العودة الى الصفحة السابقة
أفتيخوس

أفتيخوس

القراءة: أعمال الرسل 7:20-12

جون نور


«وَفِي أَوَّلِ اٰلأُسْبُوعِ إِذْ كَانَ اٰلتَّلاَمِيذُ مُجْتَمِعِينَ لِيَكْسِرُوا خُبْزاً، خَاطَبَهُمْ بُولُسُ وَهُوَ مُزْمِعٌ أَنْ يَمْضِيَ فِي اٰلْغَدِ، وَأَطَالَ اٰلْكَلاَمَ إِلَى نِصْفِ اٰللَّيْلِ. 8 وَكَانَتْ مَصَابِيحُ كَثِيرَةٌ فِي اٰلْعُلِّيَّةِ اٰلَّتِي كَانُوا مُجْتَمِعِينَ فِيهَا. 9 وَكَانَ شَابٌّ اٰسْمُهُ أَفْتِيخُوسُ جَالِساً فِي اٰلطَّاقَةِ مُتَثَقِّلًا بِنَوْمٍ عَمِيقٍ. وَإِذْ كَانَ بُولُسُ يُخَاطِبُ خِطَاباً طَوِيلًا، غَلَبَ عَلَيْهِ اٰلنَّوْمُ فَسَقَطَ مِنَ اٰلطَّبَقَةِ اٰلثَّالِثَةِ إِلَى أَسْفَلُ، وَحُمِلَ مَيِّتاً. 10 فَنَزَلَ بُولُسُ وَوَقَعَ عَلَيْهِ وَاٰعْتَنَقَهُ قَائِلاً: «لاَ تَضْطَرِبُوا لأَنَّ نَفْسَهُ فِيهِ». 11 ثُمَّ صَعِدَ وَكَسَّرَ خُبْزاً وَأَكَلَ وَتَكَلَّمَ كَثِيراً إِلَى اٰلْفَجْرِ. وَهٰكَذَا خَرَجَ. 12 وَأَتَوْا بِاٰلْفَتَى حَيّاً، وَتَعَزَّوْا تَعْزِيَةً لَيْسَتْ بِقَلِيلَةٍ.»

كان التلاميذ مجتمعين في أول الأسبوع، حيث أن الرسول بولس كان حاضراً معهم يكلّمهم ويعلّمهم. ويشاركهم في اختباراته وينقل إليهم أخبار النهضة والانتعاش في كنائس الرب في كل مكان. في هذا الاجتماع المبارك والحيوي والمنعش نجد أفتيخوس الذي كان حاضراً معهم يجلس في الطاقة.

يذكر الكتاب المقدس أن أفتيخوس كان جالساً في الطاقة متثقلاً بنوم عميق. فسقط من الطبقة الثالثة ووقع ميتاً. وهذه النتيجة تساعدنا أن نميّز إن كان الوضع سليماً أم لا. لذا نريد أن نتعلم العِبَر من حادثة جلوس أفتيخوس في الطاقة، معرّجين على ذكر الأسباب التي أوصلت أفتيخوس إلى هذه الحال.

إنّ أول خطأ ارتكبه أفتيخوس هو أنه ارتقى أعلى من الآخرين. نحن لا نعرف ما هو السبب، لكن نستطيع أن نؤكد أن عند أفتيخوس أسباباً خاصة جعلته ينفرد في شخصيته عن الآخرين. وقد تكون هذه الأسباب الخاصة أعذاراً شرعية بالنسبة إلى الفرد، ولكنها تصبح غير مقبولة وغير شرعية عندما تخالف هذه الأسباب الترتيب الكتابي وتجعل الإنسان يرتفع بها عن مستوى الآخرين. كان الجميع بنفس واحدة، جسماً واحداً، يجتمعون في مكان واحد، يجمعهم هدف واحد، يربطهم مصير واحد، سيّدهم واحد، لهم خدمة واحدة.

لكن أفتيخوس انفرد عنهم وارتفع إلى الطبقة الثالثة. انتقى مكاناً مريحاً في طاقة وجلس فيها.

وجلس يراقب وكأن ما يدور حوله لا يخصه لا من قريب ولا من بعيد.

وكم من أناس في أماكن العبادة يحضرون ويجلسون بصفة مراقب للحضور مراقب للتقدمات مراقب للباس ومراقب لكي ما يجد شيئاً لانتقاده.

إن الكثيرين في أيامنا هذه يشبهون أفتيخوس. فهم يجلسون مع الجالسين ويعبدون مع العابدين ويسبحون مع المسبحين ويخدمون مع الخادمين ولكن لهم «طاقتهم» الخاصة «وطاقتهم» الخاصة يجلسون فيها باستمرار يراقبون ولا يشاركون بشكل فعل وعملي.

