العودة الى الصفحة السابقة
السعادة عن طريق نقاوة القلب

السعادة عن طريق نقاوة القلب

جون نور


قال مرة معلم في مدرسة الأحد لتلاميذه: لا شيء يتعذر على الله. وعلى الأثر انبرى ولد معترضاً وقائلاً: أنا أعرف شيئاً واحداً لا يستطيع الله عمله. فاستغرب المعلم مثل هذا التحدي الجريء من ولد صغير وسأله: وماذا تعني؟ أجاب الولد: أنه لا يستطيع أن يرى خطايانا المغطاة بدم المسيح. وعندما نعترف بخطايانا ونقبل المسيح بالإيمان في قلوبنا فعند ذاك نحظى بالقلب الجديد، ويمكن أن ندعى أنقياء القلب وممن عرفوا سر السعادة! وهكذا كان جواب الولد ينم عن عمق في التفكير وعن إلمام بالحقيقة.

ان القلب البشري، في نظر الكتاب المقدس، أكثر من عضو جسدي، إنه مستودع العواطف، كالمحبة والخوف والشجاعة والغضب والفرح والحزن والكراهية. ويظهر القلب كمركز للحياة الروحية والفكرية والأدبية، إذ فيه يستقر الضمير الإنساني.

قال يسوع: «طوبى للأنقياء القلب». ومعنى هذا أنه ما دام القلب مستودع العواطف فلذلك وجب أن تكون عواطفنا تجاه الله نقية وغير ملوثة. فماذا عنى المسيح بنقاوة القلب؟ هل عنى أن نكون كاملين وبلا خطية بحيث نصل إلى مرتبة من مراتب التسامي التي لا نعود فيها نسقط أو نخطئ بالمرة؟ لسنا نظن أن النقاوة تعني أن يظهر المرء بمظهر المتدين مشبهاً ذاك الذي يعيش عيشة متنسكة ومنعزلة!

قد يدعي البعض بأن التعليم أو الظروف أو البيئة هي التي تغير القلب وتجعله نقياً مقدساً. ويقولون: ضع الإنسان في وسط بيئة سليمة فالبيئة السليمة تخلق منه شخصية سليمة. وقد يبدو هذا لأول وهلة منطقياً لكن عند التعميق نجده غير حقيقي. ويقول آخرون إن حياتنا تتغير بالنسبة إلى تغيير أفكارنا. فنحن إذا فكرنا بطرق صحيحة عشنا حياة سليمة وصحيحة. وكأن مشكلة الشر هي قضية سيكولوجية ونفسانية. فإذا ما فكر الإنسان تفكيراً إيجابياً فإن حياته تكون إيجابية. وما يفكر الإنسان به في قلبه فهكذا يكون هو ... وكذلك تكون حياته.

لم يقل المسيح: طوبى لمن يفكرون أفكاراً سعيدة ... بل قال: «طوبى للأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله». ولا تتولد نقاوة القلب هذه عن إيحاءات فكرية أو نتيجة للتعليم أو التهذيب. وإنما يتأتى تغيير القلب بطريق إلهي وبعمل نعمته العجائبية. ويقول الكتاب المقدس: «وأعطيكم قلباً جديداً وأجعل روحاً جديدة في داخلكم وانزع قلب الحجر من لحمكم وأعطيكم قلب لحم».

وهكذا يتضح لنا أن نقاوة القلب هي نتيجة الولادة الجديدة، وهي أعجوبة هذه الخليقة الثانية. وكما يقول العهد الجديد: «الذين ولدوا ليس من دم ولا من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل بل من الله» ولذلك فحاجة الإنسان هي إلى هذا القلب الجديد المطهر. ولا يتم مثل هذا إلا بعمل من الله بفعل الكفارة وموت المسيح على الصليب.

إن نقاوة القلب هي من المؤهلات التي تساعد الفرد على دخول ملكوت السماوات. ونحن نحصل على هذه النقاوة إذا رفضنا الخطية وقبلنا المسيح. وليسأل كل نفسه: هل حصلت على القلب الجديد؟ فإذا كان قد حصل على ذلك فإنه يكون قد أدرك أيضاً سر السعادة.

كثيرون هم الذين يحلمون في الخطيئة ويعيشون في خيالاتها. وحالما تسنح لهم الفرص ينغمسون في الرذائل ويرتكبون الآثام. وجميع التعديات والخطايا أنما تبدأ بفكر أثيم ومن أجل هذا كان لزام علينا أن نتقدم إلى المسيح لنحصل على القلب النقي. وعلينا أن نحترس من الصور الخلاعية وشتى المغريات التي يستعملها إبليس ليوقعنا في حبائلها.

وكل إنسان عاقل عليه أن يعرف كيف يختار الكتب التي سيقرأها، والملاهي التي سيحضرها، والرفاق الذين يصاحبهم، والمحيط الذي يعيش فيه. ولا يليق بالمسيحي أن يملأ فكره وروحه بأفكار أثيمة وبتخيلات فاسدة.

يريدنا الله أن نكون أنقياء في جسدنا. فلنسمح للعين أن ترى ما نسمح به للنفس. وإن لم يكن المرء قد ولد ولادة جديدة فإن نظرته للحياة تكون ملتوية ومنحرفة. ولكن متى وضع المرء المسيح نصب عينيه فإن القشور التي تراكمت حوله تسقط، والشهوة تتوارى. ولنأخذ رغباتنا ولنسمرها عند صليب المسيح ونقول: أنا صلبت مع المسيح ولذلك فقد طردت كل شهوة أثيمة إلى الأبد ...

لا يكفي المسيحي أن يكون نقياً في جسده وفي فكره، بل يترتب عليه أن يكون أيضاً نقياً ومستقيماً في تصرفاته ومعاملاته وسلوكه. ويقول الرسول بولس: «لا تخرج كلمة ردية من أفواهكم بل كل ما كان صالحاً للبنيان»ويقول يوحنا الرسول: «إن كان أحد يأتيكم ولا يجيء بهذا التعليم. فلا تقلبوه في البيت ولا تقولوا له سلام، لأن من يسلم عليه يشترك في أعماله الشريرة».

سر السعادة هو الله. وسر معرفته ومعاينته هو عن طريق هذا القلب النقي. وتتم نقاوة القلب عن طريق الله. والحاصل على القلب النقي يغدو سعيداً إلى أقصى حدود السعادة. إنه سعيد رغم كل الظروف العسيرة والأحوال الصعبة!

فطوبى للأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله.