العودة الى الصفحة السابقة
إشباع الخمسة آلآف

إشباع الخمسة آلآف

جون نور


«1 فِي تِلْكَ اٰلأَيَّامِ إِذْ كَانَ اٰلْجَمْعُ كَثِيراً جِدّاً، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَا يَأْكُلُونَ، دَعَا يَسُوعُ تَلاَمِيذَهُ وَقَالَ لَهُمْ: 2 «إِنِّي أُشْفِقُ عَلَى اٰلْجَمْعِ، لِأَنَّ اٰلآنَ لَهُمْ ثََلاثَةَ أَيَّامٍ يَمْكُثُونَ مَعِي وَلَيْسَ لَهُمْ مَا يَأْكُلُونَ. 3 وَإِنْ صَرَفْتُهُمْ إِلَى بُيُوتِهِمْ صَائِمِينَ يُخَّوِرُونَ فِي اٰلطَّرِيقِ، لأَنَّ قَوْماً مِنْهُمْ جَاءُوا مِنْ بَعِيدٍ». 4 فَأَجَابَهُ تَلاَمِيذُهُ: «مِنْ أَيْنَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يُشْبِعَ هٰؤُلَاءِ خُبْزاً هُنَا فِي اٰلْبَرِّيَّةِ؟» 5 فَسَأَلَهُمْ: «كَمْ عِنْدَكُمْ مِنَ اٰلْخُبْزِ؟» فَقَالُوا: «سَبْعَةٌ». 6 فَأَمَرَ اٰلْجَمْعَ أَنْ يَتَّكِئُوا عَلَى اٰلأَرْضِ، وَأَخَذَ اٰلسَّبْعَ خُبْزَاتٍ وَشَكَرَ وَكَسَرَ وَأَعْطَى تَلاَمِيذَهُ لِيُقَدِّمُوا، فَقَدَّمُوا إِلَى اٰلْجَمْعِ. 7 وَكَانَ مَعَهُمْ قَلِيلٌ مِنْ صِغَارِ اٰلسَّمَكِ، فَبَارَكَ وَقَالَ أَنْ يُقَدِّمُوا هٰذِهِ أَيْضاً. 8 فَأَكَلُوا وَشَبِعُوا، ثُمَّ رَفَعُوا فَضَلاَتِ اٰلْكِسَرِ: سَبْعَةَ سِلاَلٍ. 9 وَكَانَ اٰلآكِلُونَ نَحْوَ أَرْبَعَةِ آلاَفٍ. ثُمَّ صَرَفَهُمْ. 10 وَلِلْوَقْتِ دَخَلَ اٰلسَّفِينَةَ مَعَ تَلاَمِيذِهِ وَجَاءَ إِلَى نَوَاحِي دَلْمَانُوثَةَ» (مرقس 1:8 – 10).

قارن (متّى 32:15 – 39).

اعتقد البعض أن هذه المعجزة ومعجزة إشباع الجموع بالخمس خبزات والسمكتين كما هي مذكورة في انجيل (يوحنا 1:6 – 15) هما معجزة واحدة، وهذا غير صحيح، فالمقارنة بين الاثنين توضح أنهما معجزتان وليس معجزة واحدة.

المعجزة الأولى كانت بخمس خبزات وسمكتين بينما هذه المعجزة كانت بسبعة أرغفة وقليل من صغار السمك. وقد دونت المعجزة الأولى في الأناجيل الأربعة بينما هذه المعجزة دونت في متّى ومرقس فقط. وحدثت المعجزة الأولى في الجليل بالقرب من بيت صيدا وكان قادة اليهود من الحاضرين، أما المعجزة الثانية فكانت بالقرب من ديابوليس وكان معظم الحضور من الأمم. في المعجزة الأولى كانت الجموع مع يسوع ليوم واحد بينما في الثانية كانوا معه ثلاثة أيّام. واختلفت المعجزتان أيضاً في النتيجة، لقد رفعوا 12 قفة من الكِسر بعدما أكل الجميع وشبعوا، بينما ما فضل عن المعجزة الثانية سبعة سلال.

على أي حال تقدم لنا هذه المعجزة فرصة أخرى لنرى حنان وشفقة يسوع على الجموع لئلا يخوروا في الطريق. وإذ أعلن أمام التلاميذ مشاعره نحو الجموع ورغبته في إطعامهم، تقدموا إليه بسؤالهم.

