العودة الى الصفحة السابقة
الرسول بطرس ومبدأ الغفران

الرسول بطرس ومبدأ الغفران

جون نور


«15 وَإِنْ أَخْطَأَ إِلَيْكَ أَخُوكَ فَاٰذْهَبْ وَعَاتِبْهُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ وَحْدَكُمَا. إِنْ سَمِعَ مِنْكَ فَقَدْ رَبِحْتَ أَخَاكَ. 16 وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ، فَخُذْ مَعَكَ أَيْضاً وَاحِداً أَوِ اٰثْنَيْنِ، لِكَيْ تَقُومَ كُلُّ كَلِمَةٍ عَلَى فَمِ شَاهِدَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةٍ. 17 وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُمْ فَقُلْ لِلْكَنِيسَةِ. وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنَ اٰلْكَنِيسَةِ فَلْيَكُنْ عِنْدَكَ كَاٰلْوَثَنِيِّ وَاٰلْعَشَّارِ. 18 اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ مَا تَرْبِطُونَهُ عَلَى اٰلْأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطاً فِي اٰلسَّمَاءِ، وَكُلُّ مَا تَحُلُّونَهُ عَلَى اٰلأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولاً فِي اٰلسَّمَاءِ. 19 وَأَقُولُ لَكُمْ أَيْضاً: إِنِ اٰتَّفَقَ اٰثْنَانِ مِنْكُمْ عَلَى اٰلأَرْضِ فِي أَيِّ شَيْءٍ يَطْلُبَانِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ لَهُمَا مِنْ قِبَلِ أَبِي اٰلَّذِي فِي اٰلسَّمَاوَاتِ، 20 لأَنَّهُ حَيْثُمَا اٰجْتَمَعَ اٰثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ بِاٰسْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسَطِهِمْ». 21 حِينَئِذٍ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ بُطْرُسُ وَقَالَ: «يَا رَبُّ، كَمْ مَرَّةً يُخْطِئُ إِلَيَّ أَخِي وَأَنَا أَغْفِرُ لَهُ؟ هَلْ إِلَى سَبْعِ مَرَّاتٍ؟» 22 قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لاَ أَقُولُ لَكَ إِلَى سَبْعِ مَرَّاتٍ، بَلْ إِلَى سَبْعِينَ مَرَّةً سَبْعَ مَرَّاتٍ» (متّى 15:18 – 22).

كان هذا سؤال بُطرس للمسيح، بطرس الذي عرف باندِفاعه وأسئِلته الكَثيرة. ونحن مَدينون له بهذه التَساؤلات التي أعطَتنا امتِياز أن نَسمَع إجابات المَسيح الصَحيحة عَلى أسئِلَتِه، والتي قَد تَكون أسئِلتنا نَحن اليوم.

وَهُنا يَتساءَل بُطرس: إلى أي حَدّ؟ ما هي حدود هذا الغُفران؟ وما هو عدد المَرّات التي يَغفِر فيها لأخيه؟ وَتَطوّع بُطرس السَائِل بِالإجابة أيضاً، واقترح أن يصل الغفران إلى سبع مرات. وقبل أن نتوقّف أمام اقتراح بطرس، نرى من البداية أن بطرس وقع في خطأين نقع فيهما نحن الآن الخطأ الأول أنه كان متأكِدّاً أن أخاه هو الذي أخطأ إليه وليس العَكس: «كَمْ مَرَّةً يُخْطِئُ إِلَيَّ أَخِي؟» كثيراً ما نرى أنفسنا الطرف البَريء وليس الطرف المُخطِئ.

قَدّم المَسيح جَوابه على سُؤال بُطرس في تَعليم، ثم في مثل.

التَعليم: «لاَ أَقُولُ لَكَ إِلَى سَبْعِ مَرَّاتٍ، بَلْ إِلَى سَبْعِينَ مَرَّةً سَبْعَ مَرَّاتٍ». غُفران بِلا حُدود – وهَذا ما علم بِه المَسيح.

