العودة الى الصفحة السابقة
طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يدعون

طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يدعون

جون نور


عندما اكتشف وثني اختبر سلام الله عن طريق المسيح، اعترف قائلاً: «كنت في السابق انهض صباحاً لأتشاجر مع زوجتي، وعند المساء كنا ننام متخاصمين. لكني عندما وجدت سلام الله تحول بيتنا إلى سماء على الأرض!».

قال المسيح: «طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يدعون». وقد نتساءل: أين يبدأ صنع السلام؟ وكيف نغدو من صانعي السلام. ولنقل بادئ ذي بدء أن هذا السلام المنشود ليس وليد الحرب، لأن الحرب إنما تبعث الفقر والألم والكراهية. ولا تهيئ لنا الحرب سلامنا أو توفر هناءنا. لان السلام سلام فكري وسلام روحي. قال فرويد العالم النفساني: السلام حالة عقلية. فإذا نزعنا منا كل مخاوفنا، وأصلحنا عقولنا وأرحنا أعصابنا نلنا سلاماً تشتهيه نفوسنا ...

إن أول خطوة تضمن لنا الحصول على السلام الحقيقي هي الكف عن مقاتلة الله، وذلك عندما نسلم أسلحتنا له ونكف عن مهاجمته.

والخطوة الثانية إلا نجعل سلامنا سلبياً بل لنجعله يتميز بالخدمة. فسلامنا المنشود ليس سلاماً خيالياً، ولا هو عقيدة لاهوتية بل هو سلام اختبره الألوف من الناس فوجدوه مناسباً ليومهم الحاضر ولحياتهم الأبدية...

إنه ليس من السهل في عصر ميكانيكي معقد أن نجعل الحياة البيتية تسير سيرها الطبيعي. فقد أحدثت وسائل النقل الحديثة والتغيرات الاجتماعية العصرية ثورة في حياتنا العائلية وأوضاعنا البيتية. ذلك لان الوالد أخذ يصرف أوقاته في الخارج، والأم تتردد على الأندية والمجتمعات، والأولاد يرافقون زملاءهم إلى دور الملاهي. وهكذا فإن العلاقة الروحية العائلية المبنية على الصلاة قد تداعى والشركة العائلية أخذت تتحطم شيئاً فشيئاً.

عندما يعقد إكليل زواج يقال للعروسين: «ما جمعه الله لا يفرقه إنسان». ويبرز الله كركن ثالث في هذا الرباط المقدس. لكن لماذا لا يعطي الله المكانة اللائقة به في هذا الزواج؟ وإذا كان الله هو الذي يقرن العروسين في البداية برباط مقدس، فلماذا لا يسمح بحضوره الدائم في ذلك البيت الذي كان هو بدايته ومصدر وجوده؟

لقد تحطمت كثير من البيوت على صخور الحياة لأنها تركت الله خارج دائرة العائلة! يظن الكثيرون أنهم إذا ما حصلوا على مسكن أحسن أو عاشروا أناساً أرقى، أو سكنوا قرب جيران غير جيرانهم الأصلين فإن حياتهم البيتية تكون أسعد وأهنأ. وكأنهم يتناسون الحقيقة الواقعية بأن سر السعادة البيتية هو في الله الذي هو الشريك الثالث في عقد الزواج المبرم. والله يجب أن يأخذ المكانة اللائقة به في البيت. ومتى ضمنا سلامنا مع الله نضمن سلاماً حقيقياً في البيت، ونكون فعلاً من صانعي السلام.

إن مرضنا هو أننا نحاول أن نبني مجتمعنا بدون الله. ففي كثير من الأماكن رفع الكتاب المقدس من المساكن والمدارس، وأبعدنا الله عن دائرة الحياة. والنتيجة التي نجمت عن ذلك هي هذه الفوضى التي تسربت إلى مجتمعنا فحجبت روح الصلاح منه. ولا يمكن أن تستعيد هذه الجماعة سلامها إلا متى أعادت الله إلى دائرة حياتها.

عندما أتى نيقوديموس ذلك المتدين اليهودي إلى يسوع ليعرف عن الحياة الأبدية قال له يسوع: «إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله» المسيح لم يقصد أن يخاطب عالماً لاهوتياً بل قصد أن يخاطب كل فرد منا. وما نيقوديموس إلا مثال نموذجي لكل الشعب ... ولا يمكن لعالمنا أن يولد من جديد إن لم يتجدد أفراده، ويحصلوا على السلام النازل من عند الله. لأن الجميع متساوون عند صليب المسيح. ولا يوجد عند الله مواطنون من الدرجة الثانية. نحن لا ننكر وجود مشكلات في دنيانا، ولكن لنعلم إن هذه المشكلات لا تحل بين ليلة وضحاها ولا بالسرعة التي نتوقعها. إنما متى دخل جميع الناس في سلام مع الله فعند ذاك يتأكد هؤلاء أنهم حققوا سلامهم مع الله. وتغدو قضية سلامهم مع بعضهم البعض قضية يسيرة وبسيطة. وعندما نقترب من القضايا والمشكلات بروح غير مسيحية وبقلب غير متسامح فلا بد أن تظل القضية معلقة، ومن الصعب إيجاد حل لها.

ومما لا ريب فيه أن عمل السلام هو عمل نبيل. ولكن لا يمكن بناء سلام دائم بقوتنا الخاصة. وهذا يشبه بناء يريد أن يبني حائطاً بدون أن تتوافر لديه أدوات البناء، أو نجاراً يريد صنع مائدة بدون مطرقة، أو رساماً يود أن يرسم صورة بدون فرشاة ... وهكذا فالذي يرغب في ان يكون من صانعي السلام عليه أن يتعرف على مصدر السلام وأن يأتي إلى ينبوعه. ولكي نقيم سلاماً على الأرض علينا أن نعرف السلام الذي في السماء. وقبل كل شيء علينا أن نعرف ذاك الذي ومما لا ريب فيه أن عمل السلام هو عمل نبيل. ولكن لا يمكن بناء سلام دائم بقوتنا الخاصة. وهذا يشبه بناء يريد أن يبني حائطاً بدون أن تتوافر لديه أدوات البناء، أو نجاراً يريد صنع مائدة بدون مطرقة، أو رساماً يود أن يرسم صورة بدون فرشاة ... وهكذا فالذي يرغب في ان يكون من صانعي السلام عليه أن يتعرف على مصدر السلام وأن يأتي إلى ينبوعه. ولكي نقيم سلاماً على الأرض علينا أن نعرف السلام الذي في السماء. وقبل كل شيء علينا أن نعرف ذاك الذي هو سلامنا.

نحن نعلم أن المسيح لم يترك لأتباعه ميراثاً مادياً. وجل ما كان لديه عندما ترك أرضنا هو رداء اقتسمه جنود الرومان ... وأم سلمها لعناية أحد تلاميذه ... وجسد استلمه يوسف الرامي ... وروح أرجعها إلى أبيه السماوي ... إنما المسيح ترك شيئاً أثمن من الذهب، وأضمن من القصور والممتلكات. ترك لنا سلامه الذي يفوق كل سلام ونسمعه يقول: «سلاماً أترك لكم سلامي أعطيكم».

ومتى عرفنا معطي السلام الأعظم، واختبرنا هذا السلام الذي يهبنا المسيح إياه فعند ذاك نصبح حقيقة من صانعي السلام. وقد وعد المسيح بأن يهب سعادة لصانعي السلام، وبهذا يتحقق وعده الإلهي وقوله المطمئن:«طوبى لصانعي السلام».