كانت النتيجة أن أفتيخوس وجد نفسه من دون صديق أو رفيق أو حتى محب. ولو حاول أن يجد في الكنيسة مقعداً يجلس فيه لوجد نفسه بجوار من انتقده فما أمكنه الجلوس. لم يجلس في الطاقة رغبة منه في الجلوس هناك، لكنه أوصل نفسه إلى هذا المستوى، فكانت النتيجة أن الطبقة الأولى رفضته تلقائياً لأنه رفضها، وهكذا وجد نفسه منفياً في سجن إجباري، وحيداً متقوقعاً في الطاقة.

نسأل عنه ظانين أنه ليس بموجود فيجيب من الطاقة وكأنه شبه موجود. عضو فخري ينتسب ولا يشارك.

ماذا هنالك في الطاقة؟ في الطاقة أعيش بحسب ارتياحي الشخصي وبحسب ما يمليه عليّ ضميري.إن وعظ الرسول بولس جميل جداً ولا سيما أنه ينبع من شخص مبارك قام بتأسيس كنائس متعددة ومباركة، ولكنني لست مستعداً لهذا النوع من الإيمان، أنا اختار الطريق الذي يناسبني، أنا اختار الطريق الأسهل؛ أمّا الرب فيريد لنا أن نعيش الحياة المطلوبة، المرتكزة على المبادئ الكتابية لا على استحساننا الشخصي.

ثمة تعاليم سهلة التطبيق مؤسسة على جو المرح والتساهل، وثمة تعاليم عصرية زحفت إلى بلادنا تنادي بإنجيل اجتماعي يصورّ لنا الحياة جميلة وممتعة، وإذ ذاك يحثّنا على استغلال كل ما فيها لكي نستمتع بها. ولكن كتابنا يعلّم بأن نفرح بالرب لا بالعلم وما فيه من أفراح زائفة وهمّية. «اِفْرَحُوا فِي الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ، وَأَقُولُ أَيْضًا: افْرَحُوا» (فيلبي 4:4).

ربما لم يعد أفتيخوس يحتمل كلمة الوعظ، وكما يقول النبي إشعياء: «لَمْ يَشَاءُوا أَنْ يَسْمَعُوا شَرِيعَةَ الرَّبِّ. الَّذِينَ يَقُولُونَ لِلرَّائِينَ: «لاَ تَرَوْا»، وَلِلنَّاظِرِينَ: «لاَ تَنْظُرُوا لَنَا مُسْتَقِيمَاتٍ. كَلِّمُونَا بِالنَّاعِمَاتِ» (إشعياء 9:30 و10). وكما قال بولس أيضاً: «إِنَّهُ سَيَكُونُ وَقْتٌ لاَ يَحْتَمِلُونَ فِيهِ التَّعْلِيمَ الصَّحِيحَ، بَلْ حَسَبَ شَهَوَاتِهِمُ الْخَاصَّةِ يَجْمَعُونَ لَهُمْ مُعَلِّمِينَ مُسْتَحِكَّةً مَسَامِعُهُمْ،فَيَصْرِفُونَ مَسَامِعَهُمْ عَنِ الْحَقِّ، وَيَنْحَرِفُونَ إِلَى الْخُرَافَاتِ» (2تيموثاوس 3:4 و4). هؤلاء يفضّلون المواضيع التي تلعب على أوتار العواطف والآذان ولا تؤثر في القلب أو الإرادة.

كل شيء ممتاز بالنسبة إلى هؤلاء، الترنيم ممتاز، والحضور ممتاز، «وَيَشْفُونَ كَسْرَ بِنْتِ شَعْبِي عَلَى عَثَمٍ قَائِلِينَ: سَلاَمٌ، سَلاَمٌ. وَلاَ سَلاَمَ» (إرميا 14:6). يجب أن يُصلَح الكسر أولاً ثم يُجبر. لا بد لك يا إرميا من أن تكشف الحق وتضع إصبعك على الجرح. وكما في سفر إرميا قال لك الرب: «أَمَّا أَنْتَ فَنَطِّقْ حَقْوَيْكَ وَقُمْ وَكَلِّمْهُمْ بِكُلِّ مَا آمُرُكَ بِهِ. لاَ تَرْتَعْ مِنْ وُجُوهِهِمْ لِئَلاَّ أُرِيعَكَ أَمَامَهُمْ» (إرميا 17:1).

وأخيراً جلس أفتيخوس في الطاقة لأنه ظن أن بإمكانه الاستغناء عن الكنيسة. الكنيسة تعلّم وهو استغنى عن تعليمها، الكنيسة تتعبد وهو استغنى عن العبادة، الكنيسة تخدم وهو استغنى عن الخدمة، الكنيسة تتلمذ وهو استغنى عن التلمذة، الكنيسة ترعى وتحضن أما هو فليس في حاجة إلى أحد؛ فجلس وحده. لكن لولا الكنيسة لمات وبقي ميتاً. أفتيخوس المستغني سقط من الطبقة الثالثة فوقع ميتاً، ولولا صلاة الكنيسة واحتضانها ومساعدتها لبقي ميتاً. لا بُد أن أفتيخوس استفاد مما حدث، ولم يرجع ليجلس في الطاقة بل في الكنيسة بين العابدين والمصلّين، وحيث يجب أن يجلس.