العودة الى الصفحة السابقة
أنا هو نور العالم …

أنا هو نور العالم …

القس. جون نور


قال يسوع أنا هو نور العالم وعندما أطلق هذا البيان الهام كان يؤكد أنه هو وحده مصدر النور الحقيقي الذي ينير العالم. لا يمكن لشخص ما أن ينير قلب الإنسان بالحب، ويهدي قدميه إلى الحق وأن يضيء ضميره بكل ما هو صالح وجليل إلا الرب يسوع. وفي هذا قال يوحنا عن المسيح«كان النور الحقيقي الذي ينير كل إنسان آتياً إلى العالم» (يو 9:1). وبهذا يؤكد أنه توجد أنوار زائفة مضلة وتعاليم خبيثة شريرة وطرق تبدو مستقيمة لكنها تقود إلى الهلاك.

إن الرب يسوع هو النور الحقيقي الذي يقدر أن ينير كل إنسان ويهديه إلى سواء السبيل. ويؤكد الرسول بولس هذا الكلام عندما قال «لأن الله الذي قال أن يشرق نور في ظلمة هو الذي أشرق في قلوبنا لإنارة معرفة مجد الله في وجه يسوع المسيح»(2كو 6:4).

لكن كيف؟ .. كيف أضاء يسوع العالم؟ … لقد كانت حُجُبُ الخطية هي التي حجبت أشعة الشمس فساد الظلام. وكان على الرب يسوع أن يحطم هذا السياج الكثيف الكئيب وما كان ليتم هذا إلا بعمله فوق الصليب. وهكذا فإننا نرى أن الرب يسوع وإن كان قد أضاء العالم بتعاليمه وأقواله وأمثاله وإعلاناته وتنبوءاته وبكل مواقف حياته وأفعاله، لكنه فوق كل شيء أضاء العالم بذلك الإنجازِ العظيم الذي أكمله فوق صخرة الجلجثة. هناك عندما دبت فيه النيران وهو معلق فوق عود الصليب توهج يسوع وسط هذه النيران بشكل عجيب وانطلقت منه الأنوار المبهرة التي ما زالت تشع في دنيانا ببريقها ودفئها وضيائها وبهائها وجمالها. لقد تحطمت أمام هذه الأنوار العجيبة القوية كل حجب العداوة وما زالت تكتسح أمامها كل صخور الشر وقلاع الشكوك وقوى الظلام. وكأني بالرب يسوع وهو فوق الصليب كان يردد ما سبق وقاله في الهيكل بأكثر قوة قائلاً «أنا هو نور العالم من يتبعني فلا يمشي في الظلمة بل يكون له نور الحياة».

لقد أضاء يسوع الحياة والخلود بالحب

وهكذا لم يكن يسوع مدعياً عندما قال أنا هو نور العالم. كان هو النور الحقيقي الذي ينير كل إنسان .. كل إنسان .. ومن العجيب أن هذا النور لا يولد الظلال مثل سائر الأنوار العالمية الأرضية – فأنوار العالم هي مثل أنوار الشموع التي عندما نشعلها إذا بالظلال الكثيفة والأشباح المخيفة تتراقص من حولنا. فكم قادتنا أنوار العلم المبهرة إلى اكتشاف أسلحة الدمار المرعبة ولكم قادتنا نظريات الوجودية والإباحية إلى التمزق النفسي والحروب المذهبية. أما نور المسيح فهو يضيء العالم دون أن يخلف أي ظلال، ذلك لأنه النور الحقيقي الذي يضيء الإنسان من الداخل ومن كل اتجاه. إن نور يسوع يفتح البصائر ويدفئ القلوب ويلهب الضمائر ويسمو بالعقول ويطهر أعماق نفس الإنسان.

لقد قال الرب يسوع «أنا هو نور العالم» ثم قال لتلاميذه «أنتم نور العالم» (مت 14:5) هذه هي عظمة يسوع …

«الذي أبطل الموت وأنار الحياة والخلود بواسطة الإنجيل» (2تي 10:1). فيسوع هو قاهر الظلام واستطاع أن يشرق على دنيانا بفجر جديد… فهو الذي أنار الحياة والخلود

وكأني به يريد أن يؤكد للعالم أن الله ليس إله الغضب والنقمة بل هو الآب العطوف الجواد. هو مصدر كُلِ خير وبركة. هو يعتني بعصافير السماء وزنابق الحقول والوديان. هو الآب الذي يغمر خليقته كُلهَّا بالجود والإحسان …

هذا ما أراد يسوع أن يؤكده للإنسان وهو حقيقة أخوة بني الإنسان مهما اختلفت أشكالهم وألوانهم ومعتقداتهم في كل زمان ومكان …

بهذا الإعلان أراد يسوع أن يكشف للإنسان عن نبع لا ينضب للسعادة والفرح والبهجة والاطمئنان. ويصور النبي إشعياء تلك المشاعر الفياضة للبهجة التي تنبع من وجود ذلك الآب المحب وسط شعبه فقال «لأنكم بفرح تخرجون وبسلام تحضرون. الجبال والأكام تشيد أمامكم ترنماً وكل شجر الحقل تصفق بالأيادي»(إش 12:55).

الله «الآب نفسه يحبكم …»

هذا هو الموضوع الذي فجر كل الألحان العذبة والسيمفونيات الرائعة والأناشيد الجميلة وبدونها لسادت دنيانا الظلمات.

إن أبوة الله وأخوة الإنسان هي أجمل الورود في كل الوجود.

ونحن نحتاج لأن نقضي العمر كله لنتأمل ونتأمل ونتأمل في محبة المسيح لبني البشر .لنتأمله في دموعه وعرقه وكفاحه وآلامه ودمائه من اجل كل واحد منا. وإن كان الرسول بولس قد قال عن الرب يسوع «الذي أبطل الموت وأنار الحياة والخلود بواسطة الإنجيل»(2 تي 10:1). فإن الرب يسوع قد فعل هذا بحياته وموته وقيامته.

وبعد، وإن كانت البشرية لا تعرف حتى الآن كل شيء عن هذا الضوء الذي ينير في الظلمة فهي إذا ما زالت تبحث جاهدة لتعرف شيئاً عن مصدره وقوته وخصائصه وفوائده، كذلك نحن، فإننا سوف نقضي الدهر كيما نعرف شيئاً عن ذاك الذي قال عن نفسه بجدارة وصدق«أنا هو نور العالم».

وإن كانت قمة أضواء الحب قد انطلقت من فوق الصليب منذ ألفي عام فهي ما زالت تنطلق من هناك عبر كل الأجيال وهي في ملء قوتها ومجدها. وهي ما زالت تبدد الظلام وتبعث الحياة وتغير القلوب وتشفي المرضى وتقيم الموتى وتولد الفرحة والبهجة…

نعم، إن الرب يسوع قد أضاء الحياة والخلود بالحب …