العودة الى الصفحة السابقة
تلميذي عمواس

تلميذي عمواس

جون نور


«13 وَإِذَا اٰثْنَانِ مِنْهُمْ كَانَا مُنْطَلِقَيْنِ فِي ذٰلِكَ اٰلْيَوْمِ إِلَى قَرْيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ أُورُشَلِيمَ سِتِّينَ غَلْوَةً، اٰسْمُهَا «عِمْوَاسُ». 14 وَكَانَا يَتَكَلَّمَانِ بَعْضُهُمَا مَعَ بَعْضٍ عَنْ جَمِيعِ هٰذِهِ اٰلْحَوَادِثِ. 15 وَفِيمَا هُمَا يَتَكَلَّمَانِ وَيَتَحَاوَرَانِ، اٰقْتَرَبَ إِلَيْهِمَا يَسُوعُ نَفْسُهُ وَكَانَ يَمْشِي مَعَهُمَا. 16 وَلٰكِنْ أُمْسِكَتْ أَعْيُنُهُمَا عَنْ مَعْرِفَتِهِ. 17 فَقَالَ لَهُمَا: «مَا هٰذَا اٰلْكَلاَمُ اٰلَّذِي تَتَطَارَحَانِ بِهِ وَأَنْتُمَا مَاشِيَانِ عَابِسَيْنِ؟» 18 فَأَجَابَ أَحَدُهُمَا، اٰلَّذِي اٰسْمُهُ كِلْيُوبَاسُ: «هَلْ أَنْتَ مُتَغَرِّبٌ وَحْدَكَ فِي أُورُشَلِيمَ وَلَمْ تَعْلَمِ اٰلأُمُورَ اٰلَّتِي حَدَثَتْ فِيهَا فِي هٰذِهِ اٰلأَيَّامِ؟» 19 فَقَالَ لَهُمَا: «وَمَا هِيَ؟» فَقَالَا: «اٰلْمُخْتَصَّةُ بِيَسُوعَ اٰلنَّاصِرِيِّ، اٰلَّذِي كَانَ إِنْسَاناً نَبِيّاً مُقْتَدِراً فِي اٰلْفِعْلِ وَاٰلْقَوْلِ أَمَامَ اٰللّٰهِ وَجَمِيعِ اٰلشَّعْبِ. 20 كَيْفَ أَسْلَمَهُ رُؤَسَاءُ اٰلْكَهَنَةِ وَحُكَّامُنَا لِقَضَاءِ اٰلْمَوْتِ وَصَلَبُوهُ. 21 وَنَحْنُ كُنَّا نَرْجُو أَنَّهُ هُوَ اٰلْمُزْمِعُ أَنْ يَفْدِيَ إِسْرَائِيلَ. وَلٰكِنْ، مَعَ هٰذَا كُلِّهِ، اٰلْيَوْمَ لَهُ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ مُنْذُ حَدَثَ ذٰلِكَ. 22 بَلْ بَعْضُ اٰلنِّسَاءِ مِنَّا حَيَّرْنَنَا إِذْ كُنَّ بَاكِراً عِنْدَ اٰلْقَبْرِ، 23 وَلَمَّا لَمْ يَجِدْنَ جَسَدَهُ أَتَيْنَ قَائِلاَتٍ: إِنَّهُنَّ رَأَيْنَ مَنْظَرَ مَلاَئِكَةٍ قَالُوا إِنَّهُ حَيٌّ. 24 وَمَضَى قَوْمٌ مِنَ اٰلَّذِينَ مَعَنَا إِلَى اٰلْقَبْرِ، فَوَجَدُوا هٰكَذَا كَمَا قَالَتْ أَيْضاً اٰلنِّسَاءُ، وَأَمَّا هُوَ فَلَمْ يَرَوْهُ». 25 فَقَالَ لَهُمَا: «أَيُّهَا اٰلْغَبِيَّانِ وَاٰلْبَطِيئَا اٰلْقُلُوبِ فِي اٰلإِيمَانِ بِجَمِيعِ مَا تَكَلَّمَ بِهِ اٰلأَنْبِيَاءُ، 26 أَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ اٰلْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ بِهٰذَا وَيَدْخُلُ إِلَى مَجْدِهِ؟» 27 ثُمَّ اٰبْتَدَأَ مِنْ مُوسَى وَمِنْ جَمِيعِ اٰلأَنْبِيَاءِ يُفَسِّرُ لَهُمَا اٰلأُمُورَ اٰلْمُخْتَصَّةَ بِهِ فِي جَمِيعِ اٰلْكُتُبِ.