السؤال: من أين يستطيع أحد أن يشبع هؤلاء خبزاً في البرية؟ بسبب صيغة السؤال رأى البعض أن هذه القصة هي نفس قصة الخمس خبزات، وتساءلوا كيف يقول التلاميذ ذلك بعد أن عمل يسوع أمامهم معجزة الخمس خبزات والسمكتين؟

على أن سؤال التلاميذ يعني استحالة تدبير الأمر وإشباع هذه الجموع...!! ونحن نتساءل: لماذا؟ لماذا لم يكن للتلاميذ إيمان بأن يسوع قادر أن يفعل هذا؟ هل لأنهم في برية؟ وبالتالي، ومن الناحية البشرية، يستحيل أن يستطيع أحد أن يشبع هؤلاء خبزاً. والتلاميذ في هذا يكررون خطية أجدادهم الذين: «جَرَّبُوا اللهَ فِي قُلُوبِهِمْ، بِسُؤَالِهِمْ طَعَامًا لِشَهْوَتِهِمْ. فَوَقَعُوا فِي اللهِ. قَالُوا: هَلْ يَقْدِرُ اللهُ أَنْ يُرَتِّبَ مَائِدَةً فِي الْبَرِّيَّةِ؟ هُوَذَا ضَرَبَ الصَّخْرَةَ فَجَرَتِ الْمِيَاهُ وَفَاضَتِ الأَوْدِيَةُ. هَلْ يَقْدِرُ أَيْضًا أَنْ يُعْطِيَ خُبْزًا، أَوْ يُهَيِّئَ لَحْمًا لِشَعْبِهِ؟» (مزمور 78: 18 - 20).

يبدو أن التلاميذ أيضاً بسؤالهم كانوا يفكرون في الإمكانيات البشرية «مِنْ أَيْنَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يُشْبِعَ هؤُلاَءِ؟» (مرقس 8: 4) «فمن من البشر لديه الإمكانيات أن يطعم هذا الجمع الغفير؟» وهذا منطق طبيعي، «عِنْدَ النَّاسِ غَيْرُ مُسْتَطَاعٍ، وَلكِنْ عِنْدَ اللهِ كُلُّ شَيْءٍ مُسْتَطَاعٌ» (متّى 19: 26). ثم إن صيغة السؤال في (متّى 33:15) «مِنْ أَيْنَ لَنَا فِي الْبَرِّيَّةِ خُبْزٌ بِهذَا الْمِقْدَارِ، حَتَّى يُشْبِعَ جَمْعًا هذَا عَدَدُهُ؟» هذا السؤال يظهر عدم إيمان التلاميذ وعدم فهمهم. لم يفهموا أن أمراً هكذا أكبر من قدراتهم هم، ولم يؤمنوا أن الرب الذي معهم والذي أجرى من قبل معجزة شبيهة وأشبع الجموع هو بنفسه معهم ويستطيع في البرية أن يشبع هذه الجماهير.

أجاب المسيح على سؤالهم بسؤال: «كَمْ عِنْدَكُمْ مِنَ الْخُبْزِ؟» (متّى 15: 34). فالمسيح لم يضيع وقته في جدل وحوار مع التلاميذ غير المؤمنين، بل كان شغله الشاغل إشباع الجموع وتسديد احتياجهم. وهو هنا لا يسأل بسبب عدم علمه، بل لينبههم لقلة الطعام الموجود وإذ أجابوه بأنه يوجد سبعة من الخبز، أمر الجمع أن يتكئوا على الأرض وفي هذا يضع الرب تحدياً أمام التلاميذ، الذين بسؤالهم أرادوا أن يلقوا بالمسؤولية عن أكتافهم، كأنهم يقولون نحن لا نملك شيئاً لكي نساعد به الآخرين، إلا أن طريقة يسوع هي أن تساعد بالقليل الذي نملك، مثلما فعل يسوع من قبل أخذ الخبزات وشكر وكسر وأعطى التلاميذ ليقدموا للجمع.

بقي أن نشير إلى مكان المعجزة، حيث كان يسوع قد «خَرَجَ أَيْضًا مِنْ تُخُومِ صُورَ وَصَيْدَاءَ، وَجَاءَ إِلَى بَحْرِ الْجَلِيلِ فِي وَسْطِ حُدُودِ الْمُدُنِ الْعَشْرِ» (مرقس 31:7)، وهو نفس المكان الذي إليه ذهب قبلاً الإنسان الذي كان به اللجئون وشفاه يسوع (مرقس 1:5 – 20). فبعد أن صار ذلك المجنون لابساً وجالساً وعاقلاً، وكان يرغب أن يكون مع يسوع، لكن «يَسُوعُ، بَلْ قَالَ لَهُ: اذْهَبْ إِلَى بَيْتِكَ وَإِلَى أَهْلِكَ، وَأَخْبِرْهُمْ كَمْ صَنَعَ الرَّبُّ بِكَ وَرَحِمَكَ فَمَضَى وَابْتَدَأَ يُنَادِي فِي الْعَشْرِ الْمُدُنِ...» (مرقس 20:5). وكان بعض من هؤلاء قد طلبوا «إِلَيْهِ أَنْ يَمْضِيَ مِنْ تُخُومِهِمْ» (مرقس 17:5) لكنهم الآن يذهبون وراءه. وكان بالتأكيد لشهادة ذلك الإنسان التأثير الفعال في هذا. وهكذا الذين كانوا معه وشبعوا من خلال المعجزة وكان عددهم نحو أربعة آلاف، صاروا بالتأكيد شهوداً له ولأعماله المعجزية.