أما المَثَل فكان: «23 لِذٰلِكَ يُشْبِهُ مَلَكُوتُ اٰلسَّمَاوَاتِ إِنْسَاناً مَلِكاً أَرَادَ أَنْ يُحَاسِبَ عَبِيدَهُ. 24 فَلَمَّا اٰبْتَدَأَ فِي اٰلْمُحَاسَبَةِ قُدِّمَ إِلَيْهِ وَاحِدٌ مَدْيُونٌ بِعَشَرَةٍ آلاَفِ وَزْنَةٍ. 25 وَإِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يُوفِي أَمَرَ سَيِّدُهُ أَنْ يُبَاعَ هُوَ وَاٰمْرَأَتُهُ وَأَوْلاَدُهُ وَكُلُّ مَا لَهُ، وَيُوفَى اٰلدَّيْنُ. 26 فَخَرَّ اٰلْعَبْدُ وَسَجَدَ لَهُ قَائِلاً: يَا سَيِّدُ، تَمَهَّلْ عَلَيَّ فَأُوفِيَكَ اٰلْجَمِيعَ. 27 فَتَحَنَّنَ سَيِّدُ ذٰلِكَ اٰلْعَبْدِ وَأَطْلَقَهُ، وَتَرَكَ لَهُ اٰلدَّيْنَ. 28 وَلَمَّا خَرَجَ ذٰلِكَ اٰلْعَبْدُ وَجَدَ وَاحِداً مِنَ اٰلْعَبِيدِ رُفَقَائِهِ، كَانَ مَدْيُوناً لَهُ بِمِئَةِ دِينَارٍ، فَأَمْسَكَهُ وَأَخَذَ بِعُنُقِهِ قَائِلاً: أَوْفِنِي مَا لِي عَلَيْكَ. 29 فَخَرَّ اٰلْعَبْدُ رَفِيقُهُ عَلَى قَدَمَيْهِ وَطَلَبَ إِلَيْهِ قَائِلاً: تَمَهَّلْ عَلَيَّ فَأُوفِيَكَ اٰلْجَمِيعَ. 30 فَلَمْ يُرِدْ بَلْ مَضَى وَأَلْقَاهُ فِي سِجْنٍ حَتَّى يُوفِيَ اٰلدَّيْنَ. 31 فَلَمَّا رَأَى اٰلْعَبِيدُ رُفَقَاؤُهُ مَا كَانَ، حَزِنُوا جِدّاً. وَأَتَوْا وَقَصُّوا عَلَى سَيِّدِهِمْ كُلَّ مَا جَرَى. 32 فَدَعَاهُ حِينَئِذٍ سَيِّدُهُ وَقَالَ لَهُ: أَيُّهَا اٰلْعَبْدُ اٰلشِّرِّيرُ، كُلُّ ذٰلِكَ اٰلدَّيْنِ تَرَكْتُهُ لَكَ لأَنَّكَ طَلَبْتَ إِلَيَّ. 33 أَفَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّكَ أَنْتَ أَيْضاً تَرْحَمُ اٰلْعَبْدَ رَفِيقَكَ كَمَا رَحِمْتُكَ أَنَا؟. 34 وَغَضِبَ سَيِّدُهُ وَسَلَّمَهُ إِلَى اٰلْمُعَذِّبِينَ حَتَّى يُوفِيَ كُلَّ مَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ. 35 فَهٰكَذَا أَبِي اٰلسَّمَاوِيُّ يَفْعَلُ بِكُمْ إِنْ لَمْ تَتْرُكُوا مِنْ قُلُوبِكُمْ كُلُّ وَاحِدٍ لأَخِيهِ زَلاَّتِهِ» (متّى 18: 23 – 35).

كان دَينه عَشرة آلاف وَزنة لِسَيِده، وحاول البَعض حِساب هذا الرقم بِعُملة اليوم فوجدوه ما يقرب من عشرة مليارات دولار، وهو مبلغ ضخم جداً، وقال البَعض الآخر إن الوَزنة كانت أعلى وِحدة نَقد، كما أن «عَشَرَةٍ آلاَفِ» كان أكبر عدد في اللغة اليونانِيّة. على أي حال كان الدَّين ثَقيلاً جِدّاً وفوق طاقة أي إنسان، ومن الغريب أن ذلك العبد كان يظنّ أنه يُمكِنه سَداد الدَّين: «تَمَهَّلْ عَلَيَّ فَأُوفِيَكَ اٰلْجَمِيعَ». وهَذا يَستَحيل، إذ كانت الوزنة الواحدة هي أجر عامل لمدة عشرين سنة. فحالته لا يُجدي معها شَيئاً إلاّ رَحمة وغُفران ومُسَامَحة الملك، وهذا ما عَمله الملك، إذ تَرَك له الدَّين، لقد سامحه بالجَميع. وهذا عينه ما عمله الله معنا في الوقت الذي كنا فيه مُفلِسين رُوحِيّاً تَماماً ومَدينون له بِدين ثَقيل، سامحنا بَالجَميع.

خَرج ذلك العَبد من محضر الملك، وكان بلا شك فرحاً وسَعيداً بما فعله الملك معه، إذ أسقط كل دينه عنه. ووجد واحد من العَبيد رُفقائِه كان مَديوناً له بِمِئة دينار، أي أجر شهر واحد (في مقابل أجر 20 سنة للوزنة الواحدة من دينه)، وكنا نتوقّع أن يُشارِك رَفيقه فرحته بإسقاط دينه الثَقيل وَيَعفيه من المِئة دينار، لكنه أمسَكه وأخذ يُعنفّه قَائِلاً: أوفِني ما لي عَليك. فَخرّ العَبد رَفيقه على قَدميه وطالبه بنفس الكلمات التي قالها هو للملك: تمهّل عليّ فأوفيك الجَميع، لكنه لم يكن على استِعداد أن يُقدّم لِرَفيقِه مَا طَلبه لِنَفسِه، لَم يَكُن عَلى استِعداد أن يُقدّم مِن الغُفران الكَبير الذي قَبِله من الملك شَيئاً يَسيراً لِرَفيقِه، بل وأصرّ أن يَضع رَفيقه في السِجن عَلامة على عَدم غُفرانِه له.

الحَقيقة التي أرادَ الرب أن يَقولها، هي أن كُلّ مَسيحي اختبر غُفران الله له، عليه أن يمارس هذا الغفران مع الآخرين. ومن يُقرّر أن يعيش لنفسه ويأخذ حقّه بِيَده ويتشبّث أنه على صواب وغيره على خَطأ، فإنه يضع نفسه في سِجن عدم الغُفران، فالذي لا يَغفِر لِغَيره يعذب نَفسه. وكأنّ الرب يقول لبطرس: لا تُحصي عدد مَرّات الغُفران، أنسى هذا الأمر فقط مارس الغُفران، من نوع الغُفران الذي حصلت عليه من الله. إن عدم الغُفران يعني أن القَلب يَخلو من الاتضاع والتوبة... وهَذا هو شَرط غُفران الله لَنا.