العودة الى الصفحة السابقة
السعادة عن طريق الحزن

السعادة عن طريق الحزن

القس. جون نور


إذا رغب إنسان أن يقيس مقدار محبته لله فليلاحظ مقدار محبته لإخوانه. فمقدار عطفنا على الآخرين ومحبتنا لهم هو مقياس إخلاصنا ومحبتنا لله. قال الرسول بولس: «لنحب بعضنا بعضاً لأن المحبة هي من الله ... ومن يحبُ الله يحب أخاه أيضاً».

إن أبناء هذا العصر لا يميلون للإحساس مع حاجات الآخرين، بل إنهم أقاموا طبقة من القساوة غشت إحساساتهم وطمست إنسانيتهم، قال إبراهيم لنكولن محرر العبيد مرة: «إنني حزين لرجل لا يحس بالسوط الذي يُلهِبُ ظهر أخيه الإنسان». وفعلاً فإن الكثيرينَ لا يبالون بحالات الفقر والشقاء، التي يعيشها إخوانهم البائسون، ومرجع هذا أن الكثيرين لم يحصلوا على الولادة الجديدة، ولم تحل محبة الله في قلوبهم.

يتحدث الكثيرون عن الإنجيل الاجتماعي، وكأنه شيء مستقل عن إنجيل المسيح إنجيل الخلاص. والحقيقة أن هنالك فقط إنجيلاً واحداً هو الإنجيل الذي تحياه عندما تتمم قول الكتاب الذي يقول عيشوا فقط كما يحق لإنجيل المسيح. فلكي نشعر مع الآخرين يجب أولاً أن تفتدى نفوسنا وتتصالح مع الله. إذ لا يمكننا أن نحب الآخرين ما لم نختبر نحن أنفسنا محبة الله.

لقد بكى المسيح عند قبر لعازر، حبيبه وصديقه، وبكى على مدينة القدس، المدينة التي لم تعد تقيم وزناً للأمور الروحية في أيام اليهود. لان قلب المسيح كان دوماً حساساً ومستفيقاً لحاجات الناس. ولكي يؤكد المسيح أهمية محبة الله للإنسان، وضع الوصية القديمة بشكل جديد فقال: «تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قدرتك ومن كل فكرك وقريبك مثل نفسك».(لو 27:10).

لقد اكتشف القديس فرنسيس الأسيسي سر السعادة عندما عبر عن ذلك في صلاته المشهورة ساعة قال:

اللهم أجعلني أداة لنشر السلام.

فحيث تسود الكراهية دعني أبذر بذور المحبة.

وحيث يسود الشك والإلحاد دعني أرشد الناس إلى الإيمان.

وحيث يعم اليأس دعني أبث الأمل.

وحيث تسود الظلمة دعني أنشر النور.

وحيث يعم الحزن دعني أبعث الفرح.

إن الدموع التي نَذِرِفُها حزناً على أنفسنا هي دموع الضعف، أما الدموع التي نَذِرِفُها من أجل الآخرين فهي دموع القوة. ولا يكون الإنسان حساساً كما يجب، إذا لم يتعلم أن يشارك الآخرين حزنهم، ويشاطرهم الإحساس في حالات الشقاء، وفي أوقات سوء الطالع وقسوة الأيام.

إن الله لم يعد أبناءه أن يعطيهم مناعة ضد الحزن والألم. إن عالمنا هو وادي الدموع والشقاء. والمصاعب ضرورية للحياة، وهي مثل الغيوم والظلال. والألم محك للإيمان. وأولئك الذين يخرجون من أتون الآلام يتنقون، مثلما يتنقى الذهب وسط النيران المتأججة.

يعلمنا الكتاب المقدس بوضوح أننا نستطيع الانتصار على حزن الفقدان. قال صاحب المزامير: «عند المساء يبيت البكاء، وفي الصباح ترنم».

إن الحزن على أنفسنا لا يأتي بالعزاء الطويل الأمد، بل الحزن يولد حزناً. والحزن المتواصل يعظم الأسى. وليس من المستحسن أن نندب دوماً سوء طالعنا فهذا يجلب شقاء على غيرنا. لكن كُل ألم يحتمل بالطريقة المسيحية يحمل بين طياته طُمأنينة وتعزية. فنحن لسنا وحيدين في هذه الدنيا. بل يقول المسيح لنا:«وها أنا معكم كل الأيام وإلى انقضاء الدهر».

قبل أن تكتشف قوة الذرة كان على العالم أن يجد طريقة لتحطيمها. فسر قوة الذرة يكمن في تحطيمها. وهكذا فنحن في حياتنا نجد بركة عن طريق البكاء. والنفوس الحساسة المحبة لإلهها تنبع منها أعذب الأناشيد وأروع الترانيم. فشتان بين نقيق الضفادع وتغريد الكنار! فالضفدعة أقل حساسية للألم وللبرد وللرياح. وهذه حقيقة نجدها في ناموس الحياة وتطور الأحياء. فكلما ترقى المخلوق ازدادت حساسيته رهافة تجاه الألم.

قال أحدهم: يسير الألم والنجاح جنباً إلى جنب. فإذا أحرزت نجاحاً بدون ألم فذلك لأن إنساناً من قبلك قد تألم. وإذا تألمت بدون نجاح فذلك لأن من يأتون بعدك سوف يحرزون النجاح.

طوبى للحزانى! إنهم سعداء لأنهم يعرفون أن ألمهم، وشقاءهم وحرمانهم ما هي إلا بكاء الخليقة الجديدة. إنهم سعداء لأنهم يعرفون أن الفنان العظيم – الذي هو الله – يستعمل النور والظلال ليخرج قطعة فنية جديدة منهم.

إنهم يفتخرون بضعفاتهم، ويبتسمون وسط دموعهم، ويرتلون ترتيلة مقدسة وسط آلامهم لأنهم يدركون أنهم مع الله وإن الله معهم كما يقول الإنجيل: «إن كنا نصبر فسنملك معه».

ما هو إنجيل حياتك هل اختبرت السعادة عن طريق الحزن هل تدرك أن الله معك أم أنك مازلت بعيداً عن محبته وغفرانه.