العودة الى الصفحة السابقة
كيف قام؟...

كيف قام؟...

بذكرى المسح من بين الأموات

جون نور


يحتفل العالم في هذه الأيام

في ضوء قيامة المسيح الظافرة من الموت وما تنطوي عليه من حقائق جليلة رائعة، يقفز أمامنا هذا السؤال الهام، كيف قام؟... وبأي جسد؟...

لكن قبل أن نُجيب على هذا السؤال يجب أن نُسائل أنفسنا: هل عرفنا حقاً كيف مات؟ فبالرغم من كل الإسهاب الذي تحدث به الوحي عن أحداث الجلجثة، يجب أن نؤكد هذه الحقيقة الهامة: إننا مهما تمعنّا في تلك الأحداث ومهما تأملنا في الصليب فلن نستطيع أن ندرك أعماقه وأسراره.

حقاً كيف مات رب الحياة... رب الكون... رب المجد؟؟...

هذا هو السؤال الذي سيظل باقياً أبد الدهور لغزاً مُحيّراً لعقول البشرية. وربما يحيرك أيضاً ونحن في شوقنا لنعرف كل الحقائق والملابسات، كنا نود لو أن البشيرين سجلوا لنا الحوادث بأكثر تفصيل. لقد كنا نشتاق لو أن التلاميذ كلهم هرعوا إلى هناك والتفوا حول الصليب ليعاينوا ذلك الحدث الرهيب الغريب عن قرب؛ ويسجلوا للبشرية كل الوقائع بكل تفصيل وإسهاب. ومع كل، هل كانت عيونهم لتستطيع أن تُحدّق طويلاً في ذلك المشهد الرائع المهيب؟ هل كانت قلوبهم تحتمل؟... وهل كان يمكن لعقولهم أن تدرك كل ما كان يجري في أعماق الظلمة التي غلّفت ذلك الحدث الشائن والمجيد؟!...

هذا عن الموت لكن ماذا عن القيامة؟... لا شك أن مشهد يسوع عندما قام من الأموات كان مشهداً عجيباً رائعاً. ولكم كنا نود لو أن التلاميذ كانوا هناك ليدونوا لنا بكل تفصيل ذلك الحدث العجيب الفريد، خاصة وأن السيد كان قد أخبرهم بميعاده:«بعد ثلاثة أيام أقوم»لهذا كان ينبغي أن يسهروا حول القبر طوال الليل حتى تكتحل عيونهم بمشهد السيد عندما قام ظافراً منتصراً.

لقد فات التلاميذ مشهد الصليب وفاتهم أيضاً مشهد القيامة، لكن خدامه كانوا هناك. كانت الملائكة ملتفة حول الصليب في صمت وخشوع. لم يقدروا أن يفعلوا له شيئاً حسب أمره وهو مُعلّق هناك، لكنهم ظلوا طوال الوقت ساهرين حول قبره. ولما أزف الميعاد نزل الملاك ودحرج الحجر عن الباب وجلس عليه. كان منظره كالبرق ولباسه أبيض كالثلج. وفي داخل القبر كان هناك أيضاً ملاكان يلبسان ثياباً برّاقة يزفان بشرى القيامة لكل النفوس النائحة التي ذهبت هناك.

كان ممكناً حقاً أن يظهر يسوع نفسه بعد قيامته في أوج من القوة والعظمة كي يذل أعداءه ومبغضيه، لكن هذا لم يكن ولن يكون أسلوب يسوع في تعامله مع البشر. بل على النقيض ظهر يسوع بعد قيامته في غاية من التواضع حتى أن مريم ظنته البستاني!...

لم تكن أمجاد القيامة لتعتمد على المظاهر التي صاحبتها بل على حقيقة جوهرها...

إنه شيء عجيب حقاً أن يظهر السيد بعد قيامته في غاية من البساطة، والأغرب من ذلك أن نجد آثار الصلب واضحة في جسده. كانت الجراح قد التأمت سريعاً، خلال ثلاثة أيام التأمت كل أنواع الجراح التي كانت قد ألمّت به، ومع ذلك ظلت آثارها باقية!

لقد صارت جراح يسوع هي علامته المميزة... علامة كماله الفائق... علامة حبه اللانهائي... علامة الصفح والغفران... علامة للراحة والبهجة والاطمئنان...

لهذا كان يسوع يجد السعادة في الكشف عن تلك الجراح. فعندما ظهر لتلاميذه ورآهم في حيرة واضطراب، قال لهم:«ما بالكم مضطربين ولماذا تخطر أفكار في قلوبكم. أنظروا يدي ورجلي إني أنا هو. جسوني وانظروا فإن الروح ليس له لحم وعظام كما ترون لي. وحين قال هذا أراهم يديه ورجليه»(لوقا 38:24 – 40).

كذلك أتى يسوع خصيصاً لتلميذه المتشكك وقال له: «هات إصبعك إلى هنا وابصر يدي وهات يدك وضعها في جنبي ولا تكن غير مؤمن بل مؤمناً»(يو 27:20).

لقد هرب التلاميذ من قبل، وفاتهم أعظم مشاهد التاريخ كلها. بل لا شك في أنهم لو تبعوا السيد في ذلك اليوم الرهيب، لما استطاعوا أن يدركوا أو يفهموا شيئاً.

لكن بعد أن انتهت المعركة، وجه السيد الدعوة لتلاميذه مُجدداً ليأتوا فرادى... في صمت... في خشوع... ليمشوا خلفه في ذلك الطريق الوعر... وليسترجعوا كل الشتائم والتعييرات التي حلّت به في طريق الجلجثة...

ثم يقفوا هناك ويحدّقوا فيه عندما طرحوه فوق الأرض وأخذوا يسمرّونه بكل عنف إلى الخشبة... ثم يتمعنون فيه وقد تقلّص وجهه وظهرت عليه علامات الألم من شدة العذاب عندما ارتفع الصليب عالياً ودفع في الأرض... ثم ليحدقوا طويلاً... طويلاً في إكليل الشوك وفي وجهه الشاحب الملطخ بالدماء...

ثم ليقتربوا أكثر ويتلمسوا يديه ورجليه ويضعوا أصابعهم في تلك الثقوب التي اخترقت أعصابه وأوتاره...

لقد دعا السيد الإنسان ليضع يده في جنبه حتى يكتشف أعماقه، وإذا به (الإنسان) في نفس اللحظة يكتشف حقيقة ذاته. ويا للهول عندما يكتشف الإنسان نفسه في مواجهة الصليب.

لا تتعجب... ضع يدك في جنبي وادفعها إلى عمق أحشائي لتتأكد أن كل هذا الحب هو حقيقة لك...

لا تجزع من رؤية دماي... قد أفزعتك كيما أُخلصك... أظهرت لك حقيقة خطاياك كي أنزعها عنك... أهجت ضميرك كيما أريحه...

أنا هو الراعي الصالح الذي بذل نفسه عن خرافه... الأجير يرى الذئب ويهرب ولا يبالي بالخراف... أما أنا فقد جئت خصيصاً كي أدافع عنك وأحارب الأعادي الذين تجمعوا حولك... قد صارعت الدب ومزّقت الأسد... أنظر أسفل صليبي لترى الحية القديمة وقد هشمت رأسها...

«خرافي أنا أعرفها... وأنا أعطيها حياة أبدية ولن تهلك إلى الأبد ولا يخطفها أحد من يدي... لا يقدر أحد أن يخطف من يد أبي. أنا والآب واحد»(يو 27:10 – 30).