العودة الى الصفحة السابقة
الرجل القصير فوق الشجرة (لوقا 1:19-10)

الرجل القصير فوق الشجرة (لوقا 1:19-10)

القس. جون نور


تقول القصة في انجيل لوقا والاصحاح التاسع عشر بان يسوع اراد يوما ان يمر بمدينة اريحا فانتشرت الاخبار بين الناس واصطفت الجموع في الطريق الرئيسي من أجل إلقاء نظرة عليه لكثرة ما سمعوا عنه. في مكان ما خلف الجموع كان شخص اسمه زكا وكان مسئولاً عن مكتب الضرائب في المدينة، كان الرجل غنياً، من أبناء الدين اليهودي وكان قصير القامة وليس بإمكانه المشاهدة من فوق أكتاف الجموع. في الواقع كان هذا الرجل جابي ضرائب ومكروه من أهل شعبه اليهود. لقد كان لجامعي الضرائب صيت بأنهم ملتوون لأنهم يجبون أكثر مما ينبغي. وبالرغم من كل هذا كان الرجل قصيراً وقوي الشخصية في المجتمع ومفتخراً بمركزه.

كان الرجل مهتما جداً برؤية يسوع. فبلا شك أنه سمع عن هذا المعلم صانع العجائب والذي كانت لتعاليمه رنه الحق. ولا بد أنه سمع أيضاً أن رؤساء اليهود كانوا جميعهم تقريباً ضده بينما كان الكثير من عامة الشعب متحمسين له. كان عند زكى حب استطلاع حقيقي. كان عنده اقتناع متزايد أن لدى يسوع شيئاً هو بحاجة إليه، حياة جديدة. تمناها وارادها من كل قلبه ولهذا أراد أن يرى يسوع بنفسه.

المشكلة الوحيدة هي أنه كان قصيراً القامة

عندها خطرت له فكرة. باستطاعته تسلق تلك الشجرةالعالية التى امامه . ولكن ماذا سيفتكر الناس؟ وفوق هذا فهو مدير قسم الضرائب المحلي.وهذا لا يليق بجابي الضرائب أن يتسلق الشجرة.

لكن لم يكن هنالك وقت للتفكير بهذه الأمور المهمة. كان باستطاعته أن يعرف من الهتافات المتصاعدة بأن يسوع يقترب من المكان. إنها ساعته لاتخاذ القرار. قفز متسلقاً الشجرة وجلس على أول غصن وعندما رأى زكا يسوع حصل شيء ما بداخله. علم في تلك اللحظة أنه لا يملك خياراً – كان عليه أتباع يسوع وأصبح في قلبه منذ تلك اللحظة تلميذاً للسيد. كان قرارُ زكا هذا عَمَلَ إيمانٍ جريء.

ولم يكن لعمل الإيمان هذا أن يفوت على المخلص يسوع. فعندما وصل إلى الشجرة نظر إلى أعلى، فرأى زكى وناداه «أنزل سريعاً ينبغي أن أمكث اليوم في بيتك».

قفز زكى من على الشجرة، وركض بين الجمهور ليلتقي يسوع، وقاده بفخر إلى بيته. فلقد حصل على أعظم شرف في حياته.

بعض من جيرانه، وخاصة رجال الدين، امتلئوا حسداً وشهروا به لأنه يمر عن بيوت الناس المحترمين الأكابر، ويدخل بيت ذلك المخادع المحتال.

في داخل البيت ابتدأ زكى يفتكر في كل المال الذي اختلسه. وأدرك أن عليه إرجاع كُلِ ما سرقه، فاستدار إلى الرب يسوع ووعد بشيئين: أولاً أنه سيعطي نصف أمواله للفقراء، وثانياً أنه سيرجع أربعة دنانير بدل كل دينار سرقه. في الواقع لم يطلب الناموس منه عمل ذلك. كل ما كان عليه عمله هو إعطاء العشر من دخله ودفع دينار عن كل دينار اختلسه. ولكنه الآن اصبح يقاد بمبدأ أرفع من الذي في الناموس.

