العودة الى الصفحة السابقة
لا موت!!!

لا موت!!!

يسوع... أبطل الموت (2تي 10:1).

جون نور


إن عيد الفصح الذي يحتفل به المسيحيون في كافة انحاء المعمورة هو احتفال بالحياة. إنه يوم تهليل وتسبيح وتمجيد وتحقيق فهو يوم يحدثنا كيف صار الإيمان حقيقة واقعية محوّلاً أناساً عاديين إلى أُناس متفوقين، ورجالاً خائفين إلى أبطال لا يهابون الموت الزؤام.

إن الإيمان بالحياة الخالدة خالد بنفسه. وقد سجلته الأناشيد القديمة ومارسته الأسرار المقدسة وأقامت له أنصاباً وتذكارات مسجلة في طيّات التاريخ تعود إلى أقدم العصور. فهو قديم كقدم القلب البشري وعميق كعمق الطفولة وهرم كهرم الشيخوخة. إنه أعمق من المحبة وأكبر من الموت وأرق من الشفقة واحد من الألم وأوجع من الخسارة وأشدّ من الشوق والحنين...

فقبل وجود التوراة وقبل أن يتم نسخها في وادي الملوك بمصر منذ أربعة آلاف سنة كان الإيمان بالخلود نغمة ساحرة. وكان كتاب الموتى لدى المصريين عبارة عن طقوس تدور حول خلود النفس وأزلية الحياة. فمن أين جاء مثل هذا الإيمان؟ وكيف جاز للإنسان أن يتبناه في وجه حقائق مُعقدّة وما الذي حفظه وأبقاه؟

لا شيء أكثر عجباً على وجه هذه الأرض ولا شيء أمجد وأفخم من الطريقة التي أنكر بها الإنسان الموت وهزأ به وتحدّاه. فمع ضعف الروح وسرعة زوال الحياة ينبغي أن يكون في أعماق نفس الإنسان ما يحمله على أن يرفض الموت كغاية أخيرة ويُقرّر مؤكدّاً استمرار الحياة في عالم مشحون بالأحلام المشوّشة والغبار الراغب في كثرة الاهتمام وفي طلب المُحال.

في يوم الفصح يصبح الرجاء الخائب حقيقة أكيدة وسيمفونية خالدة ويصير الإيمان القديم حقيقة ثابتة ويفتح الباب على مصراعيه ويشرق نور بهي من خلاله ويبدأ الناس حياة جديدة بقوة لا حد لها. فهنا الأبدية فيها نعيش وبها نتحرك ونوجد.

وأخيراً جاء من انتصر على الحياة ولم يكن فريسة للموت. ذاك الذي عاش حياة إنسانية لله في شكل كشكلنا ولكنه كان طاهراً ومستقيماً وشجاعاً في الحق وقد بذل نفسه فدية للحق وكانت حياته صارمة بهذا المقدار حتى أصبحت مشرقة وصار يسوع المسيح المتسربل بالنور والبهاء. ومنذ وجد في الجسد على الأرض أصبح الناس يفكرون بالحياة بعمق أكثر وبوضوح أوفر وبأكثر انتصار على الحياة والموت وعلى المصير بالذات...

لقد جلب يسوع أربع بركات للعالم – بركات أغنى من أن يحيط بها وصف. فلقد علّمنا لا بل أرانا ماهية الله – مظهراً لنا الإنسانية في الله والإلوهية في الإنسانية وهذا يُضفي على إنساننا الترابي رونقاً وبهاء، ولأول مرة في تاريخ الأديان يجعل الناس فرحين ومُغتبطين بالله. لقد أرانا في حياة شبه حياتنا كيف تصبح الحياة المائتة عندما تصرف في محبة الله وتسير بإرادته وتخضع لناموسه الذي هو ناموس المحبة. فلقد مشى معنا وكسر خبز شركتنا وشفى انسحاق قلوبنا وقرب الله منا وجعله حقيقة أكيدة لنا كما صوّره لنا إلهاً وأباً محباً كلي الحنان والرحمة وكلي المسرّة والبهجة.

وأرانا كذلك عظمة وقداسة النفس البشرية وقيمة الإنسان الروحية ومدى بلوغه في هذه الحياة الأرضية. ولم يقطع رجاءه بالإنسان مهما شط ذلك الإنسان وتوغل في الشر وفي البعد عن الله. فلقد عرف بأن محبة الله يمكنها أن تمحو معالم الخطية وأن تشفي أوصاب الحزن والوجع والألم وإن هذا الرجاء هو لجميع البشر على السواء.

وما علّمه يسوع فقد عاشه عمليّاً. وقد واجه أشدّ الآلام للحصول على أفضل ما في الحياة. حتى أمام الصليب استطاع أن يُشرق بحياة مُشعّة معطياً إيّاها عمقاً جديداً ومعنى جديداً ومحوّلاً تفكير الناس عن المظاهر الخارجية إلى القيم الداخلية فرفع الحياة إلى أسمى صعيد...

وقد علم بصراحة عن الموت وبرهن تعاليمه تلك بموته الفعلي وبقيامته المجيدة. فهو لم يخلق الإيمان بخلود النفس ولكنه ثبته. ولم يُحاجج مُدافعاً عن الحياة الأبدية ولكنه عاشها. فجاز ما يُسميه الناس بالموت ثم عاد فاتحاً أبواب الحياة الأبدية أمام البشر.

وبكلام آخر لقد علم يسوع مُبرهناً خطأ الإنسان من جهة اعتبار الموت. حتى إن الموت لم يبقَ كما يظن الإنسان أو يخاف أن يكون. فذاك النوع المُخيف من الموت ليس موجوداً. وما خوفنا منه إلا استبداد مشاعرنا وقوى حواسنا الطبيعية التي تضغط علينا بقوّة القضاء والقدر – هذه القوة المُسلّطة على أجسامنا وسلبيتها وسقوطها أخيراً.

لقد أبطل يسوع الموت وألغى الأسطورة القديمة كما فعل المذياع بالزمان والمسافات في وقتنا الحاضر. فالمسافة ما تزال قائمة وموجودة ولكنها أخضعت وقهرت وما علينا إلا أن ندير مفتاحاً صغيراً فنسمع صوتاً ونشاهد صوره في أي بقعة أخرى تحت الشمس وذلك بصرف النظر عن الوقت وعن المحيطات التي تفصل القارات عن بعضها البعض.

فلينزع الإنسان الموت من تفكيره وليُفكر كما فكر الرب يسوع فتصبح الحياة كلها جديدة. فإذا فكرنا بأصدقائنا إنهم أموات فهم يكونون أمواتاً لدينا. وإذا نحن حللناهم وفككنا أربطتهم كما أمر يسوع أصدقاء لعازر أن يفعلوا به يصيرون أحياء في نظرنا ويسيرون معنا في سبيل القلب المُحب.

لماذا تطلبن الحي بين الأموات؟ ليس هو ههنا لكنه قام... لقد أبطل الموت وأنار الخلود... وهذه أعظم بشارة تعلن للعالم أجمع وأهم أخبار الساعة:

ليس هو ههنا ولكنه قام!!!