العودة الى الصفحة السابقة
يوسف ومريم

يوسف ومريم

القس. جون نور


يذكر الكتاب المقدس يوسف ومريم والدي يسوع بكثير من الإجلال والاحترام ويتكلم الكتاب بخصوصية واضحة في تعريف هذا الإنسان يوسف البار فيقول عنه انه كانت هنالك عذراء مخطوبة لرجل من بيت داود اسمه يوسف.

من سلالة الملك والنبي داود انحدر ذلك الرجل، ورغم الفقر المدقع كان رجل باراً، يتقي الله ويحيد عن الشر، امتلأت نفسه بحب الله وسلك في ناموسه ووصاياه. وهو على ما يبدو، وكما يتناقل التاريخ، لم يكن صغير السن، وكانت تربطه بعائلة مريم العذراء صلة بعيدة من القرابة مما يسر له أن يختبر صفات مريم الجميلة، حياتها التقية، وسيرتها النقية، ووداعتها وتواضعها. لذلك ما أن اكتملت أنوثتها وبلغت سن الزواج حتى أعلنت في حفل متواضع خطبته لها، ومن ذلك الوقت اعتبرت منتسبة إليه – كما لو كانت زوجة له – كما تقضي بذلك التقاليد اليهودية.

لا شك أن مريم قد سمعت صوت البشير الملائكي بينما كانت وحدها في البيت، فلم يسمع أحد بخبر تلك البشارة. وها قد مضت ثلاثة أشهر من زيارة الملاك لها قضتها في بيت أليصابات صديقتها ونسيبتها للتهنئة، ولقد كانت تلك الفترة حافلة بالأناشيد المجيدة والتأكيدات القاطعة. وها هي تعود إلى بيتها في الناصرة. ولعل الرجل يوسف كان قد أوشك على الانتهاء من إعداداته لإتمام الزواج. وإذا بخبر يطرق أسماعه تكاد تطن له أذناه .. هوذا مريم خطيبتك حبلى!! نبأ نزل عليه كالصاعقة، وملأ نفسه بالحيرة.. مريم مثال الطهر والنقاء!.. مثال التقوى والعفاف!.. لست أصدق ما اسمع!. لكن ها هو يستجلي الخبر منها، فيقطع الشك باليقين.. فهي فعلاً حبلى.

بدأت تحدثه عن زيارة الملاك جبرائيل والمولود المنتظر. لقد سمع هذه الأخبار لأول مرة، فزاد هذا كله من حيرته واستبدت به الأفكار والهواجس، حتى صرخ من أعماق نفسه: ربي! إن الفكر قاصر عن الفهم، والقلب عاجز عن الإدراك. رحماك. أرشدني وأهدني. لست أشك في طهارة خطيبتي العزيزة مريم ، لكنني لست أستطيع أن أعلل هذا الموقف، فكيف تحبل العذراء؟!.

مرت به الأيام وهو ساهم الفكر شارد الوجدان، ثقيل النفس مطرق الوجه، وأخيراً استقر رأيه على حل لا بد من تنفيذه:

لا أستطيع أن أشهرها، فدون هذا أخطار كثيرة، وهي الطاهرة العفيفة التي أعلم صدقها وقد خبرت أخلاقها...

ولست أستطيع أن أقبل هذا الموقف وأنا الرجل الوقور صاحب الصيت الطيب، عريق الأصل، كريم المحتد...

إذاً فلا بد من تخليتها سراً، وهذا هو أخف الضررين.

وبينما هو على وشك إعلان قراره أخذته سنة من النوم، وإذا بملاك يقف أمامه، وحلم يوحي به إليه، يغير الفكر ويزيل الشك:

يوسف، «لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك، لأن الذي حبل به فيها هو من الروح القدس. فستلد ابناً، وتدعو اسمه يسوع لأنه يخلص شعبه من خطاياهم»(مت 20:1 و 21).

سبحانك ربي، لقد طلبت النصح فأرشدتني، وحفظت نفسي من الزلق، وفكري من الشطط. من ذلك الوقت أخذها يوسف.

طوبى لك يا مريم، عذراء طاهرة خطبتك، وستظلين العذراء طاهرة. كنت أكثر أيماناً مني، وأنت الإناء الضعيف، لذلك معذرة إذا ما دنا الشك إلى نفسي، فأنت أبر مني.

إلهي وسيدي، لست مستحقاً أن تولد تحت سقفي، وأن تعيش في كنفي، وأنا المسكين الحقير الذي بخوافيك تظللني وتحت جناحيك أحتمي.

إلهي وسيدي، لست مستحقاً أن تشرفني بالزيارة، لكنك رضيت أن تسكن في بيتي المتواضع، وأنت الذي سماء السماوات لا تسع مجدك.

إلهي وسيدي، الذي تأمر فتطاع وتقول فيكون، لكنك أتيت لتخضع لكلامي وتطيع أقوالي، حتى قيل فيك: «وكان خاضعاً لهما». وكأني بيوسف يرفع صلاة لله ومسيحه يقول فيها:

لقد أكرمتني، ربي وفادي، فكنت بك أسعد الرجال..

احتضنتك طفلاً، وأنت الذي بك قد كون العالمين..

سعدت بك صبياً تسأل وتستمع، وأنت معلم المعلمين..

عاونتني عاملاً بيديك، وأنا الذي منك أستمد القوة والعون..

رعيتك صغيراً، وأنت لي الراعي الصالح..

أطعمتك خبزاً وأنت لي خبز الحياة..

سقيتك ماءً، وأنت لي الماء الحي..

لك حمدي، ولك سجودي، فأنت ربي وإلهي.