لقد أدرك الرب يسوع أيضاً، أن زكى اصبح الآن مؤمناً حقيقياً. فقال له، يا زكى اليوم حصل خلاص لهذا البيت. وكانه يقول لزكا لقد أبرزت اليوم نفس نوع الإيمان الذي كان لجدك إبراهيم.

لو تمعنا في هذا القصة، لوجدنا فيها عدة دروس قيمة موجودة في ثناياها

لقد كان زكى غنياً، ولكنه شعر بأنه يحتاج الى ما هو اكثر من الذهب . بالإمكان أن تكون غني بنظر العالم ولكن فقيراً في نظر الله. من الناحية الأخرى يمكن أن يكون الإنسان فقيراً بالممتلكات ولكن غنياً بالروحيات. فإذا كان الشخص مؤمناً، فهو وريث لله ووارث مع يسوع المسيح.

يسوع لن يتجاهل الإيمان الحقيقي. فكلما تاب إنسان عن خطاياه وقبل يسوع المسيح مخلصاً ورباً، يعرف الرب عنه ويكتب اسم ذلك الإنسان في سفر الحياة. لا يطلب من ذلك الإنسان أن يقول أي كلمة بصوت عالٍ. لكنه إذ يفعل ذلك فمن الطبيعي أن يخبر الآخرين عن الرب. ولا يريد أن يحفظ ذلك سراً.

إن أفضل ما عمله زكا كانَ تَسَلُقَهُ الشجرة. عمل الإيمان هذا أتى له ببركات لم يحلم بها أبداً. فقد حصل بذلك على امتياز أن يستضيف في بيته ابن الله. وأيضاً، القصة التي تحدثنا كيف التقى بيسوع أصبحت جزءاً من الكتاب المقدس، لكي يكون معروفاً لدينا عن زكى اليوم في القرن الحادي العشرين. وأخيراً، وعد زكا ببيت أبدي في السماء. عندما يضع شخص ثقته بالمسيح، فإنه لا يعرف مباشرة كل الأمور الرائعة التي ستنتج عن ذلك القرار.

أحد أهم الدروس التي نَتَعَلَمُها من هذه القصة الحقيقية هو انه عندما يصبح الشخص مؤمناً مسيحياً، فعليه محاولة إصلاح الأمور التي قد أفسدها طالما استطاع ذلك. إذا أخطأ بحق أحد، فيجب أن يذهب إليه ويصَلِحَ ذلك الأمر. وهذا بالمناسبة يعطينا فرصه عظيمة للشهادة عن المسيح كلما كان ذلك ممكناً، فإن تصحيح الخطأ هو الطريقة المسيحية المثالية. لا جدال في أن زكى كان خاطئاً. لقد اعترف بذلك. إن هدف مجيء المسيح إلى العالم كان ليطلب ويخلص ما قد هلك – ليس الناس «الصالحين»، بل الهالكين. في الواقع فإن كل الناس هالكون بالطبيعة، ولكن الكثيرين غَيرُ مستعدين للاعتراف بذلك. وعدم الاستعداد هذا يبعد عنهم فرصة الخلاص. فقط الذين يعرفون أنهم هالكون يمكنهم أن يخلصوا. كانت هذه آخر زيارة للرب إلى أريحا. كان في طريقه إلى القدس ليموت على الصليب. إذاً، كانت هذه آخر فرصة لزكى ليرى المخلص. نحن لا نعلم متى ستكون لنا آخر فرصة لنسمع بها دعوة البشارة. لهذا السبب سيكون الأمر خطيراً إن نحن أجلنا. لهذا أيضاً يقول الكتاب المقدس«الآن يوم مقبول الآن يوم خلاص»(2 كورنثوس 2:6).