28 ثُمَّ اٰقْتَرَبُوا إِلَى اٰلْقَرْيَةِ اٰلَّتِي كَانَا مُنْطَلِقَيْنِ إِلَيْهَا، وَهُوَ تَظَاهَرَ كَأَنَّهُ مُنْطَلِقٌ إِلَى مَكَانٍ أَبْعَدَ. 29 فَأَلْزَمَاهُ قَائِلَيْنِ: «اٰمْكُثْ مَعَنَا لأَنَّهُ نَحْوُ اٰلْمَسَاءِ وَقَدْ مَالَ اٰلنَّهَارُ». فَدَخَلَ لِيَمْكُثَ مَعَهُمَا. 30 فَلَمَّا اٰتَّكَأَ مَعَهُمَا، أَخَذَ خُبْزاً وَبَارَكَ وَكَسَّرَ وَنَاوَلَهُمَا، 31 فَاٰنْفَتَحَتْ أَعْيُنُهُمَا وَعَرَفَاهُ ثُمَّ اٰخْتَفَى عَنْهُمَا، 32 فَقَالَ بَعْضُهُمَا لِبَعْضٍ: «أَلَمْ يَكُنْ قَلْبُنَا مُلْتَهِباً فِينَا إِذْ كَانَ يُكَلِّمُنَا فِي اٰلطَّرِيقِ وَيُوضِحُ لَنَا اٰلْكُتُبَ؟» 33 فَقَامَا فِي تِلْكَ اٰلسَّاعَةِ وَرَجَعَا إِلَى أُورُشَلِيمَ، وَوَجَدَا اٰلأَحَدَ عَشَرَ مُجْتَمِعِينَ، هُمْ وَاٰلَّذِينَ مَعَهُمْ 34 وَهُمْ يَقُولُونَ: «إِنَّ اٰلرَّبَّ قَامَ بِاٰلْحَقِيقَةِ وَظَهَرَ لِسِمْعَانَ!» 35 وَأَمَّا هُمَا فَكَانَا يُخْبِرَانِ بِمَا حَدَثَ فِي اٰلطَّرِيقِ، وَكَيْفَ عَرَفَاهُ عِنْدَ كَسْرِ اٰلْخُبْزِ» (لوقا24 : 13 – 35).

هذه قصة ظهور المسيح لاثنين من التلاميذ في عصر يوم قيامته. كان هذان التلميذان ذاهبين إلى عمواس، أو كما يقول مرقس «إلى البرية» تاركين المدينة بزحمتها وأحداثها ومناظرها. وكانا يتكلمان ويتحاوران معاً وعلامات الحزن بادية على وجهيهما بسبب المأساة التي حدثت لمعلمهما وسيدهما. لقد فقدا نبيهما، لقد نظرا الأعداء يلقون القبض عليه، ويحكمون عليه ويصلبونه، ويموت. هذا هو الذي كان «نَبِيّاً مُقْتَدِراً فِي اٰلْفِعْلِ وَاٰلْقَوْلِ». إن محبتهما له لم تتحطم ولم تنته، وإيمانهما في شخصه لم يضع، ولكن أملهما ضاع فقد صاروا له تلاميذ؛ وتلقنوا تعليمه، وامتلأوا بالأمل بالنسبة لنهاية رسالته. ثم ماذا. أدانه حكامهم ثم صلبوه. ولهذا فقدوا كل أمل بأن يجيء الفداء للشعب عن طريقه. وهنا يجب ألا يغيب عنا أن رأيهم في الفداء كان خاطئاً، لأنهم ظنوا أنه كان سيردُّ الملك إلى أمته ويحررهم من ظلم الرومان واستبدادهم، فصار كل هذا مستحيلاً، لأنه مات.

نصل في القصة إلى النقطة حيث نلتفت إلى ربنا يسوع نفسه: «يسوع نفسه اقترب منهما وسار معهما». وما أجمل هذا التعبير. فالرب المقام يُرى في ذلك الطريق الموحش مع اثنين من جماعة التلاميذ. فهم تلك القلوب الحزينة واقترب منها، كما أنه عرف جهلهما فخاطبهما قائلاً: «أَيُّهَا اٰلْغَبِيَّانِ وَاٰلْبَطِيئَا اٰلْقُلُوبِ». ومع علمه بأنهما كذلك اقترب أيضاً منهما، ولكنه لم يعلن عن شخصه لهما مباشرة. وكان من الضروري أن يصحح غباءهما وبطء فهمهما. وكان لا بد أن يريهما لماذا وصفهما كغبيين. وقد عاش التلميذان، كل حياتهما، في جو الكتب المقدسة ونورها، ولكنهما لم يفهماها. وكان هذا هو السبب الأول الذي جعل يسوع يقترب منهما، لكي يفسّر لهما الكتب.

