العودة الى الصفحة السابقة
راحيل

راحيل

جون نور


القراءة: تكوين 17:31-34

17 فَقَامَ يَعْقُوبُ وَحَمَلَ أَوْلَادَهُ وَنِسَاءَهُ عَلَى اٰلْجِمَالِ، 18 وَسَاقَ كُلَّ مَوَاشِيهِ وَجَمِيعَ مُقْتَنَاهُ اٰلَّذِي كَانَ قَدِ اٰقْتَنَى: مَوَاشِيَ اٰقْتِنَائِهِ اٰلَّتِي اٰقْتَنَى فِي فَدَّانِ أَرَامَ، لِيَجِيءَ إِلَى إِسْحَاقَ أَبِيهِ إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ. 19 وَأَمَّا لَابَانُ فَكَانَ قَدْ مَضَى لِيَجُزَّ غَنَمَهُ، فَسَرِقَتْ رَاحِيلُ أَصْنَامَ أَبِيهَا. 20 وَخَدَعَ يَعْقُوبُ قَلْبَ لَابَانَ اٰلْأَرَامِيِّ إِذْ لَمْ يُخْبِرْهُ بِأَنَّهُ هَارِبٌ. 21 فَهَرَبَ هُوَ وَكُلُّ مَا كَانَ لَهُ، وَقَامَ وَعَبَرَ اٰلنَّهْرَ وَجَعَلَ وَجْهَهُ نَحْوَ جَبَلِ جِلْعَادَ.

22 فَأُخْبِرَ لَابَانُ فِي اٰلْيَوْمِ اٰلثَّالِثِ بِأَنَّ يَعْقُوبَ قَدْ هَرَبَ، 23 فَأَخَذَ إِخْوَتَهُ مَعَهُ وَسَعَى وَرَاءَهُ مَسِيرَةَ سَبْعَةِ أَيَّامٍ، فَأَدْرَكَهُ فِي جَبَلِ جِلْعَادَ. 24 وَأَتَى اٰللّٰهُ إِلَى لَابَانَ اٰلْأَرَامِيِّ فِي حُلْمِ اٰللَّيْلِ وَقَالَ لَهُ: «اٰحْتَرِزْ مِنْ أَنْ تُكَلِّمَ يَعْقُوبَ بِخَيْرٍ أَوْ شَرٍّ». 25 فَلَحِقَ لَابَانُ يَعْقُوبَ، وَيَعْقُوبُ قَدْ ضَرَبَ خَيْمَتَهُ فِي اٰلْجَبَلِ. فَضَرَبَ لَابَانُ مَعَ إِخْوَتِهِ فِي جَبَلِ جِلْعَادَ.

26 وَقَالَ لَابَانُ لِيَعْقُوبَ: «مَاذَا فَعَلْتَ، وَقَدْ خَدَعْتَ قَلْبِي، وَسُقْتَ بَنَاتِي كَسَبَايَا اٰلسَّيْفِ؟ 27 لِمَاذَا هَرَبْتَ خُفْيَةً وَخَدَعْتَنِي وَلَمْ تُخْبِرْنِي حَتَّى أُشَيِّعَكَ بِاٰلْفَرَحِ وَاٰلْأَغَانِيِّ، بِاٰلدُّفِّ وَاٰلْعُودِ، 28 وَلَمْ تَدَعْنِي أُقَبِّلُ بَنِيَّ وَبَنَاتِي؟ اٰلْآنَ بِغَبَاوَةٍ فَعَلْتَ! 29 فِي قُدْرَةِ يَدِي أَنْ أَصْنَعَ بِكُمْ شَرّاً، وَلٰكِنْ إِلٰهُ أَبِيكُمْ كَلَّمَنِيَ اٰلْبَارِحَةَ قَائِلًا: اٰحْتَرِزْ مِنْ أَنْ تُكَلِّمَ يَعْقُوبَ بِخَيْرٍ أَوْ شَرٍّ. 30 وَاٰلْآنَ أَنْتَ ذَهَبْتَ لِأَنَّكَ قَدِ اٰشْتَقْتَ إِلَى بَيْتِ أَبِيكَ، وَلٰكِنْ لِمَاذَا سَرِقْتَ آلِهَتِي؟»

