العودة الى الصفحة السابقة
إيليا

إيليا

(1 ملوك 1:17 – 16)

جون نور


«وَقَالَ إِيلِيَّا اٰلتِّشْبِيُّ مِنْ مُسْتَوْطِنِي جِلْعَادَ لأَخْآبَ: «حَيٌّ هُوَ اٰلرَّبُّ إِلٰهُ إِسْرَائِيلَ اٰلَّذِي وَقَفْتُ أَمَامَهُ، إِنَّهُ لاَ يَكُونُ طَلٌّ وَلاَ مَطَرٌ فِي هٰذِهِ اٰلسِّنِينَ إِلاّ عِنْدَ قَوْلِي».

2 وَكَانَ كَلاَمُ اٰلرَّبِّ لَهُ: 3 «اٰنْطَلِقْ مِنْ هُنَا وَاتَّجِهْ نَحْوَ اٰلْمَشْرِقِ، وَاٰخْتَبِئْ عِنْدَ نَهْرِ كَرِيثَ اٰلَّذِي هُوَ مُقَابِلُ اٰلأُرْدُنِّ، 4 فَتَشْرَبَ مِنَ اٰلنَّهْرِ. وَقَدْ أَمَرْتُ اٰلْغِرْبَانَ أَنْ تَعُولَكَ هُنَاكَ». 5 فَاٰنْطَلَقَ وَعَمِلَ حَسَبَ كََلامِ اٰلرَّبِّ وَذَهَبَ فَأَقَامَ عِنْدَ نَهْرِ كَرِيثَ اٰلَّذِي هُوَ مُقَابِلُ اٰلأُرْدُنِّ. 6 وَكَانَتِ اٰلْغِرْبَانُ تَأْتِي إِلَيْهِ بِخُبْزٍ وَلَحْمٍ صَبَاحاً وَبِخُبْزٍ وَلَحْمٍ مَسَاءً، وَكَانَ يَشْرَبُ مِنَ اٰلنَّهْرِ. 7 وَكَانَ بَعْدَ مُدَّةٍ مِنَ اٰلزَّمَانِ أَنَّ اٰلنَّهْرَ يَبِسَ لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَطَرٌ فِي اٰلأَرْضِ.

8 وَكَانَ لَهُ كَلاّمُ اٰلرَّبِّ: 9 «قُمِ اٰذْهَبْ إِلَى صِرْفَةَ اٰلَّتِي لِصَيْدُونَ وَأَقِمْ هُنَاكَ. هُوَذَا قَدْ أَمَرْتُ هُنَاكَ أَرْمَلَةً أَنْ تَعُولَكَ». 10 فَقَامَ وَذَهَبَ إِلَى صِرْفَةَ. وَجَاءَ إِلَى بَابِ اٰلْمَدِينَةِ، وَإِذَا بِاٰمْرَأَةٍ أَرْمَلَةٍ هُنَاكَ تَقُشُّ عِيدَاناً، فَنَادَاهَا وَقَالَ: «هَاتِي لِي قَلِيلَ مَاءٍ فِي إِنَاءٍ فَأَشْرَبَ». 11 وَفِيمَا هِيَ ذَاهِبَةٌ لِتَأْتِيَ بِهِ نَادَاهَا وَقَالَ: «هَاتِي لِي كِسْرَةَ خُبْزٍ فِي يَدِكِ». 12 فَقَالَتْ: «حَيٌّ هُوَ اٰلرَّبُّ إِلٰهُكَ إِنَّهُ لَيْسَتْ عِنْدِي كَعْكَةٌ، وَلٰكِنْ مِلْءُ كَفٍّ مِنَ اٰلدَّقِيقِ فِي اٰلْكُوَّارِ، وَقَلِيلٌ مِنَ اٰلزَّيْتِ فِي اٰلْكُوزِ، وَهَئَنَذَا أَقُشُّ عُودَيْنِ لآتِيَ وَأَعْمَلَهُ لِي وَلاٰبْنِي لِنَأْكُلَهُ ثُمَّ نَمُوتُ». 13 فَقَالَ لَهَا إِيلِيَّا: «لاَ تَخَافِي. اٰدْخُلِي وَاٰعْمَلِي كَقَوْلِكِ، وَلٰكِنِ اٰعْمَلِي لِي مِنْهَا كَعْكَةً صَغِيرَةً أَوَّلاً وَاٰخْرُجِي بِهَا إِلَيَّ، ثُمَّ اٰعْمَلِي لَكِ وَلاٰبْنِكِ أَخِيراً. 14 لأَنَّهُ هٰكَذَا قَالَ اٰلرَّبُّ إِلٰهُ إِسْرَائِيلَ: إِنَّ كُوَّارَ اٰلدَّقِيقِ لاَ يَفْرُغُ، وَكُوزَ اٰلزَّيْتِ لاَ يَنْقُصُ، إِلَى اٰلْيَوْمِ اٰلَّذِي فِيهِ يُعْطِي اٰلرَّبُّ مَطَراً عَلَى وَجْهِ اٰلأَرْضِ». 15 فَذَهَبَتْ وَفَعَلَتْ حَسَبَ قَوْلِ إِيلِيَّا، وَأَكَلَتْ هِيَ وَهُوَ وَبَيْتُهَا أَيَّاماً. 16 كُوَّارُ اٰلدَّقِيقِ لَمْ يَفْرُغْ، وَكُوزُ اٰلزَّيْتِ لَمْ يَنْقُصْ، حَسَبَ قَوْلِ اٰلرَّبِّ اٰلَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ عَنْ يَدِ إِيلِيَّا».

