العودة الى الصفحة السابقة
اللص المحتضر

اللص المحتضر

جون نور


في حوالي الساعة التاسعة صباحاً علّقوا هذا اليهودي الغير معروف وهو يصرخ ويناضل ويلعن صليبه، دقوا تهمته فوق رأسه وعلّقوه ليموت. كان هذا في حوالي الساعة التاسعة، قبل أن تصل الشمس ذروتها في ذلك اليوم. خلص هذا المجرم المصلوب. كان أول متجدد عند الجلجثة. بعد ظهر ذاك اليوم بين الساعة الخامسة والسادسة، أتى الجنود وكسروا رجليه وبذلك تحول كل ثقل جسده المعذب لذراعيه وتمزق قلبه. أما نفسه المخلّصة فانطلقت إلى الأبدية.

لقد خلص بنفس الطريقة التي يجب على كل واحد أن يخلص فيها، فكر بهذه لبرهة. لم يخلص من خطاياه بسبب ذهابه إلى الكنيسة، فالكنيسة لم تكن قد شُكلت عندما مات. لم يخلص لأجل قراءته للكتاب المقدس، أو لعمله أفضل ما يمكن أو بعيشه حياة بلا لوم. ولم يخلص لقيامه بأعمال توبة أو بفتحه صفحة جديدة. لم يلجأ للكهنة الواقفين أو لأم الرب التي كانت حاضرة عند المشهد.

كانت قشعريرة الموت قد بدأت تدب في رجليه، كانت كل قطرة دم نازفة من عروقه تضعفه ولم يكن العرق على جبينه من جراء حرارة الشمس فقط. كلما اقترب الموت من هذا الرجل كلما فكر في خطيته، ثقل خطيته المخيف وعدالة حكمه «لأَنَّنَا نَنَالُ اسْتِحْقَاقَ مَا فَعَلْنَا» (لوقا 23: 41). لقد كُتبت خطاياه العلنية بيد حازمة وسُمرت على صليبه. ولكن ماذا عن خطاياه الخاصة وعن خطاياه السرّية؟ ماذا عن خطايا الإهمال؟ الأشياء التي وجب عليه أن يعملها ولكنه تركها بدون إتمام. «أَمَّا شَوْكَةُ الْمَوْتِ فَهِيَ الْخَطِيَّةُ، وَقُوَّةُ الْخَطِيَّةِ هِيَ النَّامُوسُ» (1 كورنثوس 56:15).

لقد كان رجلاً يموت. ونحن نتقدم بثبات في الحياة نحو الموت. لكننا ندفع هذه الأفكار بعيداً عن أذهاننا. فنحن كالنعامة ندفن رؤوسنا في الرمل، وندّعي بأن الأمر ليس كذلك.. إن هذا الفكر يبعث في النفس قشعريرة فندفعه من أذهاننا الواعية ولكن الحقيقة المرعبة تبقى. إننا نموت والسبب هو لأننا خطاة. وهذه الفكرة أيضاً نرفضها كقاعدة ولكنها حقيقة أكيدة كالموت. يقول الله: «أَنَّ أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ» (رومية 23:6). ومهما رفضنا أو تجاهلنا هذه الحقيقة فإنها تبقى كما هي. هذا اللص الذي كان على حافة الموت كان كل حياته خاطئاً ولكن الموت أظهر الحقيقة جلية ساطعة، وبدأ يشعر بشوكتها.