31 فَأَجَابَ يَعْقُوبُ: «إِنِّي خِفْتُ لِأَنِّي قُلْتُ لَعَلَّكَ تَغْتَصِبُ اٰبْنَتَيْكَ مِنِّي. 32 اَلَّذِي تَجِدُ آلِهَتَكَ مَعَهُ لَا يَعِيشُ. قُدَّامَ إِخْوَتِنَا اٰنْظُرْ مَاذَا مَعِي وَخُذْهُ لِنَفْسِكَ». (وَلَمْ يَكُنْ يَعْقُوبُ يَعْلَمُ أَنَّ رَاحِيلَ سَرَقَتْهَا).

فَدَخَلَ لَابَانُ خِبَاءَ يَعْقُوبَ وَخِبَاءَ لَيْئَةَ وَخِبَاءَ اٰلْجَارِيَتَيْنِ وَلَمْ يَجِدْ. وَخَرَجَ مِنْ خِبَاءِ لَيْئَةَ وَدَخَلَ خِبَاءَ رَاحِيلَ. 34 وَكَانَتْ رَاحِيلُ قَدْ أَخَذَتِ اٰلْأَصْنَامَ وَوَضَعَتْهَا فِي حِدَاجَةِ اٰلْجَمَلِ وَجَلَسَتْ عَلَيْهَا. فَجَسَّ لَابَانُ كُلَّ اٰلْخِبَاءِ وَلَمْ يَجِدْ».

أريد أن أتكلم في هذه الحلقة عن راحيل زوجة أبينا يعقوب وبالتحديد عن حادثة راحيل التي سرقت آلهة أبيها ووضعتها فوق حِداجة الجمل وجلست عليها.

أمّا راحيل فقد لبّت حسب الظاهر نداء الله الذي صار إلى زوجها يعقوب، حين ظهر له ملاك الله في حلم قائلاً: «أَنَا إِلهُ بَيْتِ إِيلَ حَيْثُ مَسَحْتَ عَمُودًا، حَيْثُ نَذَرْتَ لِي نَذْرًا. الآنَ قُمِ اخْرُجْ مِنْ هذِهِ الأَرْضِ وَارْجعْ إِلَى أَرْضِ مِيلاَدِكَ» (تكوين 13:31).

وقد تيقن يعقوب من صوت الرب، حين رأى أن وجه لابان حماه ليس نحوه كأمس وأوّل من أمس. وحين سمع تصريح بنات لابان: «إِنَّ كُلَّ الْغِنَى الَّذِي سَلَبَهُ اللهُ مِنْ أَبِينَا هُوَ لَنَا وَلأَوْلاَدِنَا» (تكوين 16:31). لبّت راحيل نداء الرب وخرجت من هذا المكان الذي لم يعد لائقاً بها ولا بزوجها ولا بأولادها، بعد أن سمعت قول الرب لزوجها «فَالآنَ كُلَّ مَا قَالَ لَكَ اللهُ افْعَلْ» (تكوين 16:31).