إيليا، كان إنساناً تحت الآلام مثلنا، استطاع أن يقوم بأعمال جبارة وعظيمة. وذلك بعد أن تعرّض لأزمة لجوع وبعد أن تعرض لصعوبات – بعد أن اجتاز الآلام التي يجب أن يكون تحتها، وبعدما خرج مزكى، حينئذ استطاع إيليا أن يقوم بما قام به. فكان لا بد من امتحان في زمن الجوع، قبل تلك الوقفة الصامدة التي وقفها أمام الملك آخاب وزوجته إيزابل.

كلنا نتوق إلى هذه المنجزات التي جرت في حياة إيليا. لكن لا ننسى أن إيليا قد دفع ثمنها بسرور.

قال له الرب: أختبئ، انطلق من هنا واتجه نحو المشرق واختبئ. وأنا أعتقد أن هذا الدرس هو من أصعب الدروس على أي إنسان. درس الاختباء، إخفاء الذات، غياب عن المسرح، ابتعاد عن الأضواء المسلطة، قهر للذات، (بمعنى قمعها) حتى لا يتسرب الغرور والكبرياء إليها. قال الرب لإيليا: اختبئ، ابتعد عن مركز الصدارة، ابتعد عن المتكآت الأولى، ابتعد عن التصفيق والهتاف، واحسب نفسك نسياً منسياً، عد إلى لا شيء، كأنك لم تكن، اعتبر نفسك أن لا مقام لك، لكي تظهر نعمة الله في حياتك. اختبئ، عند نهر كريث و(كريث) تعني وهدة أي مكان منخفض من يوجد فيه لا يرى ولا يظهر، تغطيه الجبال والأشجار (مكان الاختباء والإخفاء الحقيقي)، انزل إلى الوهدة قبلما تصعد إلى جبل الكرمل. اذهب، اختبئ في مكان مقفر بعيد، اذهب إلى البرية، يوحنا المعمدان كان في البراري، وبولس ذهب إلى العربية – إلى البرية. يسوع اقتيد بالروح إلى البرية، موسى قضى أربعين عاماً في البرية.

فعمل إيليا حسب كلام الرب. فقام وذهب، عمل إيليا بحسب كلام الرب. إبراهيم يقول له الرب: «اذْهَبْ مِنْ أَرْضِكَ وَمِنْ عَشِيرَتِكَ وَمِنْ بَيْتِ أَبِيكَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُرِيكَ» (تكوين 12: 1) وماذا أعطيك بالمقابل إن أطعت أجعلك أمة عظيمة وبالإيمان إبراهيم لما دعي أطاع وهو لا يعلم أين يأتي أما إيليا فعمل حسب كلام الرب، تدرب على حياة الطاعة، الطاعة الكاملة لكلمة الرب الكاملة، الطاعة المباركة لكلمة الله المقدسة. إيليا أطاع كلمة الرب طاعة حرفية، إيليا أطاع طاعة حرفية لأن (حسابات العقل البشري لا تدخل في ترتيبات الله). أطاع إيليا طاعة كاملة فورية رغم الظروف الصعبة. كان عليه أن يستخدم تفكيره ويختار لنفسه. لكنه فضل في هذا الظرف بالذات، أن يطيع طاعة كاملة.

