العودة الى الصفحة السابقة
أنا هو الحق …

أنا هو الحق …

القس. جون نور


قال يسوع أنا هو الطريق والحق والحياة…ومن الواضح أنه عندما قال هذا إنما أراد أن يؤكد للملأ أنه هو الصورة الحقيقية لله غير المنظور. وكانت تصريحاته في هذا الموضوع واضحة كل الوضوح عندما قال «الذي رآني فقد رأى الآب»«صدقوني إني أنا في الآب والآب فيّ»(يو 9:14، 11).«أنا والآب واحد»(يو 30:10).

وفي هذا قال بولس الرسول بوحي من روح الحق عن يسوع المسيح«الذي هو صورة الله غير المنظور بِكرُ كل خليقة. فإنه فيه خلق الكل ما في السماوات وما على الأرض ما يرى وما لا يرى سواءٌ كان عروشاً أم سيادات أم رياسات أم سلاطين. الكل به وله قد خلق. الذي هو قبل كل شيء وفيه يقوم الكل»(كولوسي 15:1 – 17).

ولا شك أن كل هذا يزيد فينا الشوق لأن نقترب بكل خشوع من صورة الله غير المنظور متكلين على «روح الحق» الذي قال عنه يسوع «إنه يأخذ مما لي ويخبركم …». فهو الذي قال عن نفسه: أنا هو الحق أي أنا هو الكائن الأزلي … الكائن بذاتي من البدء من عمق الأزل. وفي هذا قال هو عن نفسه أيضاً «أنا هو الألف والياء البداية والنهاية يقول الرب الكائن والذي كان والذي يأتي القادر على كل شيء»(رؤ 8:1).

وقد أكد الرب يسوع حقيقة وجوده الأزلي عندما قال «الحق الحق أقول لكم قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن» (يو 58:8) فرفع اليهود الحجارة ليرجموه لأن كلمة «أنا كائن» تشير إلى الله سبحانه وتعالى. فعندما تراءى الله لموسى في البرية سأله موسى ما اسمك «فقال الله لموسى أهيه الذي أهيه» (خر 14:3) أي أكون الذي أكون. لذا قال موسى عن الله «من قبل أن تولد الجبال أو أبدأت الأرض والمسكونة منذ الأزل إلى الأبد أنت الله»(مز 2:90). ولأن الرب يسوع هو الأزلي والأبدي فهو بذلك هو الله. ولقد أطل يسوع علينا من السماء ليؤكد هذه الحقيقة قائلاً «أنا هو الألف والياء البداية والنهاية» وعندما قال الرب يسوع «أنا هو الحق» كان يعني أيضاً أنه هو الموجود في كل مكان. فهو الذي قال «إن اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون في وسطهم» (مت 20:18). وقال أيضاً «وها أنا معكم كل الأيام وإلى انقضاء الدهر»(مت 20:28).

في بشارته للعذراء مريم قال الملاك عن يسوع«هذا يكون عظيماً وابن العلي يدعى ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية». (لو 32:1 ، 33). وكتب يوحنا إلى السبعة كنائس قائلاً «نعمة لكم وسلام من الكائن والذي كان والذي يأتي ومن السبعة الأرواح التي أمام عرشه. ومن يسوع المسيح الشاهد الأمين البكر من الأموات ورئيس ملوك الأرض الذي أحبنا وقد غسلنا من خطايانا بدمه. وجعلنا ملوكاً وكهنة لله أبيه له المجد والسلطان إلى أبد الآبدين آمين»(رؤ 4:1 – 6).

إن يسوع عندما قال أنا هو الحق، إنما أراد أن يقول في نفس الوقت أنا هو الحب حتى نستطيع أن نجد في ذلك الحق المحب راحتنا وسعادتنا.

هذه هي حقيقة المعاني التي أراد الرب يسوع أن يعمقها داخل قلوبنا عندما أطلق هذا النداء. فالحق وحده مخيف ومرعب اهتزت أمامه الجبال وتزلزلت تحت قدميه الأرض، لكن من العجيب أن شيئاً من هذا لم يحدث عندما أتى يسوع إلى عالمنا. حتى فوق جبل التجلي عندما بدا الحق هناك في قمة من المجد والعظمة، كان وجهه كالشمس وصارت ثيابه كالنور ومع ذلك لم يرتعب التلاميذ لأن أشعة الحب كانت تنطلق من يسوع فأحسوا بجواره بالنشوة وغمرتهم الغبطة والسرور، فقال بطرس«يا رب جيد أن نكون ههنا!!..» (مت 4:17).

كما أن الرب يسوع كان يؤكد أنه هو الحق وهو أيضا الحب عندما أطلق ذلك النداء العظيم. فقبل أن يقول أنا هو الحق قال أنا هو الطريق، والطريق إلى الحق هو طريق الدم، طريق الصليب، طريق صنعه بالجسد المذبوح. إنه طريق الحب الدامي الذي يؤدي إلى الحق الذي فيه نجد الحياة.

إنّ يسوع أراد أن يؤكد أنه هو الحق وهو الحب أيضاً حتى بعد أن صعد إلى السماء. هناك تراءى ليوحنا وهو في أوج من المجد والعظمة. كان وجهه كالشمس وعيناه لهيب نار، هذه صورة الحق دائماً. ويقول يوحنا «فلما رأيته سقطت عند رجليه كميت فوضع يده اليمنى عليّ قائلاً لا تخف أنا هو الأول والآخر والحي وكنت ميتاً وها أنا حي إلى أبد الآبدين آمين ولي مفاتيح الهاوية والموت»(رؤ 17:1، 18).

وهكذا أراد يسوع حتى وهو في عرشه أن يؤكد هذه المعاني مجتمعة معاً

أنا هو الحق .. أنا هو الأول والآخر

إن الرب يسوع يريدنا أن نراه من كل هذه النواحي دفعة واحدة ليولد فينا مشاعر الخشوع والتعبد والراحة والسعادة.

وكان يقول: -

أنا هو الحب … تعالوا إليّ

أنا هو الحق … أنا هو الحب

نداء يولد الرهبة والخشوع، ويدعو للتعبد والخضوع ويبعث بالراحة والسعادة والسلام في كل الربوع.