خرجت راحيل من ذلك المكان وقصدت بيت إيل، وأصعدت معها أصنام أبيها وخبّأتها، في الوقت المعيّن وجلست عليها. أليس أمراً غريباً أن تخبِّئ راحيلُ الخطيةَ وتستريح إلى الوضع. أن يفعل الإنسان الخطية هو جهالة، لكن أن يخبِّئ الأمر ويستريح هو منتهى الجهالة. أن تسرق راحيل الأصنام وتقتنيها هو خطية وشر، لكن أن تخبئها وتتمسك بها هو أشرّ. والغريب في الأمر أيضاً هو أنها على عكس بقية النساء، كانت كتومة لدرجة أنها خبّأت الأصنام عن زوجها ولم يعرف بها. فعندما سأل لابانُ يعقوبَ «لِمَاذَا سَرَقْتَ آلِهَتِي؟» (تكوين 30:31)؟ كان جوابه: «اَلَّذِي تَجِدُ آلِهَتَكَ مَعَهُ لاَ يَعِيشُ... وَلَمْ يَكُنْ يَعْقُوبُ يَعْلَمُ أَنَّ رَاحِيلَ سَرَقَتْهَا» (تكوين 32:31). هذا سؤال غريب بالنسبة ليعقوب، إذ لا يمكن أن يكون في بيته آلهة غريبة، وفوق هذا كلّه لا يمكن أن يوجد سارقون. ثم إن كان هنالك أي أمر مخالف لإرادته، فلا بد أن يعرف به. هو رجل يُربّي أولاده تربية صارمة ومتمسّك بالمبادئ والوصايا مع جميع أفراد بيته.

عندما تتسرب الخطية إلى الحياة لا يعلم بها أعزّ الأعزاء وأقرب المقرّبين، حتى إن راحيل نفسها لم تكن تدرك ما فعلت تماماً. إنه أمر طبيعي إذ اعتادت أن ترى الأصنام وتجاورها، اعتادت أن تعيش معها في بيت أبيها، من دون أن تعرف ما معنى هذه الأصنام في نظر الله وبالنسبة إلى الحياة الروحية الصحيحة. كانت راحيل تتمتّع بنوع من الإيمان لكنه إيمان عصري لا يعرف للخطية وزناً، ولسان حالها يقول: ما الضرر أو المشكلة في إقتناء هذه الأصنام؟ ثم إن هذا أمر شخصي لا يضرّ بأحدٍ. إنه أمر أَستحسِنُه، وأقلّه أن أتمتع بحريتي الشخصية في اقتناء ما أريد. فيا أيتها المؤمنة العصرية، إن الإنسان مسؤول عن نفسه وعن غيره، وتصرفاته المفسدة، تؤثر فيه وفي الآخرين، وليس للإيمان أنواع وأنواع، فإما أن يكون كتابياً وإما لا يكون.

خبّأت راحيل الأصنام وجلست عليها، ولكن الأصنام التي نخبِّئها غالباً ما تظهر بعد مدة وجيزة من الزمن. تظهر حين تكبر وتخرّب وتؤخر المسيرة. كانت وجهة سير يعقوب نحو بيت إيل، لكننا نجده يتمهّل في سيره ويستكين في أماكن هادئة. يعيش حياة الخوف مما قد يواجهه من مخاطر ومفاجآت. كانت حياته في هذه الفترة سلسلة من المآسي والمخاوف والفضائح الأخلاقية، إلى أن حاصره الرب أخيراً ليرده إلى الطريق القويم ويصعد به من جديد نحو بيت إيل. «فَقَالَ يَعْقُوبُ لِبَيْتِهِ وَلِكُلِّ مَنْ كَانَ مَعَهُ: اعْزِلُوا الآلِهَةَ الْغَرِيبَةَ الَّتِي بَيْنَكُمْ وَتَطَهَّرُوا وَأَبْدِلُوا ثِيَابَكُمْ» (تكوين 2:35). ومن أين الآلهة الغريبة؟ هل أفرخت أصنام راحيل التي جلست عليها ولم يَدْرِ أحد بها؟ بقي الأمر بحسب الظاهر سراً، ولا علاقة لأحد به، لكنها تكاثرت وتفشت وظهرت بصُوَرٍ ومظاهر مختلفة، «فَأَعْطَوْا يَعْقُوبَ كُلَّ الآلِهَةِ الْغَرِيبَةِ الَّتِي فِي أَيْدِيهِمْ وَالأَقْرَاطَ الَّتِي فِي آذَانِهِمْ، فَطَمَرَهَا يَعْقُوبُ تَحْتَ الْبُطْمَةِ الَّتِي عِنْدَ شَكِيمَ» (تكوين 4:35). كانت النتيجة أن الحياة تنجست والثياب تنجست والأجساد تنجست، وأصنام راحيل أفرخت فتوزعت على جميع أهل البيت.