وكانت الغربان تأتي إليه بخبز ولحم صباحاً وبخبز ولحم مساءً. لم يقل له الرب: اذهب إلى نهر كريث وهناك يوجد مخزن مليء باللحم والخمر، والنهر إلى جانبك، عندما ترى المخزن ترتاح أحشاؤك وتتأكد أن لك خيرات كثيرة لسنين عديدة فترتاح وتطمئن، تعامل الله مع إيليا في زمن الجوع برؤى قصيرة المدى. قال له: «قَدْ أَمَرْتُ الْغِرْبَانَ أَنْ تَعُولَكَ هُنَاكَ» (1ملوك 17: 4) «إذاً لتأتني بمؤونة أسبوع أو شهر من الزمن». لكن الأمر الإلهي صدر للغربان لتأتي إليه بخبز ولحم صباحاً وبخبز ولحم مساءً. ألم يعلمنا المسيح أن نصلي: «خُبْزَنَا كَفَافَنَا أَعْطِنَا الْيَوْمَ» (متّى 6: 11)، «لاَ تُعْطِنِي فَقْرًا وَلاَ غِنًى. أَطْعِمْنِي خُبْزَ فَرِيضَتِي، أَعْيُنُ الْكُلِّ إِيَّاكَ تَتَرَجَّى، وَأَنْتَ تُعْطِيهِمْ طَعَامَهُمْ فِي حِينِهِ» (أمثال 30: 8، مزمور 145: 15)).

وتدرب إيليا على النظر إلى الرب وحده الإله الذي يسخّر الظروف والناس وسائر المخلوقات لإتمام مشيئته، إلهنا الذي وضع الملائكة في خدمة أولاده وكان بعد مدة من الزمان أن النهر يبس. وكانت هذه الحالة بالنسبة له من أصعب الحالات (النهر يبس لأنه لا مطر ولا طل).

والآن، من البديهي أن ترتسم علامات استفهام صغيرة وكبيرة في مخيلة إيليا: ما هو قصد الرب؟ كان الرب يريد أن يعلّم إيليا درساً جديداً: التسليم. حياة التسليم ليس معناها أن لا نفكر، أو أن نكون مسلوبي الإرادة، كلا... بل حياة التسليم معناها أن نفكر بحرية ضمن الإرادة الإلهية، أما إيليا، بعد أن يبس النهر وجف، جلس يوماً ويومين وثلاثة..

«قُمِ اذْهَبْ إِلَى صِرْفَةَ الَّتِي لِصِيدُونَ (إلى لبنان) وَأَقِمْ هُنَاكَ. هُوَذَا قَدْ أَمَرْتُ هُنَاكَ أَرْمَلَةً أَنْ تَعُولَكَ» (1ملوك 17: 9) يا رب أنا أفضل إعالة الغربان مع قباحة منظرها، وشاطئ نهر كريث مع يبوسته على مرحلة ذل فيها أعال بواسطة أرملة فقيرة. الأغنياء في لبنان كثيرون أرسلني إلى واحد منهم. لا! بل إلى امرأة أرملة ... إنه درس التواضع والتجريد من كل شيء. ربما فكر إيليا أنه قد جاء وقت الفرج، لكن، جاء الدرس القاسي والصعب. لقد انتهينا من كل يوم بيومه، ومن كل علفة بعلفة، وقد حان وقت الشبع والاستقرار. لا!.. هناك امرأة أرملة ستعولك... ربما اعتملت في رأسه عدة أفكار وعوامل فاضطرب، واندهش، وتسائل في قلبه، لكن ما أن وصل إلى صرفه حتى كانت عملية غسل الدماغ قد انتهت وعملية التجريد وصلت إلى نهايتها فارتضى أن يسكن مع هذه الأرملة. أن يتعلم أن يأخذ كل شيء من يد الرب. وأنا أعتقد أن هذا الدرس بركة لحياتنا إذا تأخرت الغربان لا يتأفف ويلومها لأنها تناست أنه جائع، ومن جهة أخرى... إذا جاءته بقطعة لحم كبيرة كان يشكر في قلبه ويأخذها من يد الرب وليس من الغربان.

والآن عندما يقول الرب: قد أمرت هناك أرملة، كان لزاماً عليه أن يدرب نفسه ويأخذ الموضوع من يد الرب ما دام هنالك أمر إلهي علينا أن نأخذ كل شيء من يد الرب حسناً كان أم عكسه.

ليتنا نتعلم هذه الدروس المباركة أن نأخذ من يد الرب ونشكره لأجل كل عطاياه مهما كانت كبيرة أم صغيرة ماذا كانت النتيجة بالنسبة لإيليا بعد هذه الأمور؟ قال له الرب قم تراء لأخاب فبرز شجاعاً ومؤمناً ومطيعاً، والرب باركه واستخدمه.