العودة الى الصفحة السابقة
مفتدين الوقت

مفتدين الوقت

جون نور


اقتيد ابن قاضٍ إلى محكمة بسبب إهماله لأنظمة السير. وعندما دخل إلى المحكمة وجد أباه جالساً على مقعد الحكم. وعندما سأل القاضي ما اسمك وعنوانك، وما هو عملك؟ دهش الشاب ونظر إلى أبيه قائلاً: يا أبي أتقصد بقولك هذا أنك لا تعرفني. فضرب القاضي بمطرقته على الطاولة وأجاب بحزم: «أيها الشاب أنا لا أعرفك. ما هو اسمك وما هو عنوانك؟»

بالتأكيد لم يكن قصد الأب أنه لا يعرف ابنه مطلقاً، فمعرفته له كانت معرفة أبوية في البيت وفي العائلة. ولكنه لم يكن يعرفه في ذلك الوقت بالذات وذلك الموضع بالذات. ومع أن الشاب كان ابناً للقاضي، فقد كان عليه أن يخضع لأنظمة المحكمة ويدفع ما توجب عليه من غرامة.

يقول الكتاب المقدس «انظروا كيف تسلكون بالتدقيق، لا كجهلاء، بل كحكماء مفتدين الوقت، لأن الأيام شريرة. من أجل ذلك لا تكونوا أغبياء بل فاهمين ما هي مشيئة الرب (أفسس 15:5 – 17).

نقرأ في إنجيل متى (متى 1:25 – 13).مثلا يشبه فيه المسيح ملكوت الله بعشر عذارى ... كان خمس منهن حكيمات وخمس جاهلات، كن يحملن مصابيحهن منتظرات وصول الرب يسوع المسيح المشبه في هذا المثل بالعريس. أما الجاهلات فأخذن مصابيحهن ولم يأخذن معهن زيتاً ... ففي نصف الليل صار صراخ: هوذا العريس مقبل فاخرجن للقائه. فقامت جميع أولئك العذارى وأصلحن مصابيحهن. فقالت الجاهلات ... إن مصابيحنا تنطفئ ... وفيما هن ذاهبات ليبتعن زيتاً جاء العريس والمستعدات دخلن معه إلى العرس وأغلق الباب، أخيراً جاءت بقية العذارى أيضاً قائلات: يا سيد يا سيد أفتح لنا ...

كانت العذارى العشر قد ملأن مصابيحهن زيتاً. ولكن الذي ميز الحكيمات عن الجاهلات كان أن الجاهلات أهملن أخذ مقدار احتياطي من الزيت، فكونهن مسيحيات حقيقيات يعني أن لهن حياة في المسيح وشهادة قدام الناس وهذه الشهادة كانت مطابقة لواقعهن لأنهن عشن حياة فاقة وعوز، كان لهن الروح ولكنهن لم يكن ممتلئات من الروح. فعندما تحل الأزمة يصبح لزاماً عليهن أن يخرجن ليبتعن زيتاً، ومن المؤكد أنه، في نهاية المطاف، أصبح لدى العذارى العشر ما يكفيهن من الزيت لمصابيحهن. فالعذارى الحكيمات كان لهن زيت في الوقت المعين بينما خسرت الجاهلات الهدف الذي يكمن وراء المثل. إن كل ما في الأمر هو عامل الوقت، وهذا ما أراد المسيح أن يوصله إلى تلاميذه في أنه يجب عليهم ليس فقط أن يكونوا تلاميذ بل أن يكونوا تلاميذ مستعدين.

كان القصد من الزيت الفائض في المصابيح أن تظل هذه المصابيح متوقدة طيلة مدة الانتظار. لذلك يحاول الله أن يجلبنا إلى هذه المعرفة بكل الطرق والوسائل فيقول لنا: «اسهروا إذن وصلوا لأنكم لا تعرفون اليوم ولا الساعة». أي: كونوا في حالة الملء الدائم المستمر. اسمحوا لأنفسكم بالملء المستمر، فهو ليس منتهى مطاف كما حدث في اليوم الخمسين بل حالة يجب أن نعيشها في كل وقت. وهذه الحالة ليست ظاهرية بل داخلية. ليست مسألة هبات روحية وإعلانات خارجية بل مسألة وجود شخصي وعملي فعال من قبل الروح القدس داخل حياتنا، وهذا ما يضمن أن يحافظ النور الموجود في الوعاء على تألقه حتى بعد منتصف الليل إذا لزم الأمر.

إن مثل العذارى العشر لا يجيب على كل تساؤلاتنا. وكذلك يخبرنا عن الخطوات التالية التي يتخذها الله حتى يجلب أولاده إلى حالة النضوج الروحي. إن هذا ليس من اختصاصنا؛ فنحن بصدد أبكار الغلال. ونحن نحث حتى نكمل سعيناً لا لكي نتخيل ماذا يحدث إذا لم نسع.

لا يمكنك أن تتملص من الوصول إلى النضوج أو دفع ثمنه بواسطة تحوير النص؛ فالحكمة مقرونة بالوقت، والحكماء يفتدون الوقت. تماماً كما أن قلم الحبر في جيبي معبأ وحاضر للاستعمال الفجائي؛ فهكذا بالتعاون مع الله يوفر الحكماء لله كل ما يريد منهم، ألا وهو الأدوات الحاضرة والمستعدة أبداً عند طلبه.

أنظر إلى بولس الرسول. فهو يحترق بلهيب الغيرة لأنه رأى أن هدف الله فينا مرتبط بملء الزمان (أفسس 10:1). وهو أحد أولئك الذين «سبق رجاؤهم في المسيح»، الذين وثقوا بخلاص لا بد وأن يستعلن «في الدهور الآتية» (أفسس 12:1 و 7:2) وفي غمرة هذا الإيمان، ماذا يفعل الرسول؟ إنه يمشي وليس فقط يمشي بل يركض. «إذاً أنا أركض كأنه ليس عن غير يقين. هكذا أضارب كأني لا أضرب الهواء» (1 كورنثوس 26:9). «أسعى نحو الغرض لأجل جعالة دعوة الله العليا في المسيح يسوع» (فيلبي 14:3).

قد يرى الرب أن يتعامل معنا بقساوة في بعض الأحيان. وكما يعترف بولس أنه «سقط» فقد أمره الله بأزمات حادة جداً ليقوده إلى النقطة التي أصبح بوسعه أن يسعى منها. فالمسألة هي دائماً مسألة وقت. وقد يتوجب على الله أن يعمل فينا عملاً سريعاً مختصراً بذلك الزمن الطبيعي للنمو ولكن هذا العمل يكون بالدرجة الأولى عمله هو. ليت الله يفتح بصائرنا لكي تتنور للمعرفة فنفهم «رجاء دعوته» . بعدئذ نستطيع السير بل الركض مثل أولئك الذين «فهموا مشيئة الله وما هي» ، فالله يحب دائماً النفوس المستعدة.