العودة الى الصفحة السابقة
العَائِلة التي أحَبّت يَسوع

العَائِلة التي أحَبّت يَسوع

جون نور


«وَكَانَ يَسُوعُ يُحِبُّ مَرْثَا وَأُخْتَهَا وَلِعَازَرَ» (يوحَنا 5:11)

هي عَائِلة تُقيم في قَرية بيت عِنيا. ولا نعرف شيئاً كَثيراً عن أصلها وعدد أفرادها ومركزها الاجتِماعي والاقتِصادي كَما أننا لا نعرف باليقين شيئاً عن مُستقبلها. كل ما نعرفه هو القليل الذي دَوّنه كتبة البشائِر وما نَستَنتِجه من خلال مَا كَتبوه. ونعرف أيضاً ما كتبه المُحدثون منسوباً إلى آباء الكَنيسة. وهَذا لا نَتلقّاه إلاّ بِكَثير من الحَذر!!

لِذَلك عِندَما نَقرأ أن أحد أفراد الأسرة التي نتحدّث عنها كان من نسل عَزرا أو كان يعمل في خدمة عَزرا، ننظر بتقدير خاص إلى تلك الأسرة. ومع أن كل ما قيل من هذا القبيل لا يستند إلاّ إلى مَسموعات لا تَرتَقي إلى دَرجة الحَقائِق اليَقينيّة إلاّ أننا نُحاوِل أن نُقنِع أنفسنا أن الأمر هو كما تَقول المَسموعات!

وأعضاء الأسرة الذين نعرفهم ثلاثة وإن كان البَشير يكتب اسماً رَابِعاً!!

فَهُناك مَرثا ويُظنّ أنها أكبر أفراد الأُسرة، أو عَلى الأقل أكبر الثَلاثة الذين نَعرِفهم. قيل إنها كَانت لا تَزال عَذراء، وقيل إنها كانت أرملة وإن زوجها كان سَمعان الأبرص الذي ذكره أحد البَشيرين – وقيل، بل إن سمعان الأبرص كان عَائِشاً ولَكِنه كان في حُكم المَيّت إذ كان أبرَص. ولكن يسوع شَفاه من بَرَصِه مَع مَن شَفاهُم مِن البرص!!

والشَخص الثَاني الذي يُطالِعنا في الأسفار المُقدّسة هو مَريم. وهذه أيضاً قيل فيها الكَثير بِخِلاف مَا وَرد عَنها في الكتاب. قيل أنها كَانت صُغرَى أفراد الأُسرة وأنها كانت فَتاة جَميلة تَقيّة تَميل إلى الخلوة مع الله وأنها كَانت تَقضي سَاعات طَويلة في تأمّلات روحِيّة. ويُصوّرها البَعض في صورة العَذراء المُبارَكة جَاثِية تُصلّي!!

وقيل إنها هي مَريم المَجدلية التي أخرج منها السيد سبعة شَياطين. وَقيل إنها المَرأة الخَاطِئة التي جَاءَت إلى يَسوع عِندَما كان في بيت سَمعان الفَرّيسي وإنها هي المَرأة التي قَال عَنها السَيّد قد غُفِرت خَطاياها الكَثيرة لأنها أحبّت كَثيراً.

وقيل إنها كانت فتاة عَذراء طاهرة وإنها عندما بلغت سن الزواج تَزوّجها يُوحَنا الحَبيب أحد التَلاميذ.

أمّا الشَخص الثَالِث الذي نلقاه في ذلك البيت المُبارَك فهو أخو المَرأتين وهو شاب قال البَعض إنه أصغَر من مَرثا وأكبَر من مريم. وقال آخرون إنه أصغَر أفراد الأُسرة. وإنه لِذَلِكَ كَان مَوضوع الإعزاز والتَدليل – وقال البَعض إنه كان أحد أفراد الكَتبة ولَكِنه اختَلف عَن جَميع الكَتبة في أمَانَتِه لله وخَلاص حَياتِه. وإنه أُصيبَ بِالمَرض بِسَبب جُهدِه في كِتابِة الأسفار المُقدّسة. وإن العِلّة اشتدّت عَليه ولَم يَستَطِع أن يُقاوِمها بِسَبب ضَعفِه النَاشِئ مِن كُثرِة العَمل.

