العودة الى الصفحة السابقة
المرأة التي أُمسكت بذات الفعل

المرأة التي أُمسكت بذات الفعل

يوحنا 8: 2 – 11

جون نور


«2 ثُمَّ حَضَرَ أَيْضًا إِلَى الْهَيْكَلِ فِي الصُّبْحِ، وَجَاءَ إِلَيْهِ جَمِيعُ الشَّعْبِ فَجَلَسَ يُعَلِّمُهُمْ. 3 وَقَدَّمَ إِلَيْهِ الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ امْرَأَةً أُمْسِكَتْ فِي زِنًا. وَلَمَّا أَقَامُوهَا فِي الْوَسْطِ قَالُوا لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ، هذِهِ الْمَرْأَةُ أُمْسِكَتْ وَهِيَ تَزْنِي فِي ذَاتِ الْفِعْلِ، 5 وَمُوسَى فِي النَّامُوسِ أَوْصَانَا أَنَّ مِثْلَ هذِهِ تُرْجَمُ. فَمَاذَا تَقُولُ أَنْتَ؟» 6 قَالُوا هذَا لِيُجَرِّبُوهُ، لِكَيْ يَكُونَ لَهُمْ مَا يَشْتَكُونَ بِهِ عَلَيْهِ. وَأَمَّا يَسُوعُ فَانْحَنَى إِلَى أَسْفَلُ وَكَانَ يَكْتُبُ بِإِصْبِعِهِ عَلَى الأَرْضِ. وَلَمَّا اسْتَمَرُّوا يَسْأَلُونَهُ، انْتَصَبَ وَقَالَ لَهُمْ: «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ بِلاَ خَطِيَّةٍ فَلْيَرْمِهَا أَوَّلاً بِحَجَرٍ!» 8 ثُمَّ انْحَنَى أَيْضًا إِلَى أَسْفَلُ وَكَانَ يَكْتُبُ عَلَى الأَرْضِ. 9 وَأَمَّا هُمْ فَلَمَّا سَمِعُوا وَكَانَتْ ضَمَائِرُهُمْ تُبَكِّتُهُمْ، خَرَجُوا وَاحِدًا فَوَاحِدًا، مُبْتَدِئِينَ مِنَ الشُّيُوخِ إِلَى الآخِرِينَ. وَبَقِيَ يَسُوعُ وَحْدَهُ وَالْمَرْأَةُ وَاقِفَةٌ فِي الْوَسْطِ. 10 فَلَمَّا انْتَصَبَ يَسُوعُ وَلَمْ يَنْظُرْ أَحَدًا سِوَى الْمَرْأَةِ، قَالَ لَهَا: «يَاامْرَأَةُ، أَيْنَ هُمْ أُولئِكَ الْمُشْتَكُونَ عَلَيْكِ؟ أَمَا دَانَكِ أَحَدٌ؟» 11 فَقَالَتْ: «لاَ أَحَدَ، يَا سَيِّدُ!». فَقَالَ لَهَا يَسُوعُ: «وَلاَ أَنَا أَدِينُكِ. اذْهَبِي وَلاَ تُخْطِئِي أَيْضًا».

سأتحدث في هذه الحلقة من أسماء وأحداث عن امرأة عرَفها الكتاب المقدس بالمرأة التي أُمسكت بذات الفعل.

لا يذكر الكتاب المقدس اسمها في مثل هذه الحالات. ولا يذكر الكاتب أيضاً اسم المدينة التي تنتمي إليها. ولكن حوادث القصة وقعت في أورشليم حيث وُجدت المرأة مذنبة وأمسكت في ذنبها، وإذ ننظر إلى المرأة والذين تجمعوا حولها، نحس بالثورة ضد الذين أحضروها إلى يسوع وضد طريقة كلامهم عنها. ومع ذلك فكلامهم يعاوننا على معرفة المرأة، وعملهم يعاوننا على مشاهدة ربنا وهو يعالجها كمريضة جيء بها إلى عيادته.

الحق كله عن هذه المرأة أنها كانت مذنبة، وأنها أمسكت بذنبها، وأنها دينت من الكتبة والفريسيين بسبب ذنبها. وكانت هذه الخطية في نظر الناس، ولا تزال، هي الخطية العظمى. وإذ أمسكت في ذات الفعل، فإن الناموس، الذي أعطاه الله للشعب على يد عبده موسى، يدينها. وهذا كل ما تعلنه لنا قصتها حرفياً.

أحضرت المرأة إلى الهيكل في الصباح الباكر. وأقاموها في الوسط أي في وسط الجموع وهذا سبّب شغباً وضجيجاً مما استرعى نظر الجموع والسؤال الذي جال في خاطر المشاهدين في ذلك الوقت، والذي يبرز في أفكارنا هو، ماذا يقول يسوع وماذا يفعل في مواقف كهذه؟

وإذ نراقب يسوع وهو يعالج هذا الموقف، ويعالج مريضته بالذات، نراه يعمل عجباً. فبدون أن يتلفظ بكلمة واحدة، انحنى إلى أسفل وكتب بأصبعه على الأرض. ولما أحضر أولئك القوم المرأة إلى يسوع سألوه، ماذا يقول عنها وما هو حكمه عليها. وبحسب شريعة موسى، مثل هذه المرأة يجب ألا تعيش، بل يجب أن تموت رجماً بالحجارة، فماذا تقول أنت؟

