العودة الى الصفحة السابقة
الألم والشر

الألم والشر

لنحب بعضنا بعضاً لأن المحبة هي من الله (يو 7:4)

جون نور


قال لي أحد الأصدقاء من رجال الدين إن أحد أعضاء كنيسته سأله يوماً بأن يعظّ في موضوع: كيف نستطيع أن نحب أولئك الذين لا يحبون؟ لقد كان في حيرة ولم يكن يعرف أين يبدأ وكيف يبدأ ولذلك لجأ إليّ طلباً لمساعدتي.

حقيقة انه موضوع صعب وشائك . فإذا كنا نحب أولئك الذين يحبون فأي فضل لنا. إن ذلك لسهل. زِد عليه أن أولئك الناس الذين يحبون هم الذين يستحقون عطفنا ومحبتنا إذا عرفنا كيف نحبهم. نعم إن هنالك أشخاصاً غير محبوبين، ورجاؤنا بأن يكونوا أقليّة بين الناس لا الأكثرية. هؤلاء سريعو الغضب حادو الطباع لا يذعنون ولا يقبلون التعليم والإرشاد. إنهم عنيدون لا يمكنهم أن يُعاملوا غيرهم معاملة شريفة وليسوا قادرين على التعامل مع الآخرين. إنهم منكمشون على ذواتهم ويُفضلون الوحده وقد ملأت المرارة نفوسهم وحياتهم فهم انعزاليون لا يحبون الاختلاط بالناس ويتجنبون معاشرة الآخرين.

كثيراً ما نكره بعض الناس ولكننا نجهل السبب الذي ينفرنا منهم. وكثيراً ما يكون نفورنا منهم غير مبني على أساس صحيح وغير منطقي. إن أمثال هؤلاء يحملوننا على الانحراف نحو الضلال ولا نقوى على الصمود والمقاومة. ولا يسهو عن بالنا أيضاً بأن بعضهم قد يجد فينا أشخاصاً غير قادرين على محبة الناس وقد يكون هذا سبب دهشتنا واستغرابنا. وكثيراً ما نكره شخصاً لأننا نجهله ونجهل سبب كرهنا إيّاه.ولكن لو عرفنا الناس على حقيقتهم نرى فيهم الأمور المُحبّبة التي لم نكن نعرفها فيهم من قبل.

ما أغرب موقفنا من الغرباء عندما نتعرّف عليهم لأول مرة. إننا ننظر إليهم نظرة شكّ أو نظرة خوف أو عدم مبالاة. وإذا كنا أوفر جاذبية وأوفر حظاً منهم وأقرب إلى التعارف والتجاوب فلربمّا التقينا وإيّاهم في منتصف الطريق.

هنالك بعض سيئي الخلق والطباع ممّن لا يتورّعون بأن يتهجموا علينا. هؤلاء أشبه بالحيّات والعقارب. وهكذا بعض الناس لا يظهرون لنا أفضل ما عندهم لأول وهلة ولا نرى وجههم الحسن دفعة واحدة ولذلك ننخدع وتنطبع صورتهم المشوّهة في مُخيّلتنا وهي غير صورتهم الحقيقية.

كثيراً ما يكون بعضهم خشني الطباع أحياناً وفي أحيان كثيرة يكونون لطفاء. أما في الغالب فإن خشني الأخلاق لا يكون عندهم شيء من اللطف والكياسة. وهؤلاء ليسوا أقليّة وقد يكون سبب خشونتهم أنهم تأذّوا يوماً فصاروا حسّاسين يتأثّرون من أقل العوامل كما يخاف الولد الصغير من النار لأنها لذعت يده سابقاً. وهكذا تصبح خشونة أولئك الناس نوعاً من السلاح الوقائي كما يقولون. فإذا حاولنا الاقتراب منهم مرة بعد الأخرى نجد أنفسنا أمام حاجز من الاسمنت المُسلّح. إنهم يرفضوننا ويمتهنوننا وينصرفون عنّا. وتعوزنا الحنكة السياسية والحكمة والصبر والمهارة لنتعرّف إلى بعض الناس الذين يستحقّون المعرفة. ولكن عندما تخوننا جميع الجهود في محاولتنا اختراق الحواجز القائمة فماذا علينا أن نعمل؟ على الأقل ينبغي أن نكتشف السبب الذي صيّرهم كذلك وما هي الدوافع التي جعلتهم غير محبوبين وجعلت الحياة معهم مُعقدّة وصعبة. وهذا الأمر يحتاج إلى مهارة بوليسية لاكتشاف البواعث الخفيّة ولكن الموضوع جدير بكل الجهود التي يمكن أن تبذل. ففي جميع الأحوال تقريباً نجد وراء كل فظاظة وكل خلق شرس – إن كان رجلاً أو امرأة – مأساة لو وقفنا عليها وعرفناها لهانت علينا أمور كثيرة كانت سبب حيرتنا. فالشجرة العتيّة القائمة فوق الرابية تكون جذوعها قويّة وأصولها شديدة ومتماسكة لأن عليها أن تقاوم العواصف والرياح القاصفة. هكذا نجد الكثيرين من الناس قُساة لا يتأثّرون بسهولة ولا يُمكن التعامل معهم لأنهم جازوا جهاداً مريراً في حياتهم وصادفوا عقبات عصيبة. فلو عرفنا عن الناس أكثر لأحببناهم أكثر. وكلمّا زادت معرفتنا بهم كلمّا زاد حُبنا لهم.

نتمنّى لهم الخير على أكمل وجه ولا نتجاسر على أذيّة أحد كائناً من كان – حتى ولو كان ألدّ الأعداء.

لقد كان يسوع شديداً وصارماً وقد خاطب تلاميذه بجفاء أحياناً لأنهم كانوا صغار النفوس يتخاصمون في من سيكون المُتقدّم فيهم وقد أظهروا الكثير من أنواع الجبن والبلادة والخوف كما يُخبرنا البشيرون أنفسهم. ومع ذلك فقد أحبهم حتى عندما لم يكونوا مُستحقين تلك المحبة. ولو لم يكن ذلك لتعذّر على الكثيرين منّا أن ينعموا بمحبة الفادي ولتعذّر علينا بأن نحصل على رضاه. فلنعمل جاهدين لكي نحب بعضنا بعضاً لأن المحبة من الله – ولأن أعظم حقائق الحياة هي أن الله محبة....