العودة الى الصفحة السابقة
العــذراء

العــذراء

جون نور


سنتأمل في هذه الحلقة من شخصيات الكتاب المقدس شخصية عظيمة لها دور كبير عظيم في حياة وشخصية الرب يسوع المسيح البشرية.

ولا عجب أن يضطرب القلم وهو يقترب من شخصية العذراء المباركة. فإنها وإن تكن من البشر إلا أن أمومتها للسيد تضفي على شخصها نوراً قدسياً يرفعها عن طبقة البشر العاديين.

كانت مريم فتاة في الناصرة ولكنها لم تكن كباقي الفتيات اللواتي تذخر رؤوسهن في فترة الشباب بأحلام الحب وأفكار الزواج. لنسمع ماذا قال لها الملاك.

«لاَ تَخَافِي يَا مَرْيَمُ، لأَنَّكِ قَدْ وَجَدْتِ نِعْمَةً عِنْدَ اللهِ. وَهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْنًا وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ. هذَا يَكُونُ عَظِيمًا، وَابْنَ الْعَلِيِّ يُدْعَى، وَيُعْطِيهِ الرَّبُّ الإِلهُ كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ، وَيَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ!!» (لوقا 1: 30 - 33).

ولكن مريم عذراء وكيف تلد العذراء. أم هل يقصد الملاك أن العذراء مريم ستتزوج وتلد الملك المنتظر. إن كلمات الملاك توحي إلى أن الولادة لن تتأخر ريثما تتزوج بل توحي أنها ستلد وهي عذراء. ولذلك تسأل الملاك بكثير من الخوف، «كَيْفَ يَكُونُ هذَا وَأَنَا لَسْتُ أَعْرِفُ رَجُلاً؟. فَأَجَابَ الْمَلاَكُ وَقَالَ لَها: «اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذلِكَ أَيْضًا الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ. وَهُوَذَا أَلِيصَابَاتُ نَسِيبَتُكِ هِيَ أَيْضًا حُبْلَى بِابْنٍ فِي شَيْخُوخَتِهَا، وَهذَا هُوَ الشَّهْرُ السَّادِسُ لِتِلْكَ الْمَدْعُوَّةِ عَاقِرًا» (لوقا 1: 34 - 36).

ترك الملاك مريم وقد امتزج في رأسها وفي قلبها عدد من العواطف المتباينة! أهي مسرورة؟ أهي فخورة؟ أهي خائفة مضطربة؟ هي كل ذلك. وقد أحست كما لم تحس في أي وقت مضى من حياتها أنها في أشد حاجة إلى أم تسند رأسها على صدرها وتسكب عند قلبها عواطفها وتفيض مدامعها.

قامت مريم وذهبت مسرعة إلى الجبال إلى مدينة يهوذا وقصدت لتوها بيت زكريا وسلمت على أليصابات وما أن سمعت أليصابات صوت سلام مريم حتى ارتكض الجنين في بطنها!

كانت حركته حركة ابتهاج فائض. «وَامْتَلأَتْ أَلِيصَابَاتُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَصَرَخَتْ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَقَالَتْ: مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي النِّسَاءِ وَمُبَارَكَةٌ هِيَ ثَمَرَةُ بَطْنِكِ! فَمِنْ أَيْنَ لِي هذَا أَنْ تَأْتِيَ أُمُّ رَبِّي إِلَيَّ؟ فَهُوَذَا حِينَ صَارَ صَوْتُ سَلاَمِكِ فِي أُذُنَيَّ ارْتَكَضَ الْجَنِينُ بِابْتِهَاجٍ فِي بَطْنِي. فَطُوبَى لِلَّتِي آمَنَتْ أَنْ يَتِمَّ مَا قِيلَ لَهَا مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ» (لوقا 1: 41 - 45)

عادت العذراء إلى مدينتها وظهرت بوادر الحمل عليها! ورأى خطيبها بطنها يرتفع فملأ قلبه شك كبير. أن العذراء قديسة ولكن بطنها يكشف الحمل وهي بعد عذراء. كان اضطراب خطيبها لا حد له. إن العذراء خطيبته بل يظن البعض أنه كان قد عقد عليها فهي أمام القانون امرأته وإن كان لم يبنِ بها. لكنها تبدو كما لو كانت قد خانت الأمانة.

فهل تحدّث إليها؟ لا لأن يوسف أحبها ولم يشأ أن يشهرها بل رتب أن يخليها سراً! وفيما هو في حالة القلق هذه ظهر له ملاك الرب في حلم وقال له: «يَا يُوسُفُ ابْنَ دَاوُدَ، لاَ تَخَفْ أَنْ تَأْخُذَ مَرْيَمَ امْرَأَتَكَ. لأَنَّ الَّذِي حُبِلَ بِهِ فِيهَا هُوَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ. فَسَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ يَسُوعَ. لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ» (متّى 1: 20 و21).

ولذلك فعل يوسف كما أمره الملاك. كتب كتابه على مريم وزُفت إليه ولكنه عاملها طول الوقت كما لو لم تكن زوجة. لقد نظر إليها كشخص مقدس. في بطنها مخلص العالم. في بطنها القدوس ابن الله. كلا إنه لا يستطيع أن يفرض حقوقه الزوجية عليها على الأقل طالما أن بطنها يحمل الجنين الإلهي!

ومضت الأيام في القرية الجليلية بطيئة كما تمضي أيام القرية عادة ووصلت مريم إلى نهاية شهرها الثامن في حملها وستضع مولودها بعد أيام قليلة في الناصرة طبعاً!!

وجاء يوسف يحمل إلى «امرأته» مريم أنهما ينبغي أن يقوما في الحال إلى أرض يهوذا إلى بيت لحم ليتم التعداد فيها حسب الأمر الملكي. ولا بد أن الأمر كان ثقيلاً عليهما. ولكنهما لم يكن أمامهما إلا تنفيذ الأمر!

وُلد يسوع في بيت لحم وقضى يسوع مع أمه سنوات أيضاً. ويجدر بنا أن نذكر أنها وهي ترضعه ثدييها أرضعته الكثير من المعرفة. لا بد أنها حدثته عن قصة ميلاده وقصص الكتاب المقدس ولا بد أنها قدمت له في حياتها أجمل صورة للتقوى الصحيحة. وكان تقدمه في الحكمة والقامة والنعمة يعود إلى نعمة الله وإلى كمال أمه المباركة!

انتهى المطاف بيسوع إلى الصليب وتركه الجميع ولكن أمه لم تترك المكان وظلت عند الصليب تبكي بدموع القلب ابنها الذي صلبته الخطية. وعند الصليب اهتم السيد بأمه فأوصى يوحنا الحبيب بها وأخذها يوحنا إلى خاصته.

وبعد القيامة كانت العذراء مع التلاميذ تشاركهم في الصلوات. وقد حل الروح القدس عليها معهم. وظلت تشهد للمسيح إلى منتهى حياتها.

ويقول الشرَّاح أن يوحنا مدين إلى حد بعيد في حياته وكتبه إلى العذراء التي حدثته بجميع ما حفظته في قلبها عن ابنها «البكر».

ولا شك في أن العذراء تتمتع بمكان بهي مجيد وسام هناك في السماء!!