ولم تكن غيرة أولئك القوم على الشريعة هي التي دفعتهم إلى إحضار المرأة إلى يسوع، بل كان قصدهم أن يوقعوا يسوع في ورطة، لأنه بينما كان حكم الناموس على امرأة كهذه بالموت رجماً بالحجارة، فإن السلطات الرومانية كانت قد سحبت هذا الحق من الشعب اليهودي. فلو أن يسوع تمشى مع حكم الناموس وأمر أن تُرجم، لاتهموه أنه يعمل ضد القانون الروماني. ومن الناحية الأخرى لو أنه تنحى عن مساندة حكم الناموس، لاتهموه بأنه يحط من المستوى الأدبي. وبسبب هذا صمت يسوع في أول الأمر، وانتحى إلى أسفل وكتب بأصبعه على الأرض. ونستطيع أن نتخيل المرأة تراقب حركات يسوع، فيضمر خوفها وتخف كآبتها.

على أن أولئك القوم من الكتبة والفريسيين صمموا على أخذ جواب من يسوع على تساؤلهم، فأخذوا يرددون السؤال نفسه، فانتصب وكلمهم، ولكنه لم يشر في كلامه إلى الناموس اليهودي، أو القانون الروماني، بل نطق بمبدأ أبدي: «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ بِلاَ خَطِيَّةٍ فَلْيَرْمِهَا أَوَّلاً بِحَجَرٍ!».

ومن المهم جداً أن نقف هنا لحظة، ونتأمل فيما فعله يسوع. كانت المرأة واقفة أمامه مترقبة متعجبة، ويسوع لم يبحث معها موضوع تطبيق القانون الموسوي، ولكنه بيَّن أن هناك شرطاً واحداً فحسب، يخول الحق لأي شخص أن يدين آخر أو يوقع عليه العقاب. وهذا الشرط هو البراءة وعدم الخطأ. والكلمة «بلا خطية» التي يستعملها ربنا في هذه المناسبة، لا توجد في أي مكان آخر في العهد الجديد، وهي تعني شيئاً أكثر جداً من مجرد الحرية من ارتكاب الخطية، إنها تعني الحرية من الخطية في الطبيعة كما في الاختيار، الأمر الذي لا يمكن أن يوجد بين البشر مهما بلغوا من القداسة.

وهؤلاء الرجال، من الكتبة والفريسيين، الذين أحضروا المرأة إلى يسوع لم يكن الدافع لعملهم هذا، الاهتمام بواقعة الحال، بل كان محاولة منهم للإيقاع بيسوع نفسه. وحينئذ قال لهم يسوع رداً على تساؤلهم «إن كانت هذه المرأة، حسب ناموس موسى، ينبغي أن ترجم إذاً فمن كان منكم بلا خطية فيرمها أولاً بحجر». فإن البرارة وعدم الخطأ هي الشرط الوحيد لإدانة الآخرين. وإذ سمع الرجال كلمة يسوع ابتدأوا يخرجون واحداً فواحداً مبتدئين من الكبير إلى الصغير.

والحقيقة الواضحة هي أن خروجهم هو اعترافهم بعدم صلاحيتهم لإدانة المرأة. «وَبَقِيَ يَسُوعُ وَحْدَهُ وَالْمَرْأَةُ وَاقِفَةٌ فِي الْوَسْطِ». وأمام هذا المشهد نرى التناقض العظيم – يسوع وهو الطهارة المجسمة المطلقة، والمرأة وهي الإثم المجسمَّ – ويسوع وحده الذي كان له الحق أن يرميها أولاً بحجر. وبعد برهة سكوت، ولعلها كانت فرصة اعتراف سرّي للمرأة، رفع يسوع وجهه وقدّم للمرأة سؤالين متعاقبين:

وقال يسوع للمرأة بعد ما خرج المشتكون عليها «أَمَا دَانَكِ أَحَدٌ؟» وهنا تساقط من بين شفتيها العبارة الوحيدة التي لفظتها هنا وسجلها الكتاب المقدس: «لاَ أَحَدَ، يَا سَيِّدُ!». ولعلها أدركت أنها تقف في حضرة شخص ممتاز. وحينئذ قال لها يسوع: «وَلاَ أَنَا أَدِينُكِ. اذْهَبِي وَلاَ تُخْطِئِي أَيْضًا». ولم يكن يسوع بذلك مقللاً من مقياس المطالب الأدبية أو مشجعاً للخطية.

قال يسوع للمرأة: «اذْهَبِي وَلاَ تُخْطِئِي أَيْضًا». وبذلك أشار يسوع إلى الطريق الجديد، الذي فُتح أمام المرأة لتسلكه والى القوة الجديدة التي أعطيت لها لتنتصر بها على الخطية. ونحن لا نعرف ماذا حصل لها نتيجة كلمة يسوع هذه، ولكننا نعلم أنها ذهبت من عند يسوع امرأة جديدة، وأنها حازت على الحياة مغفورة لها خطاياها، ومحمَّلة بالقوة اللازمة لهذه الحياة الجديدة.

أيها المستمع العزيز – لكي تتأكد من غفران خطاياك، يجب أن تقف في حضرة المسيح وحيداً، وأن تواجه حقيقة حالك، وأن تسلِّم له تسليماً كلياً كمخلصك وسيدك فحينئذ تحصل منه على كلمة الحرية «ولا أنا أدينك». ثم كلمة القوة «اذهب ولا تخطئ أيضاً».