لقد بدأ ينظر إلى يسوع. تطلع إلى وجه ابن الله، ذلك الوجه المفسد للغاية. رأى القداسة، السلام والإلوهية في ذلك الوجه النبيل. رفع اللص عينيه إلى أعلى وشاهد إكليل الشوك الرمز الشائن للعنة. رفع عينيه إلى أعلى أيضاً وقرأ اللقب الذي علقه الرومان على الصليب: «يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ مَلِكُ الْيَهُودِ» (يوحنا 19: 19). وكلما نظر أكثر كلما ازداد سكوناً وتأملاً. لربما بدأ يعود بذكرياته إلى تعاليم الطفولة. لربما عادت إليه من ذكرياته القديمة كلمات كان قد حفظها وهو بعد ولد، «وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا، مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ، وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا .. جَعَلَ نَفْسَهُ ذَبِيحَةَ إِثْمٍ» (إشعياء 5:53 - 10). أهذا ما عناه إشعياء؟ هل كان يقصد عن المسيّا أنه سيُرفع على الصليب؟ وما الذي تعلمه كولد عن موسى الذي رفع الحية؟ نعم لقد وجد الإسرائيليون الحياة بعد أن دخلت جرثومة الموت في عروقهم مقابل نظرة إلى الحية النحاسية المرفوعة على عامود. لربما إذا نظر هو إلى يسوع يخلص... ولهذا بدأ ينظر ليسوع إلى أن يراه بنور جديد وجميل.

ثم بدأ يصغي ليسوع. تذكر كيف قال: «يَا أَبَتَاهُ، اغْفِرْ لَهُمْ، لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ» (لوقا 23: 34). أصغي أيضاً لما كان الآخرون يقولون عن يسوع: «خَلَّصَ آخَرِينَ وَأَمَّا نَفْسُهُ فَمَا يَقْدِرُ أَنْ يُخَلِّصَهَا!» (مرقس 15: 31)، «إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ فَانْزِلْ عَنِ الصَّلِيبِ!» (متّى 27: 40). لقد سمع الأخبار السارة من أعداء المسيح، وآمن. آمن أن يسوع هو المسيّا المنتظر لإسرائيل. لقد آمن أن يسوع كان خالياً من الخطية. لقد آمن أن باستطاعة يسوع أن يخلصه. فقد صرخ: «اذْكُرْنِي يَا رَبُّ» (لوقا 23: 42). آمن أن يسوع كان ملكاً. قال: «اذْكُرْنِي ... مَتَى جِئْتَ فِي مَلَكُوتِكَ» (لوقا 23: 42). آمن أن مملكة المسيح في مكان ما يتعدى حدود الموت. وهكذا آمن هذا المجرم الغير معروف آمن بصورة عظيمة ورائعة.

سرعان ما مات فادي الخطاة، ونور العالم ذهب إلى مناطق الموت القاتمة لينير الطريق لأول إكليل عن موت المسيح. فوق وادي ظل الموت كان ينتظر. ما بين الساعة الخامسة والسادسة في ذلك اليوم، كما يعد الناس الوقت. امتدت أياد قاسية لتضع نهاية وحشية لآلام هذا اللص المحتضرة، قاذفة إياه بعنف إلى الأبدية. لكنه تقابل على الجهة الأخرى من الشاطئ مع الرب نفسه. وأمسكت اليد المثقوبة بيد أخرى مثقوبة. وأرشد ذلك المجرم المسكين ليدخل إلى الفردوس مع ذلك الشخص الذي تعبده الملائكة. رنت السماء بنداء الراعي العظيم: «افْرَحُوا مَعِي، لأَنِّي وَجَدْتُ خَرُوفِي الضَّالَّ!» (لوقا 15: 6).

لكن تذكر، أنه كان هنالك لصان اللذان صُلبا مع المسيح. الواحد خلص لذا ليس هنالك حاجة لليأس. والآخر هلك، ولذا على كل شخص ألا يعترض. ذهب الثاني من محضر الرب إلى الجحيم. وهكذا هو الحال دائماً. أن يتقابل الإنسان وجهاً لوجه مع المسيح يعني وضع الفاصل الأعظم لهذه الحياة. أي اتجاه من الجلجثة سوف تأخذ؟ هل ستؤمن؟ هل تدعو باسم الرب وتخلص من خطاياك؟ أم هل ستدير ظهرك عنه وتخرج من حضوره إلى الأبد؟ إن الاختيار أمامك.