد... وإن مقاييس الله للحياة الأرضيّة ليست هي مقاييس الغِنى والفقر، والذكاء والبلاهة، والعبقريّة والغباء، والقلوب الكبيرة والقلوب المسكينة، وكثرة الأولاد أو قلتهم، بل إن مقاييسه جلت قُدرته هي مقاييس روحيّة تؤكدّ قيمة الإنسان العُظمى في نظره مهما كانت ظروفه، ومواهبه، وشخصيّته، ومآسي حياته، وتُعلِن لنا أنه في خِلال الأبديّة التي لن تنتهي سنرى مدى التعويضات الإلهيّة للذين ظلمتهم ظروف الحياة، أو عذّبهم أشرار الأرض، أو تألّبت عليهم الأحداث فلوّنت حياتهم بِصورة المأساة، فهُناك سيُعطيهم الإله العادل جمالاً عِوضاً عن الرماد، ودُهن فرح عِوضاً عن النوح، ورِداء تسبيح عِوضاً عن الروح اليائِسة.

لكن حين تغيّب هذه الحقائِق عن العقل البشري، يُسلّم قِيادته ِلظُلمة الشكّ القاتِل، فيحيا الإنسان حياته حائِراً، مُعذّباً، مُضطرّباً بِلا سلام.

ليس مِنّا من لم يتعرّض للصِراع بين ولائين أو أكثر في حياته، وليس مِنّا مَن لا تُواجِهه مواقِف الحياة من حين لآخر بِضرورة الاختيار بين قيمتين أخلاقيتين أو أكثر، وقد يدور هذا الصِراع على مشهد من عقولنا وانتباهنا، نشعر به ونُدّبر له، وقد يدور في نفوسنا على غفلة مِنّا فإذا نحنُ نشكو ونتضجّر ونفقد سلامنا دون أن نُدرِك مصدراً واضِحاً لِشكوانا ولا لِضجرنا ولا لِفُقدان سلامنا.

مُنذ وقت قريب أرسل شابان بِكُليّة الحقوق خطاباً إلى كاتِب معروف قالا فيه ما يلي: «نحن شباب هذه الأيّام نسبح في دوّامة عميقة مِن القلق، والاضطراب، حائِرين بين ما يُسمّونه القديم والجديد، فإذا استهوانا الجديد بِسحره وفِتنته، نُصغي إلى دُعاة التمسّك بِالقديم فيعترينا الشكّ وتُرهِقنا الحيرة، ففي أي طريق نسير؟»

وقد أجاب الكاتِب الكبير على رِسالة هذين الشابين قائِلاً :إن هذه الحيرة ليست خاصّة بِشباب بِلادنا، فإن الشباب في كُل أنحاء العالم يُعانيها، فكثير من الموازين والقيم والتقاليد الدينيّة وغير الدينيّة يهتزّ اهتزازاً عنيفاً، وكثير من المُقدّسات التي اعتادها الناس تنتابها في هذه الأيّام موجة من الشكّ والتلبيس،

الإيمان.. الدين.. العائِلة.. الزواج.. الحُريّة الشخصيّة.. الحُبّ.. العلاقة بين المواطن وأُسرته وأصدقائِه ومُجتمعه، كل تلك وأمثالها تزحف عليها آراء فيها طرافة وبريق وسحر، وفيها قبل كُل شيء انطلاق من القيود.

وهذه سِمة من سِمات العهود التي تعقب الحروب الكبيرة ويضطرّب فيها العالم بين الخير والشرّ، فيسري فيه إحساس بالقلق ويستولي على الناس جميعاً ويحملهم على الشكّ في الحياة ذاتها وقيمتها وهدفها، وهُم يرونها أشبه ما تكون باللعبة في يد بِضعة أفراد من ساسِة الدول وزُعمائِها، بل يُغريهم هذا الجوّ المُفعم بِالشكّ والحيرة على تفضيل الانطلاق مِن القيود والتمتّع بِالحياة .

وهُنا يأتينا السؤال: هل يستطيع الناس أن يتحلّلوا مِن القيود بِالسهولة التي يتصوّرونها؟ يقيناً: لا!

لقد غرس العالم القديم معاييره في نفوس الأفراد الذين قضوا طفولتهم وبعض شبابهم فيه، فلمّا تغيّر العالم حولهم واجهوه بِمعايير راسِخة، وتقاليد أخذت صورة التقديس، ومِن هُنا نشأ الصِراع في نفوسهم بين ولائين! وهذا الصِراع هو الأساس الكامِن وراء ما نشهد اليوم من اضطرّابات عنيفة تحدث في نفوس الأفراد والجماعات.

عليك أن تدرك أن الله قد خلقك حراً وهذه الحرية هي أن تتحرك وتعيش ضمن الإرادة الإلهية وليس ضمن إرادتك أنت فالسعادة الكاملة هي في مرضاة الله في حياتك.

أتمنى أن تكون عائشاً ضمن حرية الله في حياتك مختبراً وممارساً لهذه الحرية.