العودة الى الصفحة السابقة
يوسف الرامي

يوسف الرامي

جون نور


«ثُمَّ إِنَّ يُوسُفَ الَّذِي مِنَ الرَّامَةِ، وَهُوَ تِلْمِيذُ يَسُوعَ، وَلكِنْ خُفْيَةً لِسَبَبِ الْخَوْفِ مِنَ الْيَهُودِ، سَأَلَ بِيلاَطُسَ أَنْ يَأْخُذَ جَسَدَ يَسُوعَ» (يوحنا 38:19).

سأتحدث في هذه الحلقة عن شخصية غير معروفة كثيراً لقراء الكتاب المقدس وهي شخصية يوسف الرامي.

الكتاب المقدس يعطينا صورة ليوسف الرامي ربما لم تعط للكثيرين في العهد الجديد، حيث يقول عنه الكتاب المقدس في انجيل يوحنا «ثُمَّ إِنَّ يُوسُفَ الَّذِي مِنَ الرَّامَةِ، وَهُوَ تِلْمِيذُ يَسُوعَ، وَلكِنْ خُفْيَةً لِسَبَبِ الْخَوْفِ مِنَ الْيَهُودِ، سَأَلَ بِيلاَطُسَ أَنْ يَأْخُذَ جَسَدَ يَسُوعَ» (يوحنا 38:19). يوسف الرامي هذا أراد أن يأخذ جسد يسوع ليكفنّه ويدفنه.

ويصفه متّى بالقول: «رجل غني»... وقال عنه مرقس: «مشير شريف» أو هو مثال «الروماني العظيم»... ونعته لوقا بالوصف: «مشيراً ورجلاً صالحاً باراً». كان الرجل الذي لا تعوزه الثروة إذ كان غنياً، ونستطيع أن نتعرف على غناه، من ذات القبر الذي نحته في الصخر في بستان، فإذا كانت مقبرته بستاناً عظيماً، تحف به الأشجار والزهور، فكم يكون قصره أو بيته،... ومن المعتقد أنه كان يملك في أورشليم قصراً، كالكثيرين الذين يملكون في العاصمة بيتاً، إلى جانب بيوتهم في الأقاليم، ولهذا أيضاً نحت قبره في المدينة المقدسة،.... ومن الواضح أنه كان يمتلك الثروة، أكثر مما كانت الثروة تمتلكه، فهو ليس بالرجل البخيل المقتر على نفسه، بل هو الرجل الذي يستطيع أن يستمتع بثروته على نحو سخي كريم!!.... وهو أكثر من مجرد غني، فهو الرجل الشريف، والكلمة تكشف عن هذا الشخص الأرستقراطي المنبت والحياة، فهو من سادة القوم، وليس من رعاعهم أو عامتهم، ويبدو من تصرفه وحكمه على الأشياء أنه من أصحاب المبادئ التي لا تتغير بالمجاراة والمحاكاة والتقليد، لم يلوثه الإسفاف الذي سقط فيه قادة الأمة في أيامه وعصره بل هو «الشريف» مظهراً وسلوكاً!!... كان عضواً في السنهدريم وهو مركز لم يكن يبلغه إلا كبار الشخصيات اليهودية في ذلك الوقت، ... أو بعبارة أخرى إنه لم يكن الشريف الذي يعيش في برجه العاجي، بل القائد الذي يحس معنى وجوده ورسالته في الحياة، صاحب الذهن المتسع والتفكير السليم، ومن ثم فهو المشير الذي تبدو الحاجة إليه في أدق المشكلات والأزمات، .... ومع ذلك فهو الرجل النبيل المهذب الأخلاق،... ويبدو من الرواية الكتابية أن يوسف الرامي كان رجلاً دمث الأخلاق، رقيق المشاعر، طيب القلب.

إن يوسف الرامي يمثل ظاهرة يلزم أن نتوقف إزاءها ملياً قبل أن نعبّر عنها، وهي ما جاء عنه: «وَهُوَ تِلْمِيذُ يَسُوعَ، وَلكِنْ خُفْيَةً لِسَبَبِ الْخَوْفِ مِنَ الْيَهُودِ» (يوحنا 38:19) ولعل موطن العجب في التعبير الكتابي هو الاعتراف بهذه التلمذة المختفية، التي لم ينكرها عليه الرسول يوحنا، رغم أنها إلى يوم الصلب كانت مغلفة بالظلام،... فهل يعني هذا اعتراف السماء بالتلمذة الخفية حتى ولو لم تظهر بوضوح للناس!!...

كان يوسف الرامي تلميذاً مختفياً بسبب الخوف من اليهود، وما يزال الكثيرون في كل زمان ومكان يظهرون في صورة يوسف الرامي التلميذ المختفي، الذي يود من أعماق قلبه أن يعترف بالسيد، ولكن الخوف يمنع هذا الاعتراف العلني، ويرده إلى الوراء، وليس بالضرورة أن يكون الخوف على الحياة نفسها، بالقتل والموت، بل قد يكون بما لا ينتهي من أساليب التعذيب والتشريد والمضايقة والحرمان،.... كان يوسف الرامي يخاف من الطرد من السنهدريم وهو مجمع يضم قادة اليهود الدينيين – الأمر الذي حدث معه فيما بعد – وكان يخاف من الإهانة والتحقير والمضايقات المتعددة، التي يجدها تلميذ المسيح إلى اليوم في الشرق والغرب على حد سواء، وتحتاج إلى الشجاعة غير العادية والصبر والاحتمال والجلد والبسالة التي لا يصل إليها الكثيرون!!... وكم وقف الاسم المسيحي عائقاً في حياة الملايين من الشباب، دون الوصول إلى مركز معين أو وظيفة أو ترقية أو سلامة أو حرية.

إن التلمذة الخفية مليئة بالمتاعب والصعاب والمشاكل، وقد تكون أبعد الكل على النمو الروحي الصحيح، ومن الطبيعي أن يوسف الرامي – وهو تلميذ مختف – حرم نفسه من اللقاءات المتكررة مع المسيح وتلاميذه وكان عاجزاً عن الحياة في الشركة المقدسة التي تتيح الانطلاق في الحياة المسيحية السامية،... كما إن حياة السرّية والخوف والذبذبة تحجب الصور المختلفة للانتصار تعوق عن بلوغ القمة في جبل الشركة المسيحية!!... ومن أشد الأخطار والتجارب التي تتعرض لها أنها إذا لم تخرج إلى النور، فيخشى أنها تموت في الظلام الذي عاشت فيه، وتفقد روح الشهادة التي هي قوام الحياة المسيحية الصالحة أمام الله والناس!!....

لم يخرج يوسف الرامي من التلمذة الخفية في الظلام، أو يصل إلى قوة التكريس الكامل فحسب، بل أكثر من ذلك كان سرّ يوسف قوة وتشجيع لنيقوديموس، الذي جاء إلى المسيح ليلاً، وكان يحتاج إلى الدفعة التي تخرجه هو أيضاً إلى النور،... سار الاثنان وطلبا جسد يسوع وكفناه بأعز وأغلى الحنوط،... ودفنه يوسف في قبره الجديد في البستان إتماماً للنبوة: «وَمَعَ غَنِيٍّ عِنْدَ مَوْتِهِ» (إشعياء 9:53).

شكراً لله على الصليب الذي حوّل الرجل من التلميذ المختفي إلى الآخر. الذي ظهر في ملء الوضوح والعلانية أمام الله والناس!!.....

عزيزي المستمع هل أنت تلميذ متخفي للمسيح أم تعلن إيمانك جهراً وعلانية أمام الله والناس.