العودة الى الصفحة السابقة
استفانوس

استفانوس

جون نور


«فَكَانُوا يَرْجُمُونَ اسْتِفَانُوسَ وَهُوَ يَدْعُو وَيَقُولُ: أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوعُ اقْبَلْ رُوحِي» (أعمال 59:7)

لا يمكن لنا ونحن نتعرض لقصة أول شهيد مسيحي إلا أن نقف متعجبين أمام حكمة الله التي تعلو فوق كل إدراك وفهم!!... كان استفانوس من أعظم الشخصيات التي ظهرت في الكنيسة الأولى.

إن الاسم «استفانوس» يعني «تاج» أو «إكليل» هو أول جندي من جنود المسيح فاز بالتاج أو الإكليل . يذهب البعض في أنه كان صائغاً من أتباع الإمبراطورة ليفيا وعبداً لها، وأنه قد مُنح الحرية، ويقول آخرون، أنه كان واحداً من السبعين الذين اختارهم المسيح للتبشير والخدمة،.. ويعتقد غيرهم أنه جاء إلى المسيح بواسطة عظة بطرس يوم الخمسين.

لما نمت الكنيسة في أورشليم، لم يتيسر تنظيم إطعام الجماهير المحتاجة أو خدمتهم بأسلوب منظم دقيق، فحدث غبن للبعض وعلى وجه الخصوص أرامل اليونانيين، ويعتقد البعض أن روح الحزبية تدخلت بهذه الصورة أو تلك في الاهتمام بالعبرانيات أكثر من اليونانيات، وعلق هؤلاء على أن هذه الروح بدأت في الكنيسة، وما تزال إلى اليوم تأخذ هذه الصورة أو تلك في التفرقة بسبب اللون أو الجنس أو الثقافة أو الحالة الاجتماعية، أو ما أشبه، مما دخل عن وعي أو من غير وعي، إلى يومنا الحاضر إلى الحياة الروحية والكنيسة،... غير أنه ما أن بلغ هذا التذمر آذان التلاميذ حتى سارعوا إلى علاجه بأسلوب ديمقراطي جميل، فلم يأمر الرسل بفرض أشخاص معينين، بل طلبوا من الجمهور أن ينتخبوا سبعة رجال ممن يصلحون لهذا العمل، فكان منهم استفانوس.

قضى استفانوس على الأغلب ثلاث سنوات في عمله كشماس، وما من شك في أن خدمته امتلأت بروح العطف والحنان من نحو الجميع، ولا سيما الأيتام والأرامل والمحتاجين والبؤساء.

لم يقف استفانوس عند حدود كونه شماساً بالكنيسة، والرجال العظام لا تحدهم الأعمال التي يُكلفون بها. لقد برز استفانوس ووقف في الطليعة بين أبطال المسيحية الذين خلد التاريخ كفاحهم وبطولتهم في الدفاع عن الحق، لقد برز كواحد من أبرع المدافعين عن المسيح والكنيسة، وأغلب الظن أنه كان ينتقل بين المجامع اليهودية يعظ ويتحدث ويشهد لسيده شهادة قوية أمينة، وكان في أورشليم في ذلك الوقت ما يزيد على أربعمائة وثمانين مجمعاً، هؤلاء تجمعوا على استفانوس وحاوروه محاورات انتهت بتفوقه عليهم، وبحقدهم عليه، وتدبير المؤامرة التي انتهت باستشهاده!!... على أية حال إن استفانوس يقف على رأس ذلك الصف الطويل الذي أطلق عليه اسم الآباء الرسوليين أو المدافعين المناضلين، أمثال أكليمندس وأغناطيوس وبوليكاربوس فإذا ذكرنا لهؤلاء جميعاً، عظمة الدفاع عن الحق المسيحي، فلا يجوز أن ننسى أن استفانوس كان أول المحاورين والمدافعين عن الحق في فجر المسيحية وهي تبزغ بضوئها العظيم منذ ذلك التاريخ!!...

استفانوس الشهيد:

قُدم استفانوس للمحاكمة أمام السنهدريم وأتُهم بالتجديف على الله وموسى والناموس والموضع المقدس كما زعم مضطهدوه، ربما أخذوا من كلامه ما أضافوا إليه أو أنقصوا منه ما جعله يبدو في شكل تجديف، وقد قال أحدهم إن أنصاف الحق كثيراً ما تكون أبشع تصوير للحق الصحيح،... ويُعد دفاع استفانوس من أروع ما سجل التاريخ البشري، إذ حمل ميزتين عظيمتين، ونعنى بهما جمال الاستهلال، وعمق الحق،... ومع أنه استعرض التاريخ اليهودي المحبوب على أسماع قضاته، لكنه قادهم وهم لا يدرون إلى الحقيقة القاسية المرتبطة بتاريخهم، وهي أنهم امتداد مستمر لآبائهم العصاة المتمردين على الله،... ونحن نلاحظ هنا أنه لم يستعطف قضاته أو يتملقهم على حساب الحق!!... ولا أستطيع أن أقف من استفانوس متعجباً، وهو لا يفزع أو يخاف. وقد شاء الله أن يقترب من استفانوس في أحرج ساعة له على الأرض، فانفرجت السماء عن العرش العظيم والمسيح القائم عن اليمين، وهنا ارتفع الرجل فوق البشر والظروف، وتملكته القوة الخارقة التي تسيطر عادة على الأبطال والشهداء في أعظم المواقف التي يتعرض لها الإنسان بين الناس، وهنا نرى بطولة الشاهد، وبسالة الشهيد،... هنا نرى الوجه وقد أضاء بلمعان سماوي، فلم يعد وجه إنسان، بل أضحى وجه ملاك،...وفي الحقيقة إن استفانوس كان قريباً جداً من السيد، ويكفي أنه، والحجارة تنهال عليه، فعل مثل سيده تماماً وهو على الصليب، فلم يطلب الغفران للمسيئين إليه، كما غفر المسيح فحسب، بل صلى أيضاً مثل سيده وهو يستودع روحه: «أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوعُ اقْبَلْ رُوحِي!!... » (أعمال 59:7).

ومن الواضح إن موت استفانوس لم يكن عميق الأثر في حياة ذلك الشاب القديم الذي كان حارساً لثياب قاتليه فحسب، بل تحول في مجرى التاريخ ليكون عظة بالغة، من غير حدود، في حياة الملايين من البشر في الشرق أو الغرب على حد سواء.... وهكذا كان استفانوس رائعاً في حياته القصيرة على الأرض، وأروع في الشهادة الأمينة التي ختمها بدمه، واستحق إكليل المجد الذي لا يبلى في السماء!!....