العودة الى الصفحة السابقة
الإنجيل واستحالة تحريفه

الإنجيل واستحالة تحريفه

القس. جون نور


من حين لآخر يدعى البعض بان الإنجيل محرف وكل الذين يتزعمون هذا الإدعاء يفتقرون إلى الدليل لذا فقد صار ادعاءهم مجرد افتراء ليس إلا.

وسأحاول في كلماتي التالية إليكم أن أدحض هذا الادعاء بأدلة دامغة يستد أمامها كل فم يقبل الدخول في معركة عقلية محضة. أما من يريد أن يغلق على نفسه دائرة التعصب ويخشى الانطلاق نحو التحرر الفكري فليستمر في موقعه ليضارب الهواء ولتكن صرخته في واد ليس إلا حيث أن التعصب هو المسئول الأول عن عدم قبول العقائد الصادقة.

واليكم الأدلة على استحالة تحريف الإنجيل.

أولاً: سلامة التوراة من التحريف

يصعب جداً على العقل أن يتخيل تحريفاً في التوراة للأسباب الآتية:

  1. كان الشعب يحافظ على كتاب الله بدرجة تفوق التصور لدرجة أنهم كانوا يعدون عدد الكلمات الموجودة فيه، وعدد كلمات (الله)، وعند قراءته لم يكن أحد يقدر أن يلمسه بإصبعه...

  2. أنه للآن لم توجد نسخة واحدة من التوراة تخالف النسخ التي في أيدينا والموجودة في كافة متاحف العالم.

  3. – رغم أن اليهود ينكرون صلب السيد المسيح وموته وقيامته، لكن هذه الحوادث موجودة في التوراة. فهذا أقوى دليل على صدق التوراة أن تتحدث عن صلب المسيح رغم العداوة الشديدة التي يكنها اليهود للمسيح حتى الصليب.

  4. إن التوراة كتبها أنبياء في حقبة زمنية كبيرة مدتها (2500) سنة ومع ذلك فهم يتفقون على حقيقة الصليب.. أليست هذه أَدِلةَ مذهلة؟!!

  5. ومع بساطة تلاميذ المسيح فكيف يُعَقُل أنهم اتفقوا مع اليهود صالبي المسيح على تحريف التوراة؟

ثانياً: أما عن استحالة تحريف الإنجيل فتكمن في النقاط التالية:

  1. إن التلاميذ كتبوه من أماكن بعيدة بعضهم عن بعض ويصعب عليم الاتفاق على شيء خطأ.

  2. إن كرازة التلاميذ بالإله المتجسد أمر صعب، وبالإله المصلوب أمر صعب، وبالإله القائم من الأموات أمر يدعو السخرية، فلو كان التلاميذ يريدون التحريف لبشروا بالأمر الأسهل وهو أن المسيح لم يصلب، لكنهم رُغْمَ الصعوبة التي قابلتهم في التبشير لم يقدروا أن يبشروا إلا بما قد رأوه بعيونهم رُغْمَ سخرية الناس من موضوع الصلب سواء كانوا يونانيين أم يهودا.

    «ولكننا نحن نكرز بالمسيح مصلوباً، لليهود عثرة واليونانيين جهالة»1 كو 23:1.

  3. التلاميذ أَنفُسُهُمْ في حياتهم الأولى كانوا يرفضون فكرة الصلب لذلك عندما تحدث السيد المسيح عن صلبه وموته انتهره بطرس وقال له حاشاك يا رب. فقال له السيد المسيح اذهب عني يا شيطان أنت مَعَثَرةٌ (مت 21:16 – 23).

    معنى ذلك أن التلاميذ كانوا يبشرون بأمر سبق لهم أن رفضوه. إنهم كانوا مضطريين ومجبرين بأن يبشروا بما رأوه عن الصلب والقيامة رغم أنهم سبقوا فرفضوه.

  4. انتشار المسيحية في أوربا وآسيا والإسكندرية – بلاد الفلسفة والعلم والقوة العسكرية رغم:-

  • أن الرسل كانوا أناس بسطاء – صيادي سمك – ليس لهم لسان الفلاسفة ولا إقناع العلماء ولا سيوف الرومان، ولكن كانت لهم قوة الروح القدس ومعجزاته.

  • كانوا يبشرون بالمسيح مصلوباً لليهود عثرة ولليونانيين جهالة.

  • كانوا ينادون بتعاليم صعبة ضد الميول البشرية، فحرم الإنجيل محبة العالم وشهواته حتى مجرد النظرة الشريرة، وحض على الزوجة الواحدة وحرم تعدد الزوجات، وحث على البتولية ولم يعارض مبدأ الزواج.

  • وأيضاً ما ساعد على انتشار المسيحية

  • فقر الرسل مادياً واجتماعياً وعدم اعتمادهم على أي سلاح مادي. لقد كان أمر السيد المسيح لهم«ها أنا أرسلكم مثل حملان بين ذئاب، لا تحملوا كيساً ولا مزوداً ولا أحذية..»(لو 3:10).

فإن كان الإنجيل اليوم يتعرض لنقد الملحدين فلنتأكد أنه سبق أن اعترض عليه فلاسفة العالم وأباطرته، حتى أن نيرون ودقلديانوس وغيرهم حكموا على المسيحيين بالفناء، فزالت الإمبراطوريات وبقي المسيحيون.

وهناك عديد من الأدلة على استحالة تحريف الإنجيل فهناك أدلة تاريخية وأدلة علمية لا يمكن سردها في هذا الحلقة الصغيرة.

ولكن يبقى بحق أن نطلق عليه الكتاب الفريد.، نعم إنه الكتاب الفريد، فقد كتب في فترة بلغت 1600 سنة أي في فترة بلغت أكثر من ستين جيلاً. كتبه أكثر من أربعين كاتباً، من كل مسالك الحياة، فيهم الملك والفلاح والفيلسوف والصياد والشاعر والحاكم والعالم.. الخ، منهم: موسى القائد السياسي الذي تلقى تعليمه في الجامعات المصرية. وبطرس الصياد، وعاموس راعي الغنم، ويشوع القائد العسكري، ونحميا ساقي الملك، ودانيال رئيس الوزراء، ولوقا الطبيب، وسليمان الملك، ومتى جابي الضرائب، وبولس معلم الدين وقد كتب في أماكن مختلفة: كتب موسى في الصحراء، وارميا في جب السجن المظلم، ودانيال على جانب التل أو في القصر، ولوقا وهو يسافر، ويوحنا في جزيرة بطمس، وآخرون في أرض المعارك.

وكتب في أزمنة مختلفة:، كتب داود في وقت الحرب، وسليمان في وقت السلم، وكتب في أحوال نفسية مختلفة، كتب البعض في قمة أفراحهم، وآخرون في عمق أساهم وفشلهم كتب من ثلاث قارات، آسيا وأفريقيا وأوربا. وكتب بثلاث لغات. إنه الكتاب الفريد والغير محرف.