العودة الى الصفحة السابقة
الرجل المولود مرتين

الرجل المولود مرتين

جون نور


ورد ذكر نيقوديموس ثلاث مرات فقط في الكتاب المقدس كلها في إنجيل يوحنا.

كان نيقوديموس مهتماً للغاية بيسوع الناصري، المعلم من الجليل الذي أثار مؤخرا ضجة في أورشليم. كان اهتمامه بيسوع من وجهة مهنية لأن نيقوديموس كان عضوا في السنهدريم، وهو المجمع الديني الأعلى والجهاز الحاكم لليهود.

لقد كان شرفاً نادراً أن يكون المرء عضواً في السنهدريم. اجتمع السنهدريم يومياً مع الرئيس الذي احتل كرسياً مرتفعاً ومع ثلاثة وعشرين عضواً مشكلين نصاباً «عدد الأعضاء الذين يتعين حضورهم الجلسة لتصبح قانونية) كان بين واجبات السنهدريم أن يشرف على الحياة الدينية للشعب وأن يحافظ ضد سقوطه في عبادة الأوثان، ويقضي على الهرطقة وكان للسنهدريم اهتمام خاص في الهيكل.

عند زيارته الأولى لأورشليم، أخذ الرب سوطاً وطهّر الهيكل طارداً الأشخاص الذين قلبوا ساحاته إلى مكان للتجارة. كان عمل هذا النجار الفتى بمثابة هزة للسنهدريم إذ أنه احتمل هذا الأمر في الهيكل لفترة طويلة. حنق الكثيرون على يسوع، أما نيقوديموس فقد كان معنياً، ولذا قام بزيارة خاصة ليسوع. كان يسوع يهم نيقوديموس من جهة مهنية. كان يسوع يعني نيقوديموس شخصياً، كما أنه رجل متدين. لقد كان عضواً في حزب الفريسيين الذي كان أكثر الأحزاب الدينية صرامة في عصر يسوع. كان الفريسيون يقرأون ويدرسون ويحفظون التوراة. كانوا يصومون مرتين في الأسبوع. يصلون الصلوات الطويلة مرات عديدة غالباً في الأماكن العامة، كانوا يعشّرون دخلهم بالتدقيق، لدرجة تعشير الأعشاب المزروعة في حديقتهم. كانوا متحفظين في مبادئهم الدينية، غيورين على حفظ السبت، كرماء في الأعمال الخيرية، مواظبين على حضور بيت الله.

هكذا الحال مع نيقوديموس، فقد كان رجلاً أخلاقياً، متديناً، محترماً، مستقيماً. لقد كان يمتاز بجميع الصفات التي يمكن لرجل أن يمتاز بها، مثقفاً ومهذباً وحسن النشئة.

بالحقيقة كان مهتماً بيسوع. أراد فعلاً هذا الرجل، العامل الغير متعلم الذي أحدث عجائب ذاع صيتها في القسم الشمالي من البلاد والذي كان دخوله إلى أورشليم مثيراً للخلاف. لذلك فقد أتى يسوع ليلاً. لقد جاء نيقوديموس، هذا هو الأمر المهم أن نلاحظه جاء إلى يسوع. هل أتيت أنت أيضا إلى يسوع؟

بدأ نيقوديموس بخطاب ذي أسلوب متملق ومدح وأدب. ولكن قبل أن يكمل كلامه قاطعه الرب بعبارة مدهشة للغاية لم يسمع مثلها من قبل، «إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنْ فَوْقُ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَى مَلَكُوتَ اللهِ». ارتجف نيقوديموس «كَيْفَ يُمْكِنُ الإِنْسَانَ أَنْ يُولَدَ وَهُوَ شَيْخٌ؟» سأل يسوع: «أَلَعَلَّهُ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ بَطْنَ أُمِّهِ ثَانِيَةً وَيُولَدَ؟» (يوحنا 3: 3 و4).

لقد أدت ملاحظة الرب إلى انهيار كل آمال نيقوديموس الدينية. فالبرج المبني بكل حذر من أعمال حسنة، وعيشة خُلقية وبارة، وممارسات دينية وكل ما كان يتعلق به إيمانه قد انهار في لحظة واحدة. كان بحاجة لأن يولد من جديد أو يبقى للأبد خارج ملكوت الله. لم يجادل نيقوديموس هذا الأمر الذي دمر كضربة كل آماله. لم يسأل «لماذا» بل سأل «كيف؟» يا رب، أخبرني المزيد، أخبرني كيف؟ «كَيْفَ يُمْكِنُ الإِنْسَانَ أَنْ يُولَدَ وَهُوَ شَيْخٌ؟» كيف يمكن لهذا الأمر أن يكون؟

بكل صبر شرح الرب الأمر لنيقوديموس: «اَلْمَوْلُودُ مِنَ الْجَسَدِ جَسَدٌ هُوَ، وَالْمَوْلُودُ مِنَ الرُّوحِ هُوَ رُوحٌ» (يوحنا 3: 3 و4). فالولادة الجسدية شيء والولادة الروحية شيء آخر. فالولادتان شيئان مختلفان. الولادة الجسدية «هي من الجسد»، والولادة الروحية «هي من الروح».

توجد هنالك خطوات بسيطة لكي يولد الإنسان من عائلة الله. أولا، يجب أن «نؤمن باسمه»، أي باسم الرب يسوع، إسم يسوع يعني «مخلّص» «وَتَدْعُو اسْمَهُ يَسُوعَ. لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ» (متّى 21:1). هل وصلت إلى هذه الخطوة؟ هل تؤمن أن يسوع وحده بإمكانه أن يخلصك من خطاياك؟ لقد مات الرب يسوع على صليب الجلجثة من أجل خطاياك (1كورنثوس 3:15). هل تؤمن بهذا؟

والخطوة التالية هي أن تقبله «وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللهِ» (يوحنا 1: 12). أن يؤمن المرء في المسيح شيء وأن يقبله شيء مختلف تماماً. لو قدم أحدهم لك هدية ربما تصدق أن التقدمة حقيقية ومرغوب بها ولكن لن تصبح الهدية ملكك إلا إذا قبلتها شخصياً. وهكذا الأمر مع المسيح. هل قبلته بعد؟ هل أخذته كمخلّصك الشخصي من الخطية؟ هل طلبت منه أن يدخل ويشاركك حياتك وأن يمنحك حياته؟

إن الخطوتين الأوليتين هما مسؤوليتك أنت، فعليك أن تؤمن به وتقبله. في اللحظة التي تعمل هذا تصبح ابناً لله كما وعد الله. فهو يعمل العجيبة وتصبح مولوداً في عائلة الله. ففي الولادة الطبيعية هنالك عمل الإنسان وعمل الله. الله هو الذي يمنح الحياة. ولكل طفل جديد يمنح حياة بشرية وكل الإمكانيات للنمو والبلوغ. وكذلك الحال في الولادة الروحية. فالله يمنح حياة جديدة في المسيح، طبيعته الإلهية الأزلية. ومع هذه الحياة يعطينا الإمكانية لنمو الروح الكامل والبلوغ.

فهل تؤمن باسمه وتقبله؟ إذا كان جوابك بالإيجاب فإنك سوف تولد ثانية. الله يؤكد ذلك. إذا قمت بمسؤوليتك فإنه سوف يعمل عمله أيضاً.

«الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنْ فَوْقُ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَى مَلَكُوتَ اللهِ» (يوحنا 3:3).