دَعونا نُرافِق الموكِب المُبارَك الذي يضمّ يَسوع وتَلاميذه إلى تِلك القَرية الصَغيرة. وهَلمّ بِنا نَدخل مَعه بَيت مَرثا ومَريم ولِعازَر.

توزّع الضيوف في جوانب البَيت. وجَلس كل جَماعة يَتحدّثون مَعاً في موضوعات مُختلفة. ونحن نرى يسوع مُنتحياً أحد الأركان وقد جلس على أريكة ومدّ قَدميه مُستَرخياً على مقعد آخر. وعند قدميه جلست مريم وقد ضاء وَجهها بنور سماوي. وكان قلبها جائِعاً إلى النور فكانت تَتلقّف كلام السيّد كنُقط من النَدى تُحيي يبس زهورها أو كأشِعة من النور تجلو ظَلام نَفسها!

ولا بد أنه حدّثها عن محبة الله في الأزهار والأشجار، في الأنهار والبِحار، في التِلال والجِبال.. المَحبّة التي تَجلّت في العناية بِالعَصافير والغُربان وزَنابِق الحَقل. المحبة التي تنظر إلى الخاطِئ كَدِرهَم مَفقود وكَخروف ضال وكابن شَارِد!!

لقد حدّثوها سابقاً عن الله الذي يُمسِك سِياطه ويجلد الناس عِندَما يَكسِرون وَصاياه. لقد حَدّثوها عَن القُدّوس العَادِل الطَاهِر ولَكِنهم لَم يُحدّثوها عن الله المُحِب.

هل يُمكِن أن يَكون هَذا؟ هَل يُمكِن؟ لم تَعُد ترى شَيئاً غير ذلك الإله العَجيب الذي هو مَحبّة! اختَفى من أمام عَينيها كُل شَيء! اختَفى البَيت!! واختَفى سُكّانه!! نسيت مرثا! نسيت نفسها!! لم تعد تَرى إلاّ ذلك الوجه الصَبوح الذي أشرَق بِالنور!

لم تعد ترى إلاّ يَسوع!! وبَينَما روح مريم مُنطلقة في سماء تأمّلاتها، بينما هي تنظر أمامها ولا تنظر بينما هي تسمع موسيقى سَماوِية وقد صمت أُذناها عن كل أصوات الأرض، بَينما هي كذلك صدمت أذنها كلمات جاءت كأنها من وادٍ سَحيق:

«يَا رَبُّ، أَمَا تُبَالِي بِأَنَّ أُخْتِي قَدْ تَرَكَتْنِي أَخْدُمُ وَحْدِي؟ فَقُلْ لَهَا أَنْ تُعِينَنِي!» (لوقا 10: 40).

كانت تُرسِل نحو أختها نظرات داعية فيها كثير من الغضب. وهي تراها تجلس هادِئة ساكِنة كما لو لم يكن هناك شيء يشغل فِكرها، بل تَراها تَتجاهَل نَظراتها الغَاضِبة. ولم تستطِع مَرثا أن تحتمل هذا الإغفال من مريم، كما أنها لم تستطِع أن تَحتَمِل تجاهل المُعلّم لارتباكها واحتِجازه لمريم فَتقدّمت إلَيه عَاتِبة لائِمة وقَالَت: يَا مُعلّم أما تُبالي أن أُختي قد تَركتني أخدِم وَحدي فَقُل لَها أن تُعينني! وَفاضَت عَينا السَيّد حَناناً ونَظر إلى مَرثا نَظرة مَملوءة محبة ورِقّة... ولَوماً! وقال: «مَرْثَا، مَرْثَا، أَنْتِ تَهْتَمِّينَ وَتَضْطَرِبِينَ لأَجْلِ أُمُورٍ كَثِيرَةٍ وَلكِنَّ الْحَاجَةَ إِلَى وَاحِدٍ. فَاخْتَارَتْ مَرْيَمُ النَّصِيبَ الصَّالِحَ الَّذِي لَنْ يُنْزَعَ مِنْهَا!» (لوقا 10: 41 و42).

نعم أيها الأحباء إن الحاجة إلى واحد لا تجعل العالم يأخذك عزيزي المستمع ويغرقك في متاهاته ودومته التي تبعدك عن جو الشركة والعلاقة مع إلهك حتى لا يأتي الوقت الذي يقول لك فيه الرب إنك تهتم وتضطرب لأمور كثيرة لكن الحاجة إلى واحد.