العودة الى الصفحة السابقة
زكريا النبي

زكريا النبي

جون نور


«هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي إِلَيْكِ. هُوَ عَادِلٌ وَمَنْصُورٌ وَدِيعٌ، وَرَاكِبٌ عَلَى حِمَارٍ وَعَلَى جَحْشٍ ابْنِ أَتَانٍ» (زكريا 9:9).

زكريا النبي من أكثر الناس حديثاً ونبوّة عن يسوع المسيح ومجيئه في الجسد، ووداعته، وصلبه، حتى تنتهي الرؤى والنبوّات إلى آخر الأيام، ومن المعتقد أنه في رؤياه وحديثه عن المسيح، لا يُباريه في هذا الشأن من الأنبياء سوى إشعياء، وأنه في عُرف الكثيرين يأتي تالياً لإشعياء في هذا المجال!!... ومن المعتقد أنه بدأ نبوّته وهو شاب في عام 520 ق.م.

يقول البعض إن النبي رأى ثماني رؤى مُتتالية مُتلاحِقة في ليلة من الليالي، وربما كان ذلك ومن نعم الله على الإنسان أنه يُعطيه الرؤيا،... وهي بركات روح الله التي تحدث عنها يوئيل النبي، عندما ينسكب روح الله على كل بشر، فيتنبّأ بنوننا وبناتنا، ويرى شبابنا رؤى، ويحلم شيوخنا أحلاماً، والحياة في الواقع، لا يمكن أن تكون صحيحة أو مجيدة بدون هذه الرؤى والأحلام.

تحدّث زكريا عن المسيح في أكثر من نبوّة من نبوّاته، إذ تحدّث عن دخوله المُنتصر الظافِر إلى أورشليم: «اِبْتَهِجِي جِدًّا يَا ابْنَةَ صِهْيَوْنَ، اهْتِفِي يَا بِنْتَ أُورُشَلِيمَ. هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي إِلَيْكِ. هُوَ عَادِلٌ وَمَنْصُورٌ وَدِيعٌ، وَرَاكِبٌ عَلَى حِمَارٍ وَعَلَى جَحْشٍ ابْنِ أَتَانٍ» (زكريا 9:9). وقد اقتبس هذه النبوّة متّى ومُرقس ويوحنا، في هذا الدخول المجيد، ولعلّنا نُلاحِظ الفرق بين دخول هذا الملك، وغيره من ملوك الأرض،... ولقد قيل أن الإسكندر في غزواته، وهو يقترب من المُدن، كان يُثير فيها الفزع والهلع والرُعب،.. أمّا المسيح فلا يُمكِن أن يقترن دخوله في مكان ما، إلا بالبهجة والفرح والهُتاف، وذلك لأنه يحلّ ومعه العدل والنصر والسلام،.. كيف لا وهو لا يدخل إلا وديعاً متواضعاً مُحبّاً، فوق حمار وجحش ابن أتان، كما فعل عِندما دخل مدينة أورشليم لِيموت هُناك حُبّاً وفِداء لِجِنسنا البشري الذي ضيّعته الخطيّة، وأماته الإثم والتمرّد والعِصيان!!...

كما أن زكريا تنبّأ ثانية عن المسيح المُحتقر، المرفوض مِن شعبه: حيث تنبأ عن يسوع «فَقُلْتُ لَهُمْ: إِنْ حَسُنَ فِي أَعْيُنِكُمْ فَأَعْطُونِي أُجْرَتِي وَإِلاَّ فَامْتَنِعُوا. فَوَزَنُوا أُجْرَتِي ثَلاَثِينَ مِنَ الْفِضَّةِ. فَقَالَ لِي الرَّبُّ: أَلْقِهَا إِلَى الْفَخَّارِيِّ، الثَّمَنَ الْكَرِيمَ الَّذِي ثَمَّنُونِي بِهِ. فَأَخَذْتُ الثَّلاَثِينَ مِنَ الْفِضَّةِ وَأَلْقَيْتُهَا إِلَى الْفَخَّارِيِّ فِي بَيْتِ الرَّبِّ» (زكريا 12:11 و13). ومهما قيل عن ارتباط هذه النبوّة بِما جاء في نبوّات إرميا في الأصحاح الثامِن عشر والتاسِع عشر، حيث يُصوّر النبي قُدرة الله وسُلطانه على الشعوب بِقُدرة الفخاري على قِطعة الطين في يده، كما أن الله – إذ يأمر النبي إرميا أن يُحطّم إبريق الفخاري – يكشف عمّا سيفعله هو، كإله مُقتدِر، بِالأمّة الخاطِئة، إلاّ أنه واضِح أن النبي زكريا كشف عن المسيح المرفوض، والذي قدّره شعبه بِثلاثين من الفِضّة، وهو الأجر الذي يُعطى تعويضاً عن العبد إذا نطحه ثور ومات. كما كتب في الشريعة ومهما يقل الناس عن صفقات بخسة في كل التاريخ والعصور والأجيال، فلا نعرف صفقة تَعِسة خاسِرة كالتي باع بِها يهوذا الإسخريوطي يسوع المسيح إلى قادة اليهود!!...

