العودة الى الصفحة السابقة
هل حرف الكتاب المقدس؟

هل حرف الكتاب المقدس؟

القس. جون نور


تكلمت في حلقات سابقة عن صحة الكتاب المقدس ولماذا نؤمن بالكتاب المقدس وهل الكتاب المقدس الذي بين أيدينا هو كتاب الله، أم هو مؤلف بشري؟ وهل وصلت إلينا كلمة الله عبر القرون والأجيال صحيحة أم عبثت بها الأيدي؟ هل فقدت بعض أجزائها أم استطاع الله الذي أوحى بها أن يحفظها من الضياع والتلف؟

هذه الأسئلة الجادة لا بد أنها تشغل فكر كل شخص مخلص يبحث عن الحق ويبحث عن خلاص نفسه. فإنه لو تزعزع يقيننا في الكتاب المقدس، فإن كل ما تعلمناه من هذا الكتاب يصبح غير ذي موضوع، إذ يصبح كبناء بغير أساس.واستكمالا لهذا الموضوع اسأل هذا السؤال :

هل أصاب كَلِمَةَ الله التحريفُ أو التزويرْ؟

ويلزمنا للإجابة على هذا الاتهام أن نجيب أولاً على هذه الأسئلة الأربعة:

  1. متى تم التزوير؟

  2. ومن الذي قام به؟

  3. ولماذا قام بالتزوير؟

  4. ماذا كان قبل أن تجري فيه عملية التزوير؟

أولاً: متى تم التزوير؟

لقد ترجم الكتاب المقدس إلى لغات عديدة اعتباراً من القرن الثاني الميلادي فصاعداً، وأنتشر بهذه اللغات العديدة في ربوع الأرض كلها. فهل كان هناك من يستطيع أن يصل إلى كل النسخ الموجودة في العالم أجمع ليحرفها، ثم إلى المؤلفات المقتبسة من الكتاب المقدس ليجري فيها نفس التحريف ثم يصل إلى اليهود ليجري في توراتهم التزوير عينه؟!

ثانياً: من الذي قام بالتحريف؟

أما أسفار العهد القديم فلا يُعَقلُ أن يكون اليهود هم الذين حرفوها وإلا لكانوا بالأولى أزالوا منها الويلات الموجهة إليهم باعتبارهم شعب صلب الرقبة، ولكانوا بدلوا الأحداث التي تسيء إلى أنبيائهم. بل ولكانوا أزالوا من توراتهم الآيات والنبوات التي تتحدث عن صلب (المسيح) وموته وقيامته. لأنهم لا يؤمنون بذلك وتسبب لهم هذه الأقوال مشاكل هم في غنى عنها طالما كان مبدأ التحريف وارداً.. كما أنه لا يعقل أن يكون المسيحيون هم الذين زوروها، لأنهم في هذه الحالة كانوا سيصطدمون مع أعدائهم التقليديين (أعني اليهود)، فالتوراة التي عندهم هي نفسها التي عند اليهود.

ثالثاً: لماذا يحدث التزوير؟

إنه أمر معقول أن يزور الإنسان ليجني من وراء تزويره هذا مغنماً معيناً، أو لينجو بواسطته من خطر ما. أما أن يكذب الإنسان وهو عالم أن تزويره هذا لن يعطيه تاجاً بل صليباً، لا نعيماً بل إضطهاداً، فهذا مالا يقبله العقل. إن الآلاف من الذين ضحوا بحياتهم في سبيل الكتاب المقدس، بالتأكيد ما كانوا ليفعلوا ذلك لو كان هذا الكتاب مجرد أكذوبة.

رابعاً: ماذا كان قبل أن تجري فيه عملية التزوير؟

لقد اكتشفت عشرات الآلاف من المخطوطات القديمة للكتاب المقدس، دون أن يعثر أحد على نسخة واحدة مخالفة لما بين أيدينا. أليس هذا يدحض تماماً الزعم بتزوير الكتاب، ويؤكد هذه الحقيقة المنطقية أن الله الذي أعطى الكتاب هو قادر أن يحافظ عليه!

ولأن جيلنا غير المؤمن والملتوي لا زال يثير الشكوك حول صحة الكتاب المقدس، وصحة وصوله إلينا دون تحريف فقد رتبت العناية الإلهية مؤخراً اكتشافاً مباركاً عرف باكتشاف قمران.

وقمران هذه بقعة تقع بالطرف الشمالي الغربي للبحر الميت وحدث في ربيع عام 1947 أن كان غلاماً أعرابي يرعى غنمه في المراعي القريبة منها، فضلت واحدة من غنيماته. ولما قذف بحجر وهو يبحث عن خروفه الضال، سقط الحجر على شيء بداخل كهف محدثاً دوياً عالياً ودفع الفُضُول ذلك الراعي لكي يعرف سر الصوت. ولما دخل الكهف وجد إنائين من الفخار بهما مخطوطات قديمة لم يستطع قراءتها. وكانت المخطوطات مصنوعة من جلد رقيق موصولٍ معاً وعددها 11 مخطوطاً.

وبعد محاولات كثيرة لبيع تلك المخطوطات، اشتراها أحد التجار في القدس. ثم قام ببيع ستة منها لأستاذ في الجامعة العبرية، والخمسة الباقية لرئيس أساقفة دير القديس مرقس السرياني الأرثوذكسي، الذي أرسل تلك المخطوطات إلى المعهد الأمريكي للدراسات الشرقية بالقدس، فتبين أنها نسخة كاملة من سفر إشعياء وأن الحروف التي كتبت بها المخطوطات ترجع إلى ما قبل سنة 100 ق.م، أما الكتان الذي كان يغلف المخطوطات فلقد أرسل إلى معهد الدراسات النووية بشيكاغو بأمريكا، وباستخدام مقياس جيجر وجد أنه يرجع إلى زمن ما بين سنة 167ق.م. و233 م.

على ضوء هذه النتيجة ذهبت بعثة للتنقيب في هذه المنطقة، فتوالت اكتشافات مزيد من هذه الكهوف. وفي عام 1957 أكتشف 11 كهفاً أخرى في نفس المنطقة تحوي 400 مخطوط، وفي الكهف الرابع وحده وجد أكثر من عشرة آلاف قصاصة من مخطوطات متعددة غطت أجزاء لأسفار العهد القديم كله، عدا سفر واحد هو سفر أستير.

وعندما قورنت المخطوطات المكتشفة والكاملة لسفر إشعياء مع السفر الذي بين أيدينا كلمة بكلمة، وجد أنه لا اختلاف فيها على الإطلاق.

إذا الكتاب المقدس الذي بين أيدينا هو كتاب الله، ولم يكتبه مؤلف بشري؟ والكلمة التي وصلت إلينا عبر القرون والأجيال صَحَيحةٌ لم تعبثت بها الأيدي؟ إستطاع الله الذي أوحى بها أن يحفظها من الضياع والتلف؟.