أصنام محبّبة اعتدنا عليها.وبسهولة نمسك بها ونخبئها، فنحن لا نسرق أصنام الجيران بل أصنام الأب. هنالك خطر كبير في الخطايا العائلية التي اعتدنا عليها. هذا أسلوب الشيطان الذي يريد لنا أن نحتفظ «بمسمار جحا» الذي يشدّنا إلى الوراء. أحياناً، قد يكون ما اقتنيناه في الماضي عزيزاً علينا، ويخصّ أناساً عزيزين علينا من أهل وأقرباء. ولكن لا يجوز أن نسير بحسب عواطفنا أو مشاعرنا بل لنترفّع إلى مستوى المبادئ والتعاليم الكتابية، ونقيس تحركاتنا على أساسها، فنقطع كل صلة عاطفية بالماضي بكل ما فيه ومن فيه.

إنّ قيوداً كثيرة وأصناماً متنوعة نجلس عليها ونقيّد نفوسنا بها فتحدّ من إمكاناتنا وتعيق مسيرتنا الروحية؛ فلا بأس من تعداد بعضها.

الصنم هو أيّ شيء يربطنا بالماضي لا علاقة له بالإيمان، إذ إن «كُلُّ مَا لَيْسَ مِنَ الإِيمَانِ فَهُوَ خَطِيَّةٌ» (رومية 23:14).

والصنم هو أيّ إنسان أو أي شيء نحبّه وندللّه في حياتنا أكثر من الرب.

والصنم هو أيّ إنسان أو أيّ شيء يمنعنا عن السير في طريق الدعوة الإلهية.

والصنم هو المال وقد تكون محبة المال صنماً، «لأَنَّ مَحَبَّةَ الْمَالِ أَصْلٌ لِكُلِّ الشُّرُورِ» (2تيموثاوس 10:6). وهذا الصنم لا يركض نحوه الأغنياء فحسب، بل أيضاً الفقراء الذين يريدون أن يصيروا أغنياء. والكتاب يحذّرنا من السعي وراء الغنى: «لاَ تَتْعَبْ لِكَيْ تَصِيرَ غَنِيًّا. كُفَّ عَنْ فِطْنَتِكَ» (أمثال 4:23).

وقد نسمّي أصنام راحيل أصنام العشائرية، إذ تمسكت بها راحيل كرمز من رموز العائلة المتوارثة من الجدّ إلى الأب إلى الابن، وهي من نصيب الابن المدلّل والوريث الشرعي. وَمَن أحقُّ منها ومن زوجها الذي خدم لابان عشرين سنة؟ إنها زوجة صالحة تحبّ زوجها وتحاول تحصيل حقه، بيد أنه كان من الأفضل أن تعيش الحياة الروحية السليمة أمام زوجها وعائلتها، وأن تتمسك بالمبادئ الكتابية بدل أن تتمسك بأصنام العشائرية. فمحبتها لزوجها بهذه الطريقة عرقلت المسيرة وأخّرت الدعوة ومنعت الصعود إلى بيت إيل، وأخيراً قضت على راحيل.

علينا أن نقتلع الأصنام بأيدينا، فلنصلّي يا رب انزع الأصنام من حياتي، لئلاّ يأتينا الجواب: «أيها الأولاد احفظوا أنفسكم من الأصنام، اعزلوا (بأيديكم) الآلهة الغريبة». لا تجلس على الخطايا التي تسرّبت إلى حياتك، ثم تصلّي، يا رب احفظني شخصاً روحياً؛ بل عليك أن تحفظ نفسك من الأصنام، عليك أن تتّخذ القرارات الروحية وتصمّم أن تعزل من حياتك الآلهة الغريبة وتدفنها وتسلك في طريق الدعوة والبركة.