وإذ اقترب يسوع منهما سألهما عن موضوع حديثهما. وجّه يسوع لهما هذا السؤال: «مَا هٰذَا اٰلْكَلاّمُ اٰلَّذِي تَتَطَارَحَانِ بِهِ وَأَنْتُمَا مَاشِيَانِ عَابِسَيْنِ؟ (حزينين)» (لوقا 17:24). وجوابهما على سؤال يسوع فيه شيء من الاستغراب: من أنت وماذا تعني بهذا السؤال وهل أنت متغرب وحدك في المدينة المقدسة أورشليم؟ وحتى إن كنت كذلك، فإنه أمر يدعو إلى الدهشة. إنك لا تعرف الأمور التي حدثت! وزادت دهشتهما عند قوله: «وما هي؟» ومما لا جدال فيه أنه عرف كل ما حدث معرفة أفضل وأكمل من معرفتهما. ولكنه قصد أن يدعمها يعبِّران عن نظرتهما بالنسبة لهذه الأمور التي حدثت في أورشليم، وبذلك يكشفان عن نفسيهما. ومن كلامهما نرى أن محبتهما له كانت مستمرة. وهنا أعلن التلميذان عن موت رجائهما. فإنهما رأيا يسوع يموت ويُدفن. وبهذا كشفا عن موقفهما منه.

وهنا يتبع يسوع هذه الخطوات التي اتخذها معهما كوسيلة لعلاجهما:

• فأولاً – ربحهما في لطف قائلاً: «أَيُّهَا اٰلْغَبِيَّانِ وَاٰلْبَطِيئَا اٰلْقُلُوبِ فِي اٰلإِيمَانِ بِجَمِيعِ مَا تَكَلَّمَ بِهِ اٰلأَنْبِيَاءُ» (لوقا 25:24). وطبيعي أن يتساءل التلميذان ماذا يعني بهذا؟ فقد عرفا الأنبياء وآمنا بهم. ومع ذلك وصفهما بأنهما بطيئا القلوب في الإيمان.

• وثانياً – فسّر لهما الأمور المختصة به في الكتب. وقد ظنا أنهما يعرفانها، ولكن بعد أن بدأ هذا الغريب يترجم لهما المعاني، اكتشفا أن في الكتب أشياء عميقة لم يعرفاها من قبل وأصغيا إليه وهو يفسر لهما الحوادث التي كانا يحورانها، وابتدأ من موسى ومن جميع الأنبياء يفسّر لهما الأمور المختصة به في جميع الكتب. أراهما كيف تمَّت فيه كل الأمثلة وكل الطقوس وكل المراسيم.

وهكذا استمع التلميذان في طريق عمواس إلى الشخص الغريب. الذي سار معهما وهو يريهما كل هذا. وبذلك أعادهما إلى كتبهما التي ظنا أنهما يعرفانها، وأعطاهما مفتاح الفهم الحقيقي.

وأخيراً وصلوا إلى عمواس. «وَتَظَاهَرَ (يسوع) كَأَنَّهُ مُنْطَلِقٌ إِلَى مَكَانٍ أَبْعَدَ» أي أنه تظاهر أنه مستمر في رحلته في الطريق الخطرة التي يغير عليها اللصوص. وحينئذ قالا له: «اٰمْكُثْ مَعَنَا لأَنَّهُ نَحْوُ اٰلْمَسَاءِ وَقَدْ مَالَ اٰلنَّهَارُ». وكان التلميذان يعلمان بالخطر في هذا الطريق، ولذلك شددا عليه أن يمكث معهما حفظاً على حياته. وقبل ضيافتهما ودخل البيت معهما.

ومع أنهما قدما له الدعوة كضيف، إلا أنه أخذ مكان المضيف وجلس معهما. ثم أخذ خبزاً وشكر وكسر. وكل هذا كان من اختصاص رب البيت أو المضيف، وإذ فعل يسوع هذا جاء التلميذين شيء من الاستنارة. وعرفا من هو الذي كان يتحدث معهما في الطريق، فعمله كان مذكراً لهما بمناسبة أخرى، أخبرهما عنها الذين كانوا حاضرين فيها ورأوه يفعل تماماً كما فعل ليلة الغدر به، عندما أخذ الخبز وشكر وكسر. وبعدما ثبَّت عيون محبتهما فيه اختفى عنهما.

لا نستغرب أن نرى هذين التلميذين يرجعان إلى أورشليم. ولما وصلا في المساء وجدا الأحد عشر مجتمعين. وكانا في طريق عودتهما بخلاف ما كانا عليه في ذهابهما، فقد اقتنعا أن يسوع حيٌّ. وهكذا نرى ربنا يسوع – طبيبنا الأعظم – يعود بالتلميذين الغبيين والبطيئين الفهم، إلى الكتب ثم يفسرها لهما، ثم يثبت كل هذا بالبرهان على أنه كان حياً.

ما أحوجني إلى إرشادك يا رب عندما افتح الكتاب المقدس – كلمتك المكتوبة. ففسر لي كل الأمور المختصة بك، لأنني لا أدركها على حقيقتها بدونك.