على أن زكريا عاد فتنبّأ عن رجوع اليهود إلى المسيح: فقال: «فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَعْظُمُ النَّوْحُ فِي أُورُشَلِيمَ كَنَوْحِ هَدَدْرِمُّونَ فِي بُقْعَةِ مَجِدُّونَ» (زكريا 11:12).. ولم يكُن هذا إلاّ رمزاً للألم والبُكاء الذي أحس به اليهود يوم موت المسيح على هضبة الجُلجُثة: «وَتَبِعَهُ جُمْهُورٌ كَثِيرٌ مِنَ الشَّعْبِ، وَالنِّسَاءِ اللَّوَاتِي كُنَّ يَلْطِمْنَ أَيْضًا وَيَنُحْنَ عَلَيْهِ... وَكُلُّ الْجُمُوعِ الَّذِينَ كَانُوا مُجْتَمِعِينَ لِهذَا الْمَنْظَرِ، لَمَّا أَبْصَرُوا مَا كَانَ، رَجَعُوا وَهُمْ يَقْرَعُونَ صُدُورَهُمْ» (لوقا 27:23 و48).. فإذا سار اليهود في عذابهم وآلامهم ومتاعِبهم، في كل أجيال التاريخ، وعِندما يفتح الله عيونهم لِيعودوا إلى الذي طعنوه، بِالألم والحُزن والتوبة!!..

وتنبّأ زكريا – إلى جانِب هذا كُلّه – عن موت المسيح: «اِسْتَيْقِظْ يَا سَيْفُ عَلَى رَاعِيَّ، وَعَلَى رَجُلِ رِفْقَتِي، يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ. اِضْرِبِ الرَّاعِيَ فَتَتَشَتَّتَ الْغَنَمُ، وَأَرُدُّ يَدِي عَلَى الصِّغَارِ» (زكريا 7:13)... ووعد الله لا بد أن يتم، وفي مِلء الزمان جاء المسيح لِيكون كفّارة، لِيظهر بِرّ الله. «مِنْ أَجْلِ الصَّفْحِ عَنِ الْخَطَايَا السَّالِفَةِ بِإِمْهَالِ اللهِ. إِظْهَارِ بِرِّهِ فِي الزَّمَانِ الْحَاضِرِ، لِيَكُونَ بَارًّا وَيُبَرِّرَ مَنْ هُوَ مِنَ الإِيمَانِ بِيَسُوعَ» (رومية 25:3 و26)... وقد أيّد المسيح هذه الحقيقة: وهو يقول لِتلاميذه: «حِينَئِذٍ قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: كُلُّكُمْ تَشُكُّونَ فِيَّ فِي هذِهِ اللَّيْلَةِ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: أَنِّي أَضْرِبُ الرَّاعِيَ فَتَتَبَدَّدُ خِرَافُ الرَّعِيَّةِ» (متّى 31:26)...

ولا تنتهي نبوّات زكريا قبل الحديث عن مجيء المسيح الثاني العتيد،... حيثُ ينشقّ جبل الزيتون فِعلاً إلى نِصفين يفصلهما وادٍ كبير،... وتحدث معركة هرمجدون آخر معارِك العالم التي يحسمها المسيح بِظهوره العتيد...

على أيّة حال كانت نبوّات زكريا عبوراً طويلاً مُمتدّاً من أورشليم وهيكلها القديم، وقد كانت أمام عيني النبي القديم أطلالاً دارِسة تُحاوِل أن تقوم وتنتفض من التُراب، إلى أورشليم التي صلبت يسوع المسيح، ورأت من العذاب والضيق ما لم تره مدينة أُخرى في كل التاريخ، إلى أورشليم أُمّنا السماوية، كنيسة الرب يسوع التي ستظهر في اليوم الأخير بِمجده